الساحة الفلسطينية .. تتلمس طريقها
8 شوال 1425

يبدو أن الاجتماعات بين (رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) محمود عباس وممثلي لجنة المتابعة العليا للانتفاضة التي تضم 13 فصيلاً فلسطينياً لبحث التطورات على الساحة الفلسطينية ما زالت تتلمس طريقها أمام جملة الاستحقاقات التي برزت مع رحيل الرئيس ياسر عرفات. <BR><BR>ولا يقتصر الشروع في مرحلة ما بعد عرفات على إحلال قائد مكان آخر، إذ إن العملية أكبر من ذلك وأعمق، وما سيطرأ من تغيير قد لا يشير إلى أشخاص بقدر ما يتعلق بمدارس ورؤى واتجاهات وخيارات سياسية كبرى تطرح بقوة في الساحة السياسية الفلسطينية للخروج من حيز الشعارات والمقولات إلى حيز التطبيق والواقع، والتي قد تشهد في المدة المقبلة أيضاً تحركات سياسة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أجل إخضاع الساحة الفلسطينية .<BR><BR>انطباع السياسة الفلسطينية إلى حد بالغ بالرؤية والأسلوب القيادي لياسر عرفات، الذي استقر على رأس أكثر من مؤسسة فاعلة بقوة داخل الساحة السياسية والتنظيمية الفلسطينية، وضعت كوابح أمام تقوية المدخل المؤسساتي في العمل السياسي، وما حالة الشد والجذب في الحياة الفلسطينية للالتقاء على الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية إلا انعكاس وترجمة حقيقية للحالة الفلسطينية شديدة الخصوصية التي عجزت عن إطلاق التدابير الديمقراطية في المشاركة السياسية والحوار بين الفصائل من أجل تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، وهو ما نشأ معها نخبة من المستفيدين من الوضع الراهن وبقاء الحال على ما هو عليه وتغليب الشخصنة والشللية والانفلات، الذي أدى في التحليل الأخير إلى تورم هذا الملف واحتقانه، وحين بات الجميع في مواجهته أخيراً، كان قد بلغ مستوى من التعقيد يصعب تداركه بالسرعة التي تقتضيها الضرورة.<BR><BR>إعادة توجيه بوصلة الحركة السياسية باتجاه الشأن الفلسطيني الداخلي، وإعادة ترتيب البيت من قواعده بما يراعي الظروف الجديدة، يترتب عليه التركيز على القضية الفلسطينية نفسها، وتحديد ثوابت متفق عليها وآلية للخروج بالوحدة الوطنية ، وهي في هذه الحالة من وجهة نظر الفصائل الفلسطينية دعم صمود الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة وترتيب الوضع الداخلي .<BR><BR>العناوين التي تطرحها أجندة اللقاءات الفلسطينية تركز على قضيتي الانتخابات وتحاول القيادات الفلسطينية الجديدة حصرها في الانتخابات الرئاسية فيما ترغب الفصائل الفلسطينية – بما فيها حماس والجهاد الإسلامي- إجراء الانتخابات التشريعية والبلدية بموازاة الرئاسية، والثانية تشكيل قيادة وطنية مشتركة تشكل مرجعية وطنية للشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة، وتضم القوى الوطنية والإسلامية على قاعدة برنامج وطني مشترك كمرحلة انتقالية وتكون مخرجاً وحيداً إذا ما حالت إجراءات الأمن التي تفرضها دولة الاحتلال من دون إجراء الانتخابات العامة - على قاعدة التمثيل النسبي – وغاية هذه القيادة هو توحيد القوي الفلسطينية وإنهاء الفوضى الحالية كي لا تنفرد إسرائيل باتجاهات فلسطينية قاصية عن الإجماع العام، إلى جانب الإسراع في الإصلاحات. <BR> <BR>حماس والجهاد الإسلامي<BR>(المتحدث باسم حماس في غزة) سامي أبو زهري كرر معارضة الحركة " لأي احتكار للسلطة " ولحالة التفرد التي تحكم الساحة والعقلية الفلسطينية، والتي لا تزال متواصلة حتى اللحظة، في إشارة غير مباشرة إلى سيطرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) على السلطة الفلسطينية، وهو ما شدد عليه أيضاً (عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية خلال لقائه (رئيس الوزراء الفلسطيني) أحمد قريع، ووفد حركة التحرير الفلسطيني (فتح) بأن المرحلة الحالية التي يمر بها الشعب الفلسطيني "لا تحتمل إطلاقاً سياسة الترقيع أو الطبطبة" موضحاً أن هذه المرحلة تحتاج إلى إعادة ترتيب الوضع السياسي الفلسطيني. ويشدد أن الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يتقبل نفسياً ولا سياسياً أن تستمر حالة التفرد بالقرار الفلسطيني، وهو ما يوضح أنه في الوقت ذاته رفعت حماس شعار (شركاء في الدم شركاء في القرار) من منطلق أن الشعب الفلسطيني الذي قدم الشهداء والجرحى والأسرى ينتظر تحولات جذرية في واقع المؤسسة الفلسطينية وواقع الشراكة السياسية.<BR><BR>الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية وفق هذا العرف لا يمكن اعتباره بديلاً عن القيادة الوطنية الموحدة؛ لأن الانتخابات ليس مضموناً تنفيذها في الوقت المحدد، سيما وأن حماس إلى جانبها الفصائل الفلسطينية لديها ملاحظات كثيرة على أداء وفعل وممارسات مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهو ما يعني أن المرحلة لا تحتمل إعادة إنتاج ممارسة المؤسسات التي وقف أمامها الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وقفة جادة بالنقد والملاحظة.<BR><BR>وليس سراً أن الفصائل – خصوصاً حماس والجهاد – تطالب بدور في السلطة خصوصاً في إدارة غزة في حالة الانسحاب الإسرائيلي على اعتبار أن المقاومة هي التي لعبت الدور الأكبر في طرد قوات الاحتلال من غزة ما يستوجب مشاركتهم في القيادة وفي كافة أجهزة السلطة الوطنية على كافة المستويات المالية والعسكرية والسياسية، وفي أي قرار مصيري فلسطيني لاحق، وترك حسم مسألة مشاركتها في السلطة إلى الانتخابات التشريعية الفلسطينية المنتظر إجراؤها في 2005م.<BR><BR>ويشير إلى ذلك (القيادي في حركة الجهاد الإسلامي) محمد الهندي، الذي عبر عن موقف حركته من المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية إلى وجود اتجاهين؛ الأول: تعديل وترميم وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار إلى ميثاقها ، والثاني تشكيل قيادة وطنية موحدة، من جانبه أكد أبو زهري أنه قد تصبح صيغة منظمة التحرير الفلسطينية الجماعية مقبولة في حالة ما إذا أعيد تفعيلها وصياغتها على أسس جديدة تمكن القوى الإسلامية خارج إطار المنظمة من المشاركة فيها.<BR><BR>ورغم دعوة حركتا حماس والجهاد الإسلامي إلى تشكيل قيادة فلسطينية موحدة أصرتا على عدم مشاركتهما في الانتخابات الرئاسية، ويبدو أنهما تنظران إلى هذه الانتخابات باعتبارها أداة لتنصيب زعيم يرغب في التوصل لاتفاق مع إسرائيل، كما أن موقفهما من الانتخابات التشريعية لم يتبلور بعد وإن كان سيتحدد عندما يتضح سقفها السياسي ومدى ضمان إجرائها في وقت محدد، ومنها أن ألا يتم تنظيمها على قاعدة "أوسلو"، وأن تتوافر لها النزاهة والحيادية، وإعادة النظر في النظام الانتخابي الحالي، وفيما يخص الانتخابات البلدية فقد أعلنتا أنهما سيتشاركان فيها، باعتبار أن هذه الانتخابات خدماتية بالأساس وليست سياسية.<BR><BR>ومجمل القول: إن الفصائل الفلسطينية تعارض فكرة وقف المقاومة، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن وقف العمل العسكري في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني إذ لم يتوقف هذا العدوان حتى في الأوقات التي كان فيها هدوء عسكري، وإذا دعت الحركتان إلى وقف فوري لحالة الانفلات الأمني وفوضى السلاح و كبح جماح الأجهزة الأمنية وتوجيه عملها، فإنهما تصران أن يكون ذلك بمعزل عن سلاح المقاومة الذي هو سلاح شرعي ومسؤول ويدافع عن الشعب الفلسطيني ويشرع في وجه الاحتلال، فهذه المسألة لها أولوية لدى الفصائل الفلسطينية .<BR><BR><br>