متى تعلن واشنطن "الحماية والانتداب" على العرب؟!
27 رجب 1425

يبدو أن واشنطن أصيبت بخلل عقلي منذ هجمات 11 سبتمبر جعلها تعاني من مرض يسمي "العداء لكل ما هو عربي ومسلم"، وأن مراحل هذا المرض تتفاقم حتى أنه لم يعد مستغرباً أن تعلن واشنطن "الحماية والانتداب" على العالم العربي، وتتدخل في توليه رؤساء وحكومات كما كان الاحتلال البريطاني يفعل في ثلاثينيات أربعينيات القرن الماضي؟!<BR>فقد بلغ الصلف والتدخل في شئون الدول حد التدخل في سيادة الدول العربية تارة بالمطالبة بتغيير المناهج الدراسية والتعليمية ووضع خطط لتغريب شباب العرب والمسلمين بدعوة نزع كراهيتهم للغرب، وتارة أخرى بالتدخل في الشؤون الداخلية، وتعيين الحكومات والزعماء العرب والتهديد بعزلهم سلماً أو بالقوة على غرار ما حدث في العراق.<BR>وجاء القرار الذي سعت واشنطن لتمريره في مجلس الأمن بأغلبية 9 أصوات الداعي لانسحاب القوات السورية من لبنان، ورفض تجديد الرئاسة للرئيس إيميل لحود ثلاثة سنوات أخرى بمثابة تدشين لحقبة جديدة من التدخل في سيادة الدول (بشكل سلمي)، والسعي لإثارة التوتر والتدخل في شؤون البلاد العربية المتمردة على الوصاية الأمريكية.<BR>فالقرار هو الأول من نوعه والأغرب في تاريخ مجلس الأمن، ولولا تضافر المصالح الأمريكية والفرنسية وتلاقيها لما خرج القرار للعلن، ففرنسا لا تزال تعد سوريا "ضيعة" خاصة بها منذ احتلالها باعتبارها مستعمرة سابقة، وواشنطن تسعى للوي ذراع سورية الرافضة لتقديم تنازلات من أجل تسوية مهينة لصالح الصهاينة، ولهذا كان من السهل استصدار هذا القرار.<BR>وعالم اليوم تحول كله إلى عالم مصالح لا مجال للأخلاق فيه، فمن السهل شراء صوت أي دولة عضو في مجلس الأمن على طريقة (شلني وأشيلك)، بحيث تساند دولة استعمارية ما موقف دولة استعمارية أخرى في منطقة ما مقابل مساندة تبادلية في منطقة أخرى ولا مجال هنا للمصالح العربية والإسلامية، فنحن الملعب فقط الذي يلعبون فيه وهم اللاعبون، وليس لنا دور في اللعبة من الأصل!<BR>ويزيد من مأساوية الوضع العربي والإسلامي أن حكام اليوم أصبحوا مثل حكام الطوائف في الدولة الأندلسية الذي تنازعوا أمرهم وتأمروا مع عدوهم وهان على بعضهم أن يأكل لحم أخيه وأن يطعمه لعدوه مقابل الإبقاء على رقبته، وهذا هو السبب الأول لضعف العرب والمسلمين، أي عدم توحدهم.<BR>ومع أن قرار مجلس الأمن تحدث عن خروج القوات الأجنبية من لبنان عموماً ولم يركز على سوريا، فقد جاءت كل التصريحات تتحدث عن سوريا وعن لبنان وكأنه ليس من حق لبنان وبرلمان لبنان أن يحدد من يرأسه إلا بقرار أمريكي، فلم يتحدث أحد عن القوات الصهيونية التي لا تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية والطيران الصهيوني الذي يخرق الأجواء اللبنانية صباح مساء!!<BR>والحقيقية أن هذا ليس أمراً مستغرباً، ولكنه يفضح عملياً الانحياز الأمريكي للصهاينة، ويفضح تبعية المنظمات الدولية لواشنطن بسبب تمويلها لها والضغط عليها، فالأمر نفسه يحدث مع إيران والبرنامج النووي الإيراني ومن قبل حدث مع البرنامج الليبي بهدف تصفيته.<BR>فمحمد البرادعي (رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية) سبق أن اعترف ضمناً بامتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً، وقال: "أعرف أنه برنامج متطور، وأن إسرائيل لا تنفي إن لديها القدرة النووية إنما حجم هذا البرنامج ومدى تطوره حقيقة لا أستطيع أن أعرف.. يكفي أن أعرف أن لديها قدرة نووية.. هناك قناعة أن لديها سلاحاً نووياً "!!<BR>ومع هذا لم تطالب هيئة الطاقة الذرية إسرائيل بنزع سلاحها النووي ولم تحدث أي ضجة، حتى مع الأنباء التي تحدثت عن تسرب في الإشعاع النووي في مفاعل ديمونة ومقتل مئات الطيور حوله، وتوزيع الصهانية حبوب اليود على سكان ديمونة لوقايتهم من الإشعاع، ولكنهم لا يمر شهر إلا ويصدرون بياناً يحذر من القدرات النووية الصهيونية!<BR>والطريف أن حملات الضغط الأمريكية غالباً ما تأتي برد فعل عكسي، فقد كانت نسبة كبيرة من اللبنانيين تعارض تمديد مدة الرئاسة للرئيس لحود، وتغيير الدستور لهذا الغرض رغم أن هذا ثالث وليس أول تغيير لهذا الغرض، ولكن تصويت مجلس الأمن ضد لبنان وتدخله في شؤون اللبنانيين الداخلية دفع الكثيرين من النواب للتصويت مع القرار ليسا حباً في التمديد للرئيس لحود، ولكن كرهاً في أمريكا! <BR>وخطورة هذا التدخل الأمريكي الجديد عبر قرار مجلس الأمن أن واشنطن انتقلت بذلك من مجرد السعي لاستخدام سياسة العصا والجزرة (أي: الترغيب والترهيب بالمكافآت والعقوبات) إلى سياسة العصا فقط، ثم إلى أسلوب فرض الأمر الواقع، وفرض انتدابها وحمايتها المباشرة على هذه الدول بدون إذنها.<BR>فمن قبل كنا نتحدث عن التدخل في العملية التعليمية والرغبة الأمريكية في إلغاء المعاهد التعليمية الدينية والأزهرية، وفرض قيود على التعليم عموماً، ووصل الأمر لحد كشف دراسة أمريكية أعدها عدد من الخبراء والاستشاريين – نشرتها صحيفة "الأسبوع" المصرية – بهدف اختراق مؤسساتنا التعليمية والسعي إلى احتواء العديد من أساتذة الجامعات والأكاديميين والباحثين. حتى أن الدراسة تقدم تصوراً عملياً لكيفية اختراق مجتمعاتنا التعليمية والآليات التي يجري من خلالها تنفيذ الخطة الأمريكية الجديدة بهدف التأثير في انتقال السلطة في منطقة 'الشرق الأوسط' بدءاً من الجامعات حسبما قال التقرير الذي أعدته المجموعة الاستشارية للرئيس جورج بوش، والمكونة من أكاديميين وخبراء وعناصر تنتمي إلى الأمن القومي و الـ'سي. آي. إيه' والخارجية الأمريكية. <BR>والآن هم ليسوا في حاجة إلي دراسات، ولكنهم قرروا التدخل بشكل مباشر بالقوة أو بمجلس الأمن لتغيير النظم والحكومات، ولفرض أرائهم بالقوة المباشرة ما لم يرضخ لهم الآخرون، ومع ذلك لم تتحرك الحكومات العربية والإسلامية.<BR>وعلى العكس كلما تشدد أمريكا قبضتها على الحكومات كلما تشدد هذه الحكومات قبضتها على المعارضة الوطنية والإسلامية في بلادها وتخنقها، ولا عزاء لمشروع الديمقراطية الأمريكية في الشرق الأوسط الذي تبناه بوش!<BR>فما أن أطلق بوش مشروعه حتى نبهه أعوانه وأصدقائه لدى الحكومات العربية إلى أن الضغط على الحكومات العربية لمزيد من الحريات لن ينتج عنه سوى ظهور التيارات الإسلامية التي تهيمن على الشارع العربي حالياً، وبالتالي ستتولي هذه القوى الإسلامية الحكم، ويكون الضغط الأمريكي جاء على عكس المأمول فسحبوا مشروعهم وتركوا الحبل على الغارب للحكومات للتضييق أكثر على المعارضة لينتهي الحديث تدريجياً عن الإصلاح والإصلاحيين.<BR>في أوائل القرن الماضي كانت السفارات البريطانية في العالم العربي تقوم بمهام الحاكم الفعلي في هذه البلدان التي تحتلها، وقرارات الملوك أو الوزراء العرب كانت تصدر بالاتفاق مع المندوب السامي البريطاني الذي وصل به الأمر لحد حل حكومات والإتيان بحكومات جديدة، وفي هذا القرن الأمريكي الجديد، يبدو أن المندوب السامي والحماية الاستعمارية عادت كما كانت.<BR>والمحزن أننا كنا نتوقع "انتداباً أمريكياً محدوداً"، فإذا به انتداب وحماية واسعة وفرض للحكومات علي الطريقة العراقية، فأصبح هناك حاكم أمريكي رسمي (بول بريمر)، ثم سفير يحكم البلاد عبر حكومة موالية، والأمر نفسه يحدث في أفغانستان، ويجري الإعداد له بلا مواربة في سوريا، ويجري تهديد بقية الدول به !!<BR>المنتظر فقط هو أن تعلن واشنطن هذه الحماية والانتداب أو السيطرة على المنطقة العربية علناً وبلا مواربة!!<BR><br>