قراءة مختلفة للأمم المتحدة في عامها الستين
4 رمضان 1426

<BR>بداية.. وبدون مقدمات, نرى أنه لابد من تحديد ماهية الأمم المتحدة، هذه الماهية التي قد تختلف باختلاف مواقع البشر علي خريطة العالم, فإذا نظرنا إليها من واشنطن، فهي أداة تستخدم لتعديل القواعد والصلاحيات في المنظومة العالمية بما يتفق مع موازين القوى بعد انهيار الكتلة الشيوعية، لتوسيع النفوذ الأمريكي في مناطق الفراغ الناتجة عن اندحار الاتحاد السوفيتي ـ خاصة في وسط آسيا والمنطقة العربية، أي العالم الإسلامي ـ وهي الأداة لتكريس التفوق الأمريكي على الحلفاء الأوروبيين واليابانيين. وهي عبر آليات محددة مثل حق تقرير المصير ـ المفترى عليه ـ وسيلة لتفكيك وإعادة تركيب مناطق النفوذ التقليدية للإمبراطوريات القديمة في إفريقيا و"الشرق الأوسط", لترسيخ وتثبيت الأحادية القطبية الأمريكية, التي يستلزم تفتيتها تغييرات في حصص وقواعد المنظمة " الدولية ".<BR><BR>أما النظر إلي الأمم المتحدة من مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل فيعني استخدام وتثبيت القواعد القائمة، والتي بنيت على توازنات ما بعد حرب التنافس الأوروبي الرأسمالي الثانية، حيث اضطرت أمريكا الصاعدة بمقتضاها إلي مراعاة مصالح إمبراطوريات أوروبا الآفلة لتكوين الحلف الغربي اللازم لمواجهة الغول الشيوعي ـ شريك الانتصار علي دول المحور ـ فحصلت أوروبا العجوز علي حقوق المنتصرين في بناء المنظمة الدولية، وفي حصتها من الصلاحيات والنفوذ في نظام المنتصرين العالمي, وكان لها صوتان من خمس أصوات لها حق الاعتراض في مجلس الأمن, أى الحق في إضفاء "الشرعية" على أي قرار للمجلس أو نزع غطاء "الشرعية" عنه, وهي تعمل منذ تكوين السوق الأوروبية المشتركة, والاتحاد الأوروبي الدائم التوسع بعدها, والبدء في تكوين القوة العسكرية الأوروبية المستقلة عن حلف شمال الأطلسي, والمحاولة الدؤوبة للوصول إلي إرادة سياسية أوروبية موحدة بصياغة الدستور الأوروبي.. تعمل على استخدام الأمم المتحدة لتثبيت القواعد والتشكيلات والبنى التنظيمية في النظام الدولي علي ما هي، لحين تعديل موازين القوى الكلية بعد أن أصبح الاتحاد الأوروبي التكتل الأكبر اقتصاديا. مستغلة نزوع القوى الأكبر الأخرى ـ الصين, روسيا البيضاء, اليابان ـ وكذلك القوى الإقليمية الصاعدة في الهند وجنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية.. لإنهاء حالة الأحادية القطبية وتحقيق النظام العالمي متعدد الأقطاب.<BR><BR>وقد وجدت القوى الإقليمية الكبرى, وعلي رأسها أوروبا ٍ, فرصة مواتية في تعثر المخطط الأمريكي في وسط آسيا [نتيجة للمقاومة الأفغانية الباسلة]، وفي الخليج العربي[ مركز المشروع الأمريكي للشرق الأوسط] والذي تهدف منه إلي الهيمنة الاقتصادية والجيوستراتيجية علي مقدرات الكتل والقوى الطامحة في مشاركتها في سيادة العالم، بفضل ضربات المقاومة العراقية الشجاعة.<BR><BR>روسيا والصين..<BR>من جانبهما, وبعد تجربتي الاتفاق الأمريكي الأوروبي "للصالح الأمريكي" في أفغانستان تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن, ثم عبور الخلافات الأوروبية الأمريكية حول العراق. بعد التنازلات الأمريكية لفرنسا في سوريا ولبنان, ولألمانيا في العراق, والتي انعكست علي مواقف أوروبا في الأمم المتحدة من الاحتلال الأمريكي للعراق.. شرعتا في تجاوز مشكلاتهما الإقليمية أو تأجيلها. وتوجهتا لعقد تحالفات إقليمية مع إيران والهند. ناهيك عن المواقف الصلبة للصين في الحلف النووي الكوري, كما بدأت الصين في طرح نفسها في سوق الاستثمارات البترولية منافسة للشركات الأوروبية والأمريكية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية, لرفع الضغط الأمريكي والأوروبي المتزايد في محيطها الإقليمي. والدخول في قسمة اللئام العالمية.<BR><BR><BR>مجموعة الدول الأقل نموا والفقيرة..<BR>وخاصة البرازيل, فنزويلا, الأرجنتين, جنوب إفريقيا, الهند, مصر, نيجيريا..إلخ. بدأت التحرك علي ساحة المنظمة, طمعا أو خوفا, لاستثمار حالة عدم الاستقرار الدولية لدرء مخاطر أو تحقيق مكاسب. وإن عاب حركتها أنها تدور وجودا وعدما اعتمادا علي أحد المراكز الدولية, لا بالاعتماد علي بعضها البعض, وبدون رؤية تجمعها لتحقيق مصالحها مجتمعة في مواجهة الثمانية الكبار اقتصاديا. أو المخاطر العسكرية، أو مخاطر التفتت التي تتهددها نتيجة لصراعات القوى الكبرى علي أراضيها وبأيدي أبناءها في صور طائفية وعرقية.<BR><BR>قمة بلوغ سن التقاعد<BR>في هذه الأجواء عقدت القمة الستين للأمم المتحدة, وكما كانت منذ بدايتها وعبر مسيرتها طوال أعوامها الستين, تعبيرا عما يتصالح عليه الكبار, ولأن من شب على شيء شاب عليه.. فقد بقيت كما هي رغم بلوغها أرذل العمر. ولأن "سايكس بيكو" القرن الواحد والعشرين لم تتضح بنودها بعد وما تزال حتى نقاط الاتفاق فيها قابلة للتعديل والتغيير.. بل والإلغاء وفق ما قد تفرزه صراعات القوى علي طول المعمورة وعرضها, سواء في داخل التكتلات والقوى، أو بين القوى العالمية وبعضها البعض، أو بين القوى الكبرى العالمية والشعوب المقهورة المجاهدة, فقد كان من الطبيعي أن تخرج القمة التي وصفتها أجهزة الإعلام.. بالتاريخية, وقمة التصحيح والتطوير, وقمة توسيع مجلس الأمن, وقمة القرن.. إلخ. بدون نتائج تذكر، وأن تؤجل جميع البنود الرئيسة للتغيير والتطوير والإصلاح وإعادة الهيكلة إلي أجل غير مسمى.<BR><BR><BR>والجديد الوحيد الذي اتفق عليه أصحاب الأمم المتحدة والقانون الدولي وحق الاعتراض هو إقرار.. قرارين.. الأول لتعزيز دور مجلس الأمن في منع الصراعات, وبصفة خاصة في أفريقيا, وينزع القرار حق الشعوب في اختيار حكامها. وينصب أصحاب مجلس الأمن أوصياء علي الدول. فيقول.. "تعزيز الأمن الإنساني والاستقرار وتقوية مبدأ منع المحاولات غير الدستورية لتغيير الحكومات أو مساعدة المجموعات المسلحة غير القانونية لتحقيق غاياتها السياسية..إلخ" أي تثبيت أوضاع نظم الحكم القائمة. وهي نظم في معظمها تقع في دائرة نفوذ هذه القوة أو تلك من قوى الاستكبار في أمريكا وأوروبا, والقرار الثاني.. تحت بند الإرهاب, والذي حرص الكبار علي عدم وضع تعريف محدد له, ركز البند علي الصياغات التي تدخل كل أشكال مقاومة المخططات الاستكبارية لقمع الشعوب تحت تصنيف الإرهاب. بينما لم تتوصل القمة التاريخية إلي أي اتفاقات ـ سوى التسويف والتأجيل ـ في قضايا حقوق الإنسان, والحد من انتشار الأسلحة النووية, ومجهودات التنمية للدول الفقيرة, وزيادة مساعدات الدول الغنية لمكافحة الفقر. وإن اتفقوا علي تقليص صلاحيات الجمعية العمومية في إدارة شئون المنظمة لصالح الأمين العام للأمم المتحدة. وضاعت مسألة توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن ـ إلي حين ـ حتى تحسم في نادي الكبار!!<BR><BR><BR>هكذا لابد أن نقرأ نحن المسلمين والعرب القمة التاريخية للأمم المتحدة, وشرعية الدول الكبرى التي تتجه في مسيرة ثابتة للاعتداء علي شرعية حقوق الشعوب المقهورة والفقيرة, وإن إزدواجية المعايير ليست وقفا علي دول البغي والاستكبار.. بل من الطبيعي أن تمتد إلي المنظمات التي قامت علي بنائها وهيكلتها لصناعة مشروعيتها. وخير دليل علي ذلك ـ وعلي طول عمر المنظمة ـ تطبيقات المنظمة ومجلس الأمن لحق تقرير المصير الذي عرف طريقه لأربعة أركان الأرض أينما تكون هناك مصلحة لأحد الكبار في تطبيقه لتفتيت دول مناوئة.. لكنه لم ولن يكتشف الطريق إلي فلسطين المحتلة.<BR><BR>إن قمة الإحالة إلي التقاعد التي ضاعت فيها أصوات الصغار.. بل ووظفت لصالح الكبار [فالبنود الخاصة بإفريقيا قد تقدمت بها دول إفريقية منها الجزائر وتنزانيا] تتطلب منا جميعا نحن المستضعفين أن نعمل, مسلمين وعرب وأفارقة وآسيويين وأمريكيين جنوبيين, علي بلورة رؤية بعيدة المدى لتحويل المنظمة إلي منظمة دولية حقيقية. تكتسب الشرعية من مراعاة مبادئ العدل، ولا يقرر فيها الذئاب مسار ومصير الحملان, ويجب توسيع قاعدة العمل لتضم مناهضي العولمة الاستعمارية في كل المعمورة, وتشكيل أوسع جبهة عالمية للمستضعفين.. ولتكن نواتها الدول العربية والإسلامية، ودول أمريكا الجنوبية الناهضة التي تمد أيديها للتعاون معنا والمساندة في قضايانا.<BR><BR>هذه ليست دعوة خيرة أو رؤية نظرية نطلقها أداءً للواجب، بل هي ضرورة للبقاء.. قبل أن يتحول الإجرام الأمريكي الدولي إلى قانون دولي.<BR><BR><br>