التغيرات في الهند , هل من فائدة للمسلمين والعرب ؟؟
23 ربيع الثاني 1425

[email protected] <BR><BR>بعد أن ضرب العدوان على الإسلام بعطنه في كل أرجاء الأرض، بدأت تظهر بعض التباشير الطيبة لحال أفضل للمسلمين في أكثر من رقعة عانى المسلمون فيها الشدائد وتداعت عليهم فيها أمم الأرض من الملل والنحل المتباينة.<BR> ففي شبه الجزيرة الهندية كان للمسلمين المكلومين موعد مع السعادة ليست سعادة مفرطة كسعادتهم يوم تتحقق لهم العزة والمنعة والحرية، وإنما سعادة تشابه تلك التي أخبر عنها ربنا _عز وجل_ في محكم التنزيل : "ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ بفرح المؤمنون بنصر الله".<BR><BR>في أقصى الأرض أماطت الانتخابات الهندية اللثام عن حقائق ونتائج تدعم وضعية الأقلية المسلمة وتدفعهم عدة خطوات قليلة إلى الأمام في طريق نيل بعض حقوقهم.<BR> <BR>أسفرت الانتخابات النيابية الهندية _كما هو معروف_ عن فوز حزب المؤتمر الوطني بزعامة سونيا غاندي (أرملة رئيس الوزراء الهندي الأسبق راجيف غاندي) وخسارة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف بزعامة أتال بيهاري فاجبايي، بعد أن حصل المؤتمر الوطني على 145 مقعداً تؤهله ضمن تحالف من القوى اليسارية والشيوعية للحصول على مجموع 272 مقعداً من أصل 545، وينجح في قيادة تحالف حزبي يضم القوى اليسارية والشيوعية لتشكيل الحكومة الهندية.<BR>ماذا يستفيد المسلمون من وجود تحالف علماني يحكم الهند ؟ هذا ربما هو أهم سؤال يطرح نفسه على المتابع العربي والإسلامي .. البعض يطرح فكرة متطيرة إزاء الفوز الغاندي ؛ مبناها أن نتائج الانتخابات الهندية تستثير مثيلتها الباكستانية ؛ فتتساوى نتائجهما .. فحين يفوز الأصوليون الهندوس في الهند يفوز الإسلاميون وترتفع أسهمهم في باكستان، وبالتالي فلا داعي للفرح ـ وفق هؤلاء ـ ما دام هذا الفوز الغاندي العلماني في الهند سيستجلب فوزاً مماثلاً له على صعيد حزب بوتو العلماني في باكستان إن أجريت انتخابات حرة في باكستان.<BR><BR>وهذه الفكرة مع وجاهتها لا تمنح قائليها الشمولية في الطرح والاستناد إلى أسس مكينة، إذ لا يمكن اختزال إرادة أمة يتجاوز سكانها 140 مليوناً تتنوع أعراقها وتتباين مذاهبها في عامل وحيد، لا يأخذ باعتباره إفلاس حزب الشعب الباكستاني على خلفيات الفشل الذريع في النهوض الاقتصادي بالبلاد إبان حكم بنظير بوتو، سيما بعد أن تورطت أو أدينت بفضائح مالية هي وزوجها، ولا يأخذ باعتباره أيضاً إخفاق حزب الرابطة في الحلول محل حزب الشعب وكراهية الشعب للتوجه الانقلابي الذي طفا ببرفيز مشرف فوق مياه الحكم الباكستاني المائجة ؛ تلكم الكراهية المؤسسة على تلطخ السيادة الوطنية الباكستانية من خلال الامتيازات العسكرية التي منحها للولايات المتحدة الأمريكية وقلة اكتراثه بصولات الولايات المتحدة وجولاتها على بعد كيلو مترات قليلة من المنشآت النووية الباكستانية ، وإدمانها عبور الحدود الأفغانية/الباكستانية ذهاباً وإياباً دونما استئذان أو رقيب، والمؤسسة على الفشل الذريع الذي منيت به سياسة العسكر الاقتصادية، وكذا على الانكماش المخزي أمام التقدم الهندي في كشمير، وأخيراً محاربة المؤسسات والمدارس الإسلامية العريقة وتفشي الاضطرابات الطائفية بين المسلمين، وامتداد ذلك ليطال رموزاً دينية لم تعد بمأمن في ظل الحكومة الحالية كمفتي باكستان الذي قضى نحبه في الثلاثين من شهر مايو الماضي. <BR>على أية حال، فالقضية الهندية هي مقصدنا، وفوز حزب المؤتمر الوطني بقيادة سونيا غاندي لم يؤثر سلباً في مجمله على الساحة الباكستانية، اللهم إلا على العسكر الباكستانيين الذين عقدوا رهانهم الخاسر على حزب بهارتيا جاناتا (الهندوسي المتطرف كشريك مفترض في "سلام كشمير" الواهن، وتمنيهم فوزه بما أوقعهم بعد هزيمته في حرج بالغ !!(منيت الأمة دوماً برهانات العسكريين الطائشة كرهانات عبد الناصر ونميري والقذافي ...). <BR><BR>وغير هذه النقيصة قد لا ترانا نجد أمامنا إلا بعض دواعي التفاؤل بمستقبل المسلمين في الهند في ظل حكومة المؤتمر الوطني، ومبعث ذلك أن الهند التي يشكل المسلمون فيها نحو 20% من عدد سكانها كان التوتر الديني طارئاً عليها ولم يكن أصلاً متجذراً فيها، ولقد كانت بريطانيا هي أكبر نافثة لنيران التراشق الديني بين الهندوس والمسلمين، خصوصاً في الهند الكبرى بعدما أسقطت آخر ممالك المسلمين في شبه الجزيرة الهندية، ثم سيطرت في العام 1875م على الهند ووضعتها تحت الاحتلال المباشر بعد أن ألجمتها قبل ذلك بـ"الاحتلال الاقتصادي" ، وبالتالي فالمتوقع أن يعود التوتر الديني بين المسلمين والهندوس القهقرى في ظل حكومة تبدو أكثر تسامحاً مع الأقلية المسلمة اتساقاً مع تاريخ حزب المؤتمر (اغتيل مؤسس الحزب المهاتما غاندي في العام 1948م على يد متطرف هندوسي ظنه متعاطفاً بشكل زائد مع الأقلية المسلمة في الهند !!<BR><BR> وتمثل الهند الجديدة الآن حالة فريدة من التعاطي مع القضايا الدينية في الحكم، إذ يشغل رئاسة الدولة منتسب للأقلية المسلمة "أبو بكر زين العابدين عبد الكلام"، ورئيس وزرائها ينتمي لأقلية السيخ "مانموهان سينج" ، وتبدو كذلك أقل ارتباطاً ببريطانيا ووريثتها الإمبراطورية "الولايات المتحدة الأمريكية".<BR>مبعث التفاؤل يعود إلى أن حزب المؤتمر الوطني الهندي يعد أقل كراهية للمسلمين من الأحزاب الهندوسية الأصولية المتطرفة كحزب بهاراتيا جاناتا، الذي ارتفعت شعبيته من عضوين فقط في البرلمان الهندي قبل أحداث مسجد بابري الذي ارتفعت عقيرة الحزب مسجرة نيران الحقد الهندوسي لهدمه في العام 1992م إلى أن تمكن في العام 1996م من تشكيل الحكومة الهندية المتعصبة منفرداً. <BR><BR>والحقد الهندوسي لم يبدأ بالاشتعال إلا بعد أن تولت بريطانيا حكم الهند ونفثت فيها من أحقادها "الاستعمارية"، ويسجل التاريخ أن بريطانيا "البروتستانتية" عمدت إلى دق إسفين مزمن بين المسلمين والهندوس حينما أشعلت نار الفتنة على خلفية الادعاء الهندوسي الذي "تصادف" مع السنوات الأولى للاحتلال البريطاني بأن المسجد البابري الذي بناه السلطان المسلم بابر بمدينة أيوديا في العام 1528م ، قد بني على أنقاض معبد ما يسمى بالإله رام، ثم أوجدت لذلك حلاً خبيثاً يسمح للمسلمين بالصلاة داخل المسجد وللهندوس بممارسة طقوسهم في ساحته، تماماً مثلما عادت وكررت ذلك في المسجد الأقصى بفلسطين.<BR> <BR>بريطانيا التي قسمت الهند الكبرى لمصلحة غير المسلمين وفتت شوكتهم كانت هي الحاملة لفيروس التعصب الديني ضد المسلمين، وأذكت الأحقاد بين المسلمين والهندوس في أكثر من محطة ليس أكبرها الصراع الحدودي بين الهند وباكستان حول "جنة الله" أو "كشمير"، وإنما الأخطر هو تشجيعها على تنامي الأصولية الهندوسية التي لا ترى في الهند من حقوق إلا للهندوس وما عداهم هواء. <BR><BR>نعود ونقول : لم تكن الأصولية الهندوسية بهذا التعصب والحدة قبل أن تحتل بريطانيا شبه الجزيرة الهندية، وإنما استنبتت الأصولية في التربة الاحتلالية التي حولت الهند الكبرى من دولة مسلمة إلى دول متعددة أكبرها دولة هندوسية، ولذا فإنه كلما كان الأمر في الهند بعيداً إلى حد ما عن التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كان ذلك مدعاة لعودة حال التعايش السلمي بين المسلمين والهندوس بما يحفظ للمسلمين بعض حقوقهم المهدرة في ظل العصبية الدينية الهندوسية، وبعيداً عن حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصب والقريب من الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً قد يكون حال المسلمين أفضل.<BR><BR>_كما قلنا آنفاً_ لسنا مفرطين في التفاؤل لكننا نستند إلى بعض المعطيات، من بينها المعلومات شبه المؤكدة التي تضع الدم الغاندي في رقبة جهاز الاستخبارات الأمريكي (C.I.A) الذي تتهمه جهات هندية بأنه الذي استخدم قلة من المتطرفين الهندوس تارة في اغتيال الزعيم الهندي الشهير المهاتما غاندي في العام 1948م ، واستخدم ثلة من السيخ تارة أخرى في اغتيال إنديرا غاندي (رئيسة وزراء الهند عام 1984م) ، واستخدم في الأخير مجموعة من متطرفي سريلانكا في اغتيال ابنها رئيس وزراء الهند راجيف غاندي في العام 1991م.<BR><BR> وسواء كانت الولايات المتحدة متورطة أم لا، فإن وجود المؤتمر في سدة الحكم الهندية ليس هو ما كانت تطمح إليه الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب عديدة ، بعضها اقتصادي يرتكن إلى الخطوات التي خطاها حزب بهاراتيا جاناتا في جذب الاستثمار وجلب الشركات المتعددة الجنسيات، والتي تدار من خلال أساطين الاقتصاد الأمريكي ، والتي حققت بعض النجاحات في المجال الاقتصادي لكنها في مقابل وسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما أزعج الأخيرين ودفعهم للفظ الحكومة السابقة.<BR><BR> " المزارعون الذين ضربهم الجفاف ويفكرون بالانتحار غير معجبين بأبراج التكنولوجيا والوظائف المخصصة لخريجي الجامعات " هكذا قال الأكاديمي ديبانكار من جامعة جواهر لال نهرو، وهكذا يمكن استمزاج رأي مئات الملايين من الهنود الذين لفظوا حزب بهاراتيا جاناتا الذي باعد بين طبقات الشعب الهندي الاجتماعية، إذ الرأسمالية العالمية (والصهيونية بمعظمها) لا تستثمر هنا أو هناك لتفتح ذراعيها للفقراء والمساكين في بلاد كالهند (ثلثا القوى العاملة في الهند مزارعون فقراء)، ولا تضخ استثماراتها لإنشاء وزارات للشؤون الاجتماعية أو مؤسسات الضمان الاجتماعي !! (وحده الإسلام الذي يتوسط المسافة بين تقديس الفرد وتقديس الجماعة). <BR><BR>وعطفاً على ذلك نجد أن القوى اليسارية قد عاونت الحكومة الجديدة من قبل أن تبدأ ـ بتحالفها الجديد الذي يضم اليسار بكافة تشعباته جوار المؤتمرـ حين نجح الحزب الهندي الشيوعي في القفز بولاية غرب البنغال التي يحكمها من قبل (في إطار النظام الفيدرالي المعمول به في الهند) إلى مصاف عمالقة الاقتصاد في شبه القارة الهندية برغم الخط الماركسي الواضح لحكومتها المحلية، وهو ما يمكن الارتكان عليه في المسعى الجديد للنهوض الاقتصادي في الهند من دون إهمال الخصوصية الوطنية للبلاد.<BR> <BR>وخلاصة القول في هذا الصدد: إن الوزارة الجديدة التي تقف في نقطة أبعد من الحكومة السابقة عن الإمبراطورية الأمريكية ستجد نفسها مضطرة لأن تولي الفقراء قدراً أعلى من الاهتمام ؛ ما يقلل من تغول القوى الاقتصادية المتعددة الجنسيات في الهند، ويبعد الأمريكان عن الهند لكيلومترات قطعوها إبان حكم فاجبايي.<BR> <BR>وكذا فإن ثمة بعض الأسباب الأخرى غير الاقتصاد تحد من غلواء الطموح الشره للولايات المتحدة حيال الهيمنة على الهند تعود في مجملها إلى مدى التفات الهند الجديدة إلى تبني استراتيجية جديدة تجعلها تقترب من القوى العالمية والإقليمية المؤثرة في الشرق والوسط الآسيوي ؛ كروسيا والصين وإيران وحتى باكستان في إطار من البراجماتية السياسية الساعية لخلق توازن يوقف المطامع الأمريكية في هذه المنطقة الشاسعة والكثيفة والمؤثرة في العالم، ومما يؤكد قيمة هذا الانتصار الذي حققه حزب المؤتمر الوطني الهندي ، وتأثيره السلبي على الولايات المتحدة الأمريكية ازدياد حاجة الإمبراطورية الأمريكية من جديد إلى باكستان في إطار حملتها التي تشنها على ما تسميه بالإرهاب في وقت تنفلت فيه حكومة بهاراتيا جاناتا اليمينية القريبة جداً من يد الولايات المتحدة كأداة طيعة في وجه باكستان و"الإرهاب" على حد سواء. هذا بدوره يعني أن ورقة القضية الكشميرية ستلعب بها الهند فقط بما يحقق مصالحها هي، لا بما يرتئي للولايات المتحدة الأمريكية مثلما حدث إبان الأزمة الكشميرية الأخيرة التي كادت تشعل حرباً كشميرية جديدة قبل أكثر من سنتين حين استخدمت حكومة فاجبايي مخلب قط في وجه الباكستانيين. <BR><BR>هل سينتهي التقارب الأمريكي الهندي بوجود حزب المؤتمر الهندي في سدة الحكم ؟ بالتأكيد لا , فحكومات المؤتمر المتعاقبة هي بدورها شهدت انسجاماً مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقفت الولايات المتحدة إلى جوار الهند في حربها ضد الصين الشعبية عام 1962م، ووقفت على الحياد في حربي عام 1965م وعام 1971م التي نشبت بين الهند وباكستان (الحليف الأشهر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة)، كما لا يمكن التغاضي عن كون الهند ما زالت ضمن الكومنولث البريطاني الذي ورثت الولايات المتحدة معظم نفوذه بوراثتها للإمبراطورية البريطانية ذاتها. لا نغفل كل هذا بالطبع، لكننا لا نغفل في المقابل حفاظ الهند لأوقات طويلة إبان حكم جواهر لال نهرو وإنديرا غاندي على حياديتها ضمن منظومة دول عدم الانحياز، هذه المنظومة التي لم يعد لها الآن وجود لكن كثير من دولها ما زالت تتوق إلى عودتها أو على الأقل إلى عدم الانخراط بـ"إخلاص" في طابور الذل الأمريكي الطويل !!<BR><br>