24 جمادى الثانية 1426

السؤال

أود استشارتكم في الطريقة الصحيحة في حل نزاعات الأطفال في الأسرة الكبيرة، وخاصة إذا كانوا يعشون في عمارة واحدة، وكذلك مع اختلاف التربية ووجهات نظر الآباء والأمهات، فأنا زوجة الأخ الكبير في الأسرة، وهو المستقيم الوحيد في الأسرة، وكذلك أكثرهم مالاً ومنصباً وعلماً، وهو يحاول كثيراً التقرب إلى إخوته بالهدايا والتكفل بكثير من المصاريف، والتجاوز عن الأخطاء وتعويد الأولاد على ذلك، حتى أصبح أطفالي يحسون بالضيم والظلم ونشأت النزاعات.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أختنا في الله : لقد قرأت رسالتك باهتمام شديد، وأود أن أوضح لك أن غالبية الناس في عصرنا يشكون مر الشكوى مما منه تشكين، فلقد أضحت تربية الأطفال وتوجيههم وتقويم سلوكياتهم من أشق العمليات التربوية، وقد ساهم في ذلك جملة من الأمور منها على سبيل المثال :- 1- غياب مناهج التربية الإسلامية الصحيحة عن معظم المدارس في بلداننا العربية والإسلامية. 2- افتقادنا إلى المربين والمعلمين الذين يقدرون أهمية ما يقومون به من عمل، حتى أن الكثير من شبابنا وشاباتنا يفرون من الالتحاق بالجامعات والكليات المتخصصة في تخريج مربين ومعلمين للأطفال والأشبال. 3- عدم وضوح الرؤية لدى القائمين على أمور التربية والتعليم في الكثير من بلداننا . 4- عدم وجود خطط واضحة وطموحة تعنى بكل مرحلة عمرية على حدها، واختلاط المراحل العمرية على كثير من المربين . 5- عدم استشعارنا لأهمية التربية في الصغر، والتعليم والتوجيه والتشكيل المبكر لسلوكيات الأطفال. كانت هذه – أختنا الكريمة – مقدمة ضرورية ومدخل أساسي لفهم المشكلة التي بين أيدينا، أما بخصوص سؤالك فإنني أستعين بالله وأقول لك : إن نزاعات الأطفال قد تكون مقبولة – نوعاً – في حال الأسر الصغيرة، غير أنها تكون بحق "مزعجة" ومثيرة للقلق وربما مولدة للكثير من المشاكل العائلية، إذا ما كانت بين عدد كبير من الأطفال يعيشون معاً في أسرة كبيرة، وذلك للآتي:- 1- اختلاف طرق ومناهج التربية التي يعتمدها كل رب أسرة مع أبنائه. 2- تباين وجهات نظر الآباء والأمهات حول مفهوم اللعب عند الأطفال . غير أني أود أن أذكرك بفضل الله عليك فأنت – كما ورد في رسالتك - زوجة الأخ الأكبر في الأسرة، وزوجك – بفضل الله - هو المستقيم الوحيد في الأسرة، كما أنه - أكثرهم مالاً ومنصباً وعلماً، ومن ثم فإن هذه النعم تستوجب شكر الله عليها، ومن شكر الله عليها أن تعدي نفسك لتحمل هذه المسئولية، فتكوني الأرحم بالأطفال جميعاً والأوسع صدراً في تحملهم، والصبر عليهم، كما يمكنك أن تقومي بتخصيص غرفة بالمنزل وتسمينها "غرفة التربية"، ثم تقومي بتجميع الأطفال في هذه الغرفة مرة واحدة يومياً – يفضل أن تكون بعد صلاة العصر، وتعدي لهم برنامجاً تربوياً متكاملاً يحتوي على المعلومة الجاذبة، والمسابقة الشيقة المسلية، ولا مانع من أن ترصدي لهم عدداً من الجوائز لتحفيزهم، ولا تنسي أن تطعمي برنامجك بالتوجيه المفيد والتقويم الجيد، والإرشاد الواعي، لعل الله يصلح لك أولادك ويجزيك خير الجزاء. أما بخصوص قولك عن زوجك: إنه يحاول كثيراً التقرب إلى إخوته بالهدايا والتكفل بكثير من المصاريف، والتجاوز عن الأخطاء وتعويد الأولاد على ذلك"، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فهم زوجك لدينه وبره بأهله وطاعته لربه، وهذا مما يجب أن تحمدي الله ثانية عليه، فمن أعظم نعم الله على المرأة المسلمة أن يرزقها زوجاً صالحاً، فاهنئي ببر زوجك لأهله، وإحسانه إلى إخوته وقيامه على شأنهم ومساعدتهم فهذا مما يرفع قدرك بين أهله ويجعلك في مكانة عالية، فشجعيه على ذلك، وأظهري له السعادة والرضا بما يفعل يكتب الله لك الأجر في الدنيا والآخرة. غير أن ما أحزنني في رسالتك شطرها الأخير والذي قلت فيه بعدما وصفت كرم زوجك وإحسانه على أهله " حتى أصبح أطفالي يحسون بالضيم والظلم وصارت النزاعات"، وحتى يكون الأمر واضحا فإن عليك دور وعلى زوجك دور، أما ما عليك فأن تعرفي أولادك أن ما يقوم به أبوهم من إكرام أهله هو من خلق الإسلام، وهو مما أمرنا ربنا _سبحانه وتعالى_ به وأوصانا به نبينا _صلى الله عليه وسلم_، وأن ترفعي من قدر أبيهم في نفوسهم، فتستبدلي الضيم الذي يحسونه بالعزة والإحساس بالظلم إلى الإحساس بأداء الواجب. أما زوجك – أكرمه الله- فإنني أهمس في أذنه وأقول له : - 1- بارك الله فيك، وجزك الله خيراً عما تفعل. 2- أنت بحق خير زوج وخير ابن وخير أخ فهلا .. هلا أكملت الخير فكنت خير أب لأبنائك ؟ واعلم أخي الكريم أن خير الناس خيرهم لأهله، وإن أول أهلك بعد أبيك وأمك هم أولادك، فأنت عنهم أمام الله مسؤول، فكن لهم خير أب يكونوا لك خير أبناء، فلا تقصر في حق ولدك، فهم أولى الناس بك، وأحق الناس برعايتك، فلا تحرمهم من حنانك، واهتمامك، ورعايتك لهم .. واعلم أن الله قد استرعاك أمانتهم فلا تضيعها واعلم أن الله سائل كل راع عما استرعاه يوم القيامة، حفظ أم ضيع أو كما قال _صلى الله عليه وسلم_. 3- كن متوازناً، في عطفك، معتدل في مشاعرك، وخص ولدك بمزيد عطف وعناية فهو لهم عليك حق، واعلم أن لربك عليك حقاً، وأن لنفسك عليك حقاً، وأن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه. وقبل الختام سأعرض عليك بعضا مما يصلح أن يكون برنامج لتربية هؤلاء الأطفال وتوجيههم مثل : - 1- ابدئي معهم بتعليمهم حروف الهجاء والأعداد، كتابة ونطقاً . 2- حفظيهم سورة الفاتحة، وعدداً من قصار السور. 3- علميهم الطريقة الصحيحة للوضوء . 4- علميهم كيفية أداء الصلاة، وقومي بتقديم أكبرهم أو أكثرهم فهما ووعياً وحفظاً ليصلي بهم. 5- اعقدي لهم مسابقات ثقافية وأخرى في المعلومات العامة، وقدمي للفائزين منهم جوائز رمزية. 6- اعتمدي مبدأ الثواب والعقاب في تربيتهم، فكافئ المجيد منهم، وعاقبي المقصر، مع مراعاة ألا يكون العقاب في أضيق الطرق وبالحدود الشرعية. 7- حاولي أن تكتسبي حبهم لك، ومن ثم طاعتهم لأوامرك . 8- حببيهم بنفسك ووظفي ذلك في تعليقهم بالمبادئ الإسلامية. 9- قومي بهذا بعد استئذان زوجك، وجعله يطرح الفكرة كما لو كانت فكرته حتى نضمن موافقة أولياء أمورهم عليها، نظرا لحبهم لزوجك كما جاء في رسالتك. 10- جددي نيتك من هذا العمل، واقصدي به وجه الله تعالى، واعلمي أن أجرك عند الله كبير. وختاماً، أسأل الله _عز وجل_ أن يهدي قلبك إلى الحق، وأن يحبب إليك خلق زوجك، وأن يصلح لك زوجك وولدك، .. آمين