15 محرم 1429

السؤال

لقد وقفت على حديث (لا عدوى و لا طيرة, وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة و الفرس والدار"، وحسب علمي أنه لا طيرة في الإسلام، والسؤال هنا ما الفرق بين الطيرة والتشاؤم؟ وما هو تفسير هذا الحديث؟ وكيف يكون التشاؤم من هذه الثلاثة؟<BR>

أجاب عنها:
د.عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد. سؤالك يا أخي عن الفرق بين الطيرة والتشاؤم ،ولعلك تقصد الفرق بين التطير والتشاؤم ،فإن كان سؤالك عن الفرق بين التطير والتشاؤم فلا فرق ،وإن كان سؤالك عن الفرق بين الطيرة والتشاؤم : فالتشاؤم أو التطير هو الظن السيئ الكائن في القلب ، أما الطيرة فهي الفعل المرتب على هذا الظن ،من إقدام أو إحجام ... الخ ، وقد نبه على هذا القرافي رحمه الله. وبالنسبة للحديث الذي ذكرت في سؤالك ، فهو حديث صحيح مخرج في الصحيحين وغيرهما، لكن لا بد من جمع الألفاظ الواردة في هذا الحديث ؛ ليتضح لك المعنى ، وإلا فالبحث يطول في هذه المسألة. فهذا الحديث له رواية أخرى عن ابن عمر نفسه، حيث يقول ـ كما في الصحيحين ـ ذكروا الشؤم عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن كان الشؤم: ففي الدَّارِ، والمرأة، والفرس. فهذه الرواية توضح الرواية التي ذكرت في سؤالك، ويكون توجيهها الذي يندفع به الإشكال ـ إن شاء الله ـ : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن كان الشؤم ... ،وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم لما كان عليه أهل الجاهلية ، وليس إقراراً للتطير والتشاؤم، وكيف يقره صلى الله عليه وسلم وقد نفاه هو بقوله ـ كما في الحديث الذي ذكرته في سؤالك ـ : « لا عدوى ولا طيرة» . ولأنه لو أخذنا بظاهره للزم منه أن هذه الأشياء مشؤومة بذاتها ،والواقع يكذب ذلك ،فكم من امرأة ،ودار حلّت فيها البركة ،ورأى الناس من آثارها شيئاً حسناً. إذن ، فالمعنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس في الجاهلية ،وامتد هذا في بعض المسلمين ـ وللأسف ـ ،فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره ، كما قاله بعض العلماء ،من أجل أن لا يستقر التشاؤم في نفسه على طريقة أهل الجاهلية . ولهذا يقال لمن سكن بيتاً ،ووافق القدر أن يبتلى فيه بأنواع من البلاء ،لا بأس أن تتحول عنه ،وكذلك لو اشترى سيارة ،فحصل له منها مكروه وتكرر ذلك ،فلا حرج من بيعها والتخلص منها ،كل ذلك حتى لا يعتقد في هذه الأشياء ما كانت تعتقده الجاهلية في هذه الأمور ،وإلا فكل شيء بقضاء وقدر،وقد قال ربنا تبارك وتعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد/22])،والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين