الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية بين الإنشطار والإنضمام للقاعدة
7 ذو القعدة 1428
أحمد السعيد

بإعلان الظواهري انضام الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية لتنظيم القاعدة تصبح التنظيم المغاربي الثاني الذي ينطوي تحت راية القاعدة في المغرب ، الأمر الذي يطرح تساؤلاً ملحاً ما إذا كان انضمام الجماعة المذكورة للقاعدة هو بنفس قوة انضمام جارتها في الجزائر للتنظيم المذكور؟يبدو ان الأجابة أقرب الى النفي وان موضوع الإنضمام ليس له كبير قيمة إذا ما أخذنا المعطيات التالية بالحسبان.
فالجماعة الليبية هي تنظيم فضفاض ومنشطر في أكثر من بلد بسبب الضربات التي وجهت له قبل ان يصلب عوده في ليبيا ، والتنظيم أيضاً لم يتبن يوماً طروحات تنظيم القاعدة ولم يكن جزءا منها علما ان عناصره قاتلوا في العراق لكن كانوا أقرب الى الشيخ عبد الله عزام الإخواني التوجه منه الى أيمن الظواهري احد قيادي تنظيم الجهاد في مصر سابقاً. وما ذُكر من انضمام التنظيم للقاعدة لا يعدو أولئك الأشخاص الذين أصلاً قاتلوا تحت راية القاعدة في أفغانستان وحالياً في العراق وهم قطعاً ليسوا جميع أفراد التنظيم الذي تأسس أصلاً .
وما يكسب هذا الرأي قوة هو انه بعد يوم واحد من اعلان الظواهري نبأ الإنضمام كشفت احدى الصحف العربية عن وجود بوادر تشير إلى قرب إطلاق مبادرة للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، لوقف ما يسمى "العنف" والتفاوض بشأن مراجعة أفكارها المشابهة لمبادرة تنظيم "الجهاد" المصري التي يتوقع إطلاقها منتصف الشهر الجاري ، حيث نقلت الجريدة المذكورة عن "نعمان بن عثمان" القيادي الليبي السابق في الجماعة الإسلامية "المقاتلة"، " تأكيده على معرفته بوجود اتصالات مباشرة بين ممثلين للحكومة الليبية وقادة الجماعة الإسلامية الذين سمحت له السلطات بمقابلتهم في مقر احتجازهم في طرابلس قبل شهور ، مضيفاً أنه سمع من "أبي المنذر" مباشرة أنه لا يمانع في حوار مع ممثلين للحكومة الليبية، وأن ثمة فتاوى أصدرتها الجماعة في السابق "تحتاج إلى مراجعة"، لكنه قال: إن الاتصالات لا تعني أن الطرفين وصلا إلى اتفاق، رغم إفراج ليبيا عن العديد من ناشطي الجماعة الإسلامية".
وما يزيد صدقية هذا الإحتمال ان المناخ المسيطر على العلاقة بين التنظيم والنظام هو بصراحة يتجه نحو إذعان التنظيم للنظام مقابل الإفراج عن قياديه ففي شهر ديسمبر من العام الماضي أفرجت السلطات الليبية عن 60 شخصا من أعضاء التنظيم ، كانوا تعهدوا بالتوقف عن ممارسة أي نشاط ضد النظام، ويبدو أنهم آخر ما تبقى من الثمانين ونيف معتقل الذين اعترفت بهم الحكومة الليبية بصفتهم من "الجهاديين" بسنة 2005.
كما تشير التقارير على ان المفاوضات التي تجري بين الطرفين يقودها رأس الهرم في التنظيم واركانه كالشيخ "عبدالله الصادق" ، ونائبه "أبو حازم" ، ومنظر الجماعة "أبو المنذر" ، والشيخ مفتاح الذوّادي، والشيخ عبدالوهاب قايد.
متى تشكلت ومتى اعلن عنها
تم تشكيل الجماعة الاسلامية المقاتلة في ليبيا في بداية تسعينات القرن الماضي في افغانستان من قبل ناشطين ليبيين قدموا الى افغانستان لقتال القوات السوفياتية المحتلة، واختار أغلبهم القتال تحت قيادة القائد الأفغاني عبد رب الرسول سياف، ولكنهم قبل ذلك كانوا قد تأثروا بالشيخ "عبد الله عزام" القريب من نهج الإخوان المسلمين، حيث كان يرى "عزام" أن فرصة تواجد المقاتلين العرب في أفغانستان لابد أن تستثمر من أجل التخلص من الأنظمة المتسبدة في العالم العربي التي تحول دون تحرير فلسطين، من أجل ذلك افتتح مكتبا في مدينة بيشاور لاستقبال المتطوعين العرب، والإشراف على كل شئونهم من الإعاشة إلى التدريب والقتال .
إلا أنهم وبعد خروج الإتحاد السوفياتي بقي البعض منهم في حين عاد الباقون وكان على رأس العائدين شاب ليبي يدعى "عبد الله صادق" ما لبث ان أنشأ تنظيماً سرياً هدفه قلب نظام الحكم في ليبيا وتحويلها لدولة إسلامية .

تزعم "عبد الله صادق" المولود في العاصمة طرابلس وخريج كلية الهندسة التنظيم وكان من أبرز رجالاته خريج كلية الهندسة التنظيم نائبه "ابوحازم"،

في سنة 1993 استقر الصادق في بنغازي شرق ليبيا حيث مقر الحركة السنوسية مستفيداً من كره سكان المنطقة القلبيين لنظام القذافي، وراح يعمل على تجنيد أعضاء جدد في التنظيم الجديد حتى وصل الأمر ببعض أفراد التنظيم الإلتحاق باللجان الثورية التابعة للنظام للحصول على الأسلحة من جانب والتمويه من جانب آخر.

واستمر الحال على ذلك حتى عام 1995 م وعلى أثر حادث عرضي تم اكتشاف أمرهم فاضطروا للإعلان عن أنفسهم تحت مسمى "الجامعة الإسلامية المقاتلة الليبية" . وقد تكمنت السلطات من تحديد موقع لهم في الإقليم كانوا يستخدمونه لتجنيد مقاتلين جدد بقيادة الضابط المنشق "صالح الشهيبي" الذي فضل الانتحار على أن يقبض عليه. بعد سنة أعلنت حالة الأحكام العرفية، وقام الطيران بضرب مواقع المتحصنين في الجبال، وفي أكتوبر 1997 وفي معركة شرسة قتل أفضل قادة الجماعة الإسلامية الليبية وهو "صلاح فتحي سليمان" الملقب بـ" أبوعبد الرحمن الحطاب"
وبين كر وفر دام أربع سنوات قتل على أثره العشرات من افراد التنظيم أعلن العقيد القذافي أن الأفغان العرب الذين دربتهم أمريكا على القتل وزرع القنابل تم القضاء عليهم ومن بقي منهم حياً هرب الى بريطانيا أو عاد الى أفغانستان.
الضربات الموجعة التي تلقتها الجماعة دفعت بها للبحث عن ملجأ أو دعم من قبل رفقاء دربها في الجهاد الأفغاني سابقاً من الجزائريين الذين عادوا للجزائر ثم ما لبثوا ان انضموا للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وفي سبيل ذلك أوفدوا خمسة عشر رجلا لاستطلاع إمكانية اتخاذ الجزائر كنقطة انطلاق نحو ليبيا، ولكنهم ذهبوا جميعا ضحية الإقتتال المستعر بين الجيش الجزائري والجماعات التي خرجت من رحم الأزمة وخصوصاً الخلاف بين الجماعة الجزائرية المسلحة، التي أخذت تنشق على بعضها، ولم تعد تفرق بين مدني وعسكري أو بين طفل وامرأة ، في عهد "عنتر الزوابري" و"جمال زيتوني" ، فما لبث أن اختفى أثرهم ، لكن أمل الجماعة الليبية لم يخبُ فأوفدت ثلاثة رجال آخرين ليعرفوا مصير الذين سبقوهم لكنهم لم يعودوا هم أيضا ما دفعها لصرف النظر عن موضوع الجزائر.

بعدها تفرق أنصارها في جميع البلدان وإن تركز أغلبيتهم في بريطانيا التي تعاطفت معهم واستغلتهم كورقة ضغط على النظام الليبي حين كان معادياً حتى وصل الامر بالعقيد القذافي أن اتهم المخابرات الليبية بالوقوف وراء محاولة اغتياله الفاشلة عندما تمكن أحد مقاتلي الجماعة المقاتلة من رمي قنبلة يدوية تحت رجلي العقيد، ولكنها لم تنفجر.

ولم يعرف عن الجماعة الليبية أي تورط بتفجيرات ضد المدنيين أو استهداف للأجانب داخل الأراضي الليبية او خارجها بل كانت من الحركات الجهادية الثورية القليلة التي صدرت بيانات في يونيو 1996 ومايو 1997 أدانت فيه أفعال الجماعات الجزائرية التي أوغلت في القتل وحرق المساجد ووصفتها بالخروج عن الشريعة والجهاد.

بعد احداث سبتمبر 2001

لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة تحول في حياة الجماعة كما كانت نقطة تحول في العلاقة بين النظام الليبي وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث استغلت ليبيا حاجة الولايات المتحدة للمعلومات الإستخباراتية عن الحركات الاسلامية الجهادية خصوصا الأفغان العرب المتهمون أصلاً بالوقوف وراء الهجمات على الولايات المتحدة ،أبدت ليبيا استعدادها للتعاون وعلى الأثر تم اجتماع سري في لندن بين المخابرات البريطانية والأمريكية والمسؤولون الليبيون حيث سلم الليبيون للـ(سي. آي. أيه.) أسماء أربعة عشر من قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة ممن يقيمون في المملكة المتحدة.

وعلى الرغم من أن الجماعة استنكرت احداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنها وقعت بين فكي المخابرات الأمريكية التي تعاونها المخابرات البريطانية وبين التربص الليبي بها، حيث زاد من حجم التنسيق بين أجهزة المخابرات المذكورة بشأنها، الأمر الذي شلّ قدرتها على الحركة. ولم ينسب لها أي عملية أمنية منذ 2001، وكان آخر بيان لهم كان سنة 2005.

ثم في عام 2004 وبعد تفكيك برنامج أسلحة الدمار الشامل الليبي في ديسمبر 2003 تكافئ الإدارة الأمريكية ليبيا فتضع الجماعة الإسلامية المقاتلة على قائمة المنظمات الإرهابية التي تحاربها أمريكا.
واستمر التنسيق بين البلدين حبث قبضت المخابرات الأمريكية على أمير الجماعة "عبدالله الصادق" ومعاونه الرئيسي "أبوالمنذر الساعدي" ، الأول في تايلاند والثاني في هونغ كونغ. وبعد استجوابهما من قبل الس.اي.اي تم تسليمهما للبيا.
كما عقدت بريطانيا وليبيا اتفاقاً في أكتوبر 2005 ينص على ترحيل أعضاء الجماعة الموجودين في بريطانيا إلى طرابلس مقابل تعهد ليبيا بعدم إساءة معاملتهم . ثم في 30 يونيو 2006 تختفي ليبيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في نفس الشهر الذي تم اعلان الإدارة الأمريكية عن اعتقال "ابن الشيخ الليبي" في أفغانستان معبرة ذلك نصرا كبيرا من الطراز الأول في حربها ضد الإرهاب.