القذافي من تقليم الأظافر إلى قضم الأصابع
27 شوال 1424

" التنقيب عن الذل " مهنة يجيدها في عالمنا العربي نفرٌ كثيرون ، ليس صدام أولهم و لا القذافي آخرهم ، و إن كان للرجلين مذهبان مختلفان في تلمس الذل ، و نبدأ هذا الأسبوع بالرئيس الليبي معمر القذافي الذي تحول نظامه إلى أداة التغيير السياسية الثالثة بيد الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية ، و الأداتان أو الدولتان الأخريان، هما : قطر و العراق ، فالأولى تمثل نموذج الدولة "السباقة" الحداثية المتطورة التي تسعى إلى التخلص من ثوابت الثقافة الخليجية المرتبطة بالإسلام ، و الثانية تمثل نموذج الدولة "المارقة" التي ينتهي بها الحال للانهيار ، و أما ليبيا فتمثل نموذج الدولة "التائبة" التي مرقت من قبل و لكنها استفاقت و آبت ، و لم يكن الإعلان المباشر عن هذا النموذج الجديد من قِبل توني بلير و جورج بوش مباشرة أمراً عشوائياً ..<BR><BR> فالنموذج الليبي مطلوب هذه الأيام لأمرين : أولهما: ليكمل المنظومة الإقليمية الثلاثية، والتي باتت معروضة جبرياً أمام دول المنطقة يختارون منها ما يشاؤون ، و ثانيهما : لتحديث مستوى السقف السياسي و العسكري، خاصة في الدول العربية ذات الشأن ، و التي لا يصلح أن تكون قطر حادياً لها ، و قد تحدد ذلك المستوى في إصدارته الجديدة وفق ما يلي : في المجال العسكري لم يعد مجرد حظر تطوير أسلحة الدمار كافياً ، فأصبح التخلص من أي آثار لبرامج أو مكونات سابقة أمراً حتمياً ، و بالنسبة للصواريخ فقد تحددت مسافة 300 كم حداً أقصى لمداها ، و هذه نقلة كبرى لم تكن في الحسبان فقد أصبح الحظر الأمريكي يشمل الأسلحة و حاملها و المحمولة عليها ..<BR>و سياسياً فقد أصبح مبرراً فتح المجال أمام عملاء السي آي إيه ليتجولوا في طول البلاد و عرضها، و ينقبوا تحت كل حجر عن محتويات قائمة الأسلحة المحظورة التي تزداد باطراد ، أما العلاقات الكاملة مع "إسرائيل" فقد صارت من شروط التوبة اللازمة ..<BR><BR>و الأمر الأخطر في هذه التطورات أن القذافي أحد الزعماء العرب الذين يبدو مستقبل جمهورياتهم غامضاً بعد رحيلهم ، وليست هناك رؤية سياسية واضحة تكشف هذه الغوامض ، و هذا يعني أن ما يحدث لن تظهر خطورته إلا بعد رحيل هؤلاء الزعماء ، وبعبارة أخرى ما تفعله – أو تدقه - أمريكا في هذه الدول ليس مسمارا في نعش الرئيس الحالي ، ولكنه مسامير في نعش الدولة نفسها و لكن بعد رحيل الزعيم ، و بعبارة ثالثة ما يحدث الآن هو عملية تسليم و تسلم موضوعها " دولة ليبيا " بين القذافي و الأميركيين ، على أن يتم التسليم بعد عمر طويل .. <BR><BR>و على المستوى الإقليمي .. لن يظهر أثر الإجراءات الليبية الأخيرة بين يوم و ليلة ، فالتوازنات السياسية تستغرق زمناً ، و لكن المشكلة أن جعبة الأخ العقيد لا تخلو دوماً ، وهو مغرم بالنقلات الفجائية ، وبينما تعاني الأنظمة العربية من سياسة تقليم الأظافر الأمريكية ، فاجأهم القذافي بافتتاح سياسة قضم الأصابع ، و لعله في الأيام القادمة يدشن سياسة قطع الأيدي لينهي بذلك مرحلة كاملة من تاريخ المنطقة العربية !!<BR><br>