18 ذو القعدة 1428

السؤال

إخواني في الله.. أخوكم الصغير موظف في شركه كبرى خاصة، وليس قطاعاً حكومياً، أي الأمان الوظيفي ضعيف، جاءني الابتعاث خارج المملكة، وسبب ترددي للبعثة هو إني وحيد أمي وأبي، والوظائف في المملكة شبه معدومة، إذا تركت الوظيفة وذهبت إلى الخارج أحمل هم وحدة ومتطلبات أمي وأبي وخسرت الوظيفة، وإذا تركت البعثة أشعر بندم شديد ليس لدي اللغة والشهادات، وليس لدي القدرة بأن أدرس اللغة.. ظروفي لن تسمح.. استشرت، واستخرت، وعملت كل شيء!! ساعدوني الله يحفظكم وشكراً.

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

الأخ الفاضل محمد: بدءاً أسأل الله أن يفرج عنك وأن يغنيك بحلاله عن حرامه وبفضه عمن سواه. ومشكلتك فيما يظهر الموازنة بين البقاء مع والديك وخدمتهما، والحفاظ على وظيفتك، رغم ضنك العيش، أو السفر وتركهما لأجل البعثة التي ترجو أن يتحسن بسببها وضعك فيما بعد. ولعل العامل المؤثر الرئيس في اتخاذ القرار هو حال والديك ومدى قدرتهما على مكابدة أمور الحياة بعدك بضع سنين، ويلي هذا العامل عامل آخر مرتب على جواب السؤال: إلى أين سوف تبتعث وما المصالح المتحققة من الابتعاث؟ وكلا العاملين من الأهمية بمكان. أما العامل الأول فإن كان الوالدان قد يطيقان فراقك بضع سنين دون ضرر يلحقهما أو أحدهما، نظرت في العامل المؤثر التالي، فهل سوف تكون بعثتك إلى بلاد يسعك فيها حفظ دينك وإظهار شعائره، والعيش فيه عيشة إسلامية كريمة؟ فإن كان الجواب بنعم، فتوكل على الله، واستودع الله والديك وأقدم على البعثة، ولتكن على اتصال متواصل بوالديك، وإن فاتك برهما عن قرب فلا يفوتنك برهما عن بُعد بكل ما تطيق، واحرص على العودة إليهما فور ما يتهيأ لك ما تحصل به أسباب رزق كريم يعينك على أمر دنياك ودينك، وينال خيرَه بالدرجة الأولى والداك وذووك؛ أحقُّ الناسِ بك. أما إن كانت البعثة إلى بلاد لن تصفو لك فيها حياة إسلامية مستقيمة، ولن تنعم فيها بظلال الإسلام، فبقاؤك خير لك، وكذلك الأمر إن كان ليس لوالديك غناء عنك، بحيث لو تركتهما لم يستطيعا تسيير أمورهما إلا بتكلفة الناس وإحسان الآخرين من أجل تحصيل ضرورياتهما وحاجياتهما الملحة، فإذا كان الشأن كذلك فلا ينبغي لك السفر ولو لبلد تقيم فيه شعائر دينك، وتستقيم لك حياة إسلامية فيه، طالما كنت بديار هذا شأنها كذلك، فبر والديك واجب، وأسباب الرزق بيد الله، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق: من الآية4]، وقد قال علماؤنا: من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه. بل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح قوله: "إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً منه"(1)، وهذا قد رأيناه في أحوال بعض المبتعثين وبعض من ترك ذلك، ففتحت على الأخير أسباب رزق في بلده لم يحصلها من تغرب مع سوء الأوضاع المادية في بلاده وقصر ذات اليد، فالرزق بيد الله اعمل لتحصيله الأسباب الشرعية يرزقك الله، ولا تطلب ما في يد الله بسخطه فأي طعم للحياة بعد سخط الله؟! هذا والله أسأل أن ييسر لك الخير في حلك ومرتحلك، وأن يجنبني وإياك أسباب سخطه، وأن ييسر لكل معسر من أهل العفاف أسباب رزقه. ________________ (1) رواه الإمام أحمد في المسند 5/78 (20758) وغيره وقد صحح إسناده جمع من أهل العلم، وانظر مجمع الزوائد للهيثمي (10/299)، والفروع لابن مفلح (3/279).