سنة خامسة انتفاضة فلسطينية
20 شعبان 1425

دخلت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2004م عامها الخامس، وسط حالة من الجدل الحاد بين أبناء الشعب الفلسطيني وأطراف عربية وأجنبية أخرى حول ما حققته من مكاسب وخسائر للشعب الفلسطيني، ووسط دعوات بدأ البعض يطلقها تأثراً بمواقف أمريكية لوقف الانتفاضة المسلحة وانتظار ما قد يجود به الصهاينة على الفلسطينيين.<BR><font color="#0000FF"> داخلياً </font> بدأت قوي فلسطينية محسوبة على التيارات العلمانية ومتعاونة مع جماعات السلام الإسرائيلية في الدعوة لوقف المقاومة والانتفاضة تماماً كي لا يكون هناك مبرر لاستمرار الهجمات الصهيونية كما تقول، ويتوقف تدمير الاقتصاد الفلسطيني، ودعت قوى أخرى لتوحيد الصف الفلسطيني كأولوية قبل أي شيء،فيما دعت قوى أخرى لاستمرارها والبحث عن وسائل أقوى لضرب العدو الصهيوني.<BR>وأغرى هذا الجدل الفلسطيني (رئيس الأركان الصهيوني) موشيه يعلون للزعم في مقابلة مع يديعوت احرونوت يوم 16/9/2004م أن تمكن "إسرائيل" من إحباط العمل العسكري الفلسطيني، أدى إلى "نقاش داخلي فلسطيني حول الطريق الذي يتوجب سلوكه" ووقف الانتفاضة!؟<BR><font color="#0000FF"> وعربياً </font> تكاثرت أصوات حكومات عربية تدعو لوقف الانتفاضة سراً وعلناً، وتقدم حلولاً وخططاً لدفع عملية التسوية تقوم في جوهرها على وقف الانتفاضة، بل وأصبحت طريقة تعامل هذه الحكومات مع القضية الفلسطينية مثل تعامل أي دولة في أقصى الأرض مع قضية لا تعرفها، وتبرعت دول أخرى لنقل التهديدات الأمريكية للقيادة والشعب الفلسطيني.<BR>أما <font color="#0000FF"> دولياً </font> ، فقد تصاعدت الهجمات على الانتفاضة، ونجح الصهاينة في تغيير نظرة العديد من دول الغرب لها، وربط الأمريكان بينها وبين "الإرهاب"، ولم يعودوا ينظرون لها كمقاومة ضد الاحتلال، لحد قول (وزير الخارجية الأميركي) كولن باول أنه "آن الأوان لوقف الانتفاضة" الفلسطينية "، وأن "الانتفاضة ساهمت في امتداد الإرهاب ولم تحقق شيئاً سوى أنها ساهمت فقط في تدهور الوضع الاقتصادي للفلسطينيين ومنعتنا من مواصلة خطط السلام التي وضعناها "!؟<BR>وبشكل عام يصنف محللون فلسطينيون القوى المؤثرة في الساحة الفلسطينية مع دخول الانتفاضة عامها الخامس إلى ثلاثة فئات أو تيارات مختلفة، هي:<BR>1- <font color="#0000FF"> تيار المقاومة الشعبية والمسلحة: </font> وهو التيار الغالب في الشارع الفلسطيني وأنصاره من أبناء الأرض المحتلة، ويضم كتائب القسام وسرايا القدس والأقصى والعودة وأبو علي مصطفى وأنصار المقاومة المسلحة عموماً .<BR>2- <font color="#0000FF"> تيار الواقعية: </font> وهؤلاء يقولون: إنه يجب التعامل مع الواقع في الأرض الفلسطينية وصعوبة هزيمة الدولة الصهيونية، ويقولون: إن قوى المقاومة لن تقارع جيش الاحتلال وتجهيزاته العسكرية الضخمة، وعليها بالتالي أن توقف المقاومة وتتعاون مع الصهاينة في تسوية سلمية، وأغلب هذا التيار هو من القيادات الفلسطينية الوافدة من تونس ومن تبوؤوا مواقعهم بعد أوسلو، ومن المتعاونين أمنياً مع الصهاينة، ومنهم من سبق اتهامه في السلطة الفلسطينية بالفساد.<BR>3- <font color="#0000FF"> تيار المقاومة السلمية: </font> وهؤلاء فريق صغير نسبياً تغلب عليه العناصر اليسارية الفلسطينية السابقة، ويدعو للعودة إلى الانتفاضة غير المسلحة (انتفاضة الحجارة والمظاهرات السلمية) والسعي للتعاون مع النخب اليهودية الداعية للسلام والإدارة الأمريكية، وإصلاح السلطة الفلسطينية.<BR>ويبدو أن تيار الانتفاضة المسلحة لا تزال له الغلبة حتى الآن، بدليل المظاهرات والمسيرات التي تخرج بالآلاف، وربما يزيده صلابة – على عكس المتصور – استمرار المذابح الصهيونية وما يترتب عليها من قتل وذبح أبناء أسر جديدة تنضم لهذا التيار يومياً، ولهذا لم نسمع أحداً من أبناء الشعب يطالب بوقف الانتفاضة علناً بدعوى أنها أضرت الشعب الفلسطيني سوى بعض المثقفين الفلسطينيين من أنصار التيارين الثاني والثالث.<BR>وبشكل عام يمكن الحكم على نجاح الانتفاضة من عدمه – ومن ثم أهمية استمرارها أم لا – من خلال رصد بعض المكاسب أو الخسائر التي حققتها بعد أربعة أعوام على النحو التالي: <BR><BR><font color="#0000FF"> أهم خسائر الانتفاضة: </font><BR>1- كانت حصيلة الحملة العسكرية الصهيونية لوقف الانتفاضة استشهاد ما يزيد عن 3500 فلسطيني بينهم 308 كانوا ضحايا لعمليات اغتيال إسرائيلية و772 طفلاً، وجرح 52500، واعتقال أكثر من 28 ألف فلسطيني، وهدم أكثر من 4500 منزل في قطاع غزة وحده، واقتلاع أكثر من مليون شجرة، وتجريف أكثر من 68728 دونماً.<BR>2- خسرت القضية الفلسطينية زعماء كبار اغتالهم الاحتلال، مثل: (زعيما حركة حماس) الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، إضافة إلى (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) أبو علي مصطفى.<BR>3- أدى أسر وخطف رعايا أجانب في ظل فوضي الأوضاع في الضفة وغزة وقتل بعضهم (دبلوماسيين أمريكان)، لتشوية صورة الانتفاضة، وتيسير لصق تهم الإرهاب بالفلسطينيين.<BR>4- تدمرت البنية التحتية لكافة المرافق الفلسطينية المختلفة،وزاد الفقر كما زاد التضييق علي المشروعات الخيرية ورعاية أسر الشهداء، وانتشرت الفوضى في السلطة الفلسطينية مما سهل عمليات الفساد والرشوة.<BR>5- ازدادت أعداد العملاء الفلسطينيين للصهاينة (مئات)، سواء تحت وطأة الفقر أو الابتزاز، وأصبحوا ظاهرة مقلقه نتج عنها اغتيال عشرات الكوادر الفلسطينية الهامة، كما نتج عنها اتساع ظاهرة الثأر بين الأسر الفلسطينية بسبب قتل هؤلاء العملاء داخلياً وقيام أهل المقتول بالثأر له أحياناً .<BR>6- ازداد توحد الصهاينة إزاء الخطر الذي يهددهم من خلال العمليات الفلسطينية، وزاد التطرف مما انعكس على صعود نجم اليمين الصهيوني المتطرف وفوزه في الانتخابات، وتدني قوة أحزاب العمل وجماعات السلام. <BR>7- ازدادت الفجوة بين السلطة الفلسطينية وبين قوى المقاومة بشكل صعب مسألة الوحدة الوطنية وعمق الفجوة بين الطرفين وأدى عملياً لإفشال أكثر من أربعة حوارات فلسطينية داخلية احتضنتها مصر.<BR><BR><font color="#0000FF"> مكاسب الانتفاضة: </font><BR>1- قبل انتفاضة الأقصى لم يكن هناك ميزان توازن بين الفلسطينيين والصهاينة وكانت الخسائر البشرية من طرف واحد، ولكن بعد الانتفاضة المسلحة أصبح هناك ميزان.. صحيح أن يتأرجح بين قتيل صهيوني مقابل ثلاثة فلسطينيين، وقتيل مقابل أربعة أو خمسة أحياناً (في حالة قلة العمليات الفلسطينية)، ولكن المهم أنه أصبح هناك ميزان، وخسائر الإسرائيليين كانت هي الأخرى فادحة.<BR>2- وفق آخر إحصائية لجهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي (شين بيت) فقد قتل 1017 إسرائيلياً بينهم 314 جندياً أو شرطياً، وشن الفلسطينيون 13508 هجمات بينها 138 عملية فدائية أسفرت عن سقوط 5598 جريحاً بينهم 1032 جندياً أو شرطياً، وهذا فضلاً عن أن الإسرائيليين تكبدوا خسائر اقتصادية، وعانوا من مشكلات اجتماعية ونفسية وهرب مجندين وعصيان الخدمة العسكرية بسبب الانتفاضة.<BR>3- يقول مراقبون: إن من أهم إنجازات الانتفاضة أنها أحدثت ثغرة أساسية في الجبهة الصهيونية وصراع داخلي، واضطرتهم للقبول بما كانوا يرفضونه وهو الانسحاب من غزة وأجزاء من الضفة والقبول بدولة فلسطينية، ومن الدلائل الملفتة هنا موافقة أحد أكثر زعماء إسرائيل تطرفاً، وهو: أرييل شارون على الانسحاب من قطاع غزة بالكامل وأجزاء من الضفة الغربية وتفكيك مستوطناتها بشكل أدخله في صراع مع حاخامات ويمينيين متطرفين وفتاوى صهيونية لقتله، مثل: رابين.<BR>4- كما أنهت حرب أكتوبر 1973م أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، أنهت الانتفاضة أسطورة الأمن الصهيوني الداخلي وأصبح الصهاينة – على لسانهم وفي صحفهم - لا يأمنون على أنفسهم في أي مكان وأعيتهم الحيل لوقف العمليات الفلسطينية؛ لأنهم أمام أناس يبغون الشهادة ولا يخشون شيئاً.<BR>5- عملياً أحبطت الانتفاضة المحاولات الأمريكية- الإسرائيلية لفرض حل نهائي تصفوي للقضية الفلسطينية، ونقلت الموقف الفلسطيني من الدفاع فقط لمواجهة هذه الخطط ، إلى الهجوم من أجل حلم الدولة الفلسطينية بما يتضمنه من إنهاء احتلال المدن الفلسطينية وتفكيك البؤر الاستيطانية وعودة اللاجئين وتجسيد الدولة المستقلة وعاصمتها القدس العربية.<BR>6- أقنعت الانتفاضة الصهاينة أنه لا حل لتحسين أمنهم سوى بالانفصال عن الفلسطينيين بالانسحاب من غزة وبناء جدار عازل بعد أن كانوا يصرون على استمرار الاحتلال، حتى وصل الأمر لإعلان (رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) الجنرال آهارون زئيفي فركاش في جلسة مغلقة أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان 29 سبتمبر 2004م "إن إسرائيل يمكن أن تتوقع تحسناً في أمنها عام 2005م بعد الانسحاب من قطاع غزة المرتقب بحلول سبتمبر 2005م الذي سيؤدي إلى تقليل الاحتكاكات مع الفلسطينيين "!!<BR>7- أنعشت الانتفاضة الآمال في نفوس ملايين العرب والمسلمين والمقاومة، في وقت يعلو فيه الصلف الأمريكي الصهيوني، ويزداد تدهور الحكومات العربية وخضوعها للضغوط الأجنبية، وجددت "ثقافة المقاومة" لدى الشعوب بعد أن سادت ثقافة الاستسلام، ولأول مرة نر أطفال مدارس وطلاب جامعات مصريين يخرقون الحدود للانضمام لإخوانهم الفلسطينيين في الانتفاضة، ونرى مظاهرات عربية حقيقية تقودها الشعوب تدعو للقتال ووقف استسلام الأنظمة، مما كان له أثر إيجابي نسبي في وقف التنازلات الحكومية.<BR><BR>والخلاصة هنا أنه صحيح أن هناك خسائر فلسطينية ولكنها محتملة، ولكن المكاسب (التي هي خسائر للصهاينة) فتبدو أهم وأكثر تأثيراً ويصعب التضحية بها الآن والانتفاضة في زخم قوتها وعنفوانها.<BR>ولنسأل أنفسنا: هل لو لم تقم انتفاضة أصلاً كان سيكون هناك اهتمام دولي بالقضية الفلسطينية كما هو الحال الآن، وهل كان بناء مستوطنات جديدة في غزة والضفة سيتوقف، أو نسمع عن نوايا الصهاينة في تفكيك وتخريب بعض هذه المستوطنات بأيديهم، والرحيل وتغيير خطط دولتهم الموسعة تحت وطأة عمليات حماس؟ <BR>أما الأهم من كل ذلك فهو عدم جدوى وقف الانتفاضة حالياً حتى لو أراد الفلسطينيون ذلك، ويصعب وقفها؛ لأن الظروف الدولية الآن في صالح الصهاينة والأمريكان وهم لن يقدموا فيها أي تنازلات سياسية للفلسطينيين ما لم تكن منزوعة بقوة المقاومة منهم، وبالتالي فاستمرارها ولو بنتائج أقل مفيد أكثر للقضية؛ لأنها لو توقفت ستكون خدمة للصهاينة وتخفيف للضغوط عليهم وهزيمة لمشروع المقاومة والصمود العربي.<BR>ويبقي شرط آخر لنجاح الانتفاضة في عامها الخامس في تعويض بعض إخفاقات الأعوام الأخرى، وهو سعي القوي الفلسطينية لتحقيق الوحدة بينها كي تكون هذه الوحدة وتماسك المجتمع الفلسطيني جدار خلفي قوي تتكسر عليه نصال السهام الموجهة للانتفاضة.<BR><br>