حكومة بلخادم ومستقبل صراعات النخبة الجزائرية
8 جمادى الأول 1427

ستظل الجزائر مالئة الدنيا وشاغلة الناس بأحداثها التي لا تتوقف ومتغيراتها سريعة التبدل ومعادلاتها التي لم يستطع كثير من المحللين العرب فك شفراتها، ففي حين تجمع كثير من الكتابات المتخصصة عن الجزائر عن جمود هيكل النخبة السياسية في الجزائر، ترى كتابات أخرى أن النخبة السياسية ما هي إلا واجهة للنخبة العسكرية التي تدير الأمور علناً حيناً ومن وراء الستار أحياناً كثيرة، ومنذ مدة ليست بالقصيرة، وتحدث تغيرات في هيكل النخبة الجزائرية، سواء بفعل الزمن والتقاعد خاصة على صعيد النخبة العسكرية أو بفعل الصراعات الداخلية وقدرة عصبة أن تزيح أحد رموز العصبة الأخرى سواء لاعتبارات جهوية أو أيديولوجية أو لاعتبارات التحضير للمستقبل القريب والبعيد <BR>فبعد فترة من الغموض وعدم الوضوح كلف الرئيس بوتفليقة ممثله الشخصي عبد العزيز بلخادم برئاسة الحكومة، وهو الأمر الذي قابلته النخبة المعربة بكثير من الارتياح باعتبار بلخادم من رجال الحوار والمصالحة وغير محسوب على التيار الاستئصالي في الجزائر <BR><font color="#0000ff"> أوجه الاختلاف بين الرجلين </font><BR>تتعدد أوجه الاختلاف بين أويحي وبلخادم، ففي حين يقبل بلخادم فكرة التعديل الدستوري، التي ترمي في الأساس إلى تكريس الحكم الرئاسي وإمكانية التمديد لفترة رئاسية ثالثة لبوتفليقة، حيث دعا بلخادم في مناسبات عدة إلى "توضيح" الدستور الجزائري عبر تعديلات جديدة تعرض على استفتاء شعبي عام، أما أويحيى فلم يبدِ أي تأييد لفكرة تعديل الدستور، بل كان يدعو في الوقت ذاته إلى نظام برلماني، وهو الأمر الذي اعتبره بوتفليقة اعتراضاً مباشراً على استمرار وجوده في الحكم! <BR>ولعل طريقة إدارة أويحي لملف مرض بوتفليقة وانتقاله للعلاج في فرنسا، مما أوغر صدر بوتفليقة على أويحي وعجل برحيله، حيث تتردد أنباء كثيرة عن أن أويحي مدعوم من قسم نافذ داخل أركان المؤسسة العسكرية وهي التي تهيئه لخلافة بوتفليقة. <BR>ففي حين ظل بلخادم يعلن يومياً أن الرئيس "في تحسن"، وأن "عودته للبلاد مسألة أيام فقط"، وأنه "يتابع شؤون الجزائر... وسيعود قريباً"... ظهر أويحي كمن يتعجل رحيل الرئيس ليحل محله، مع ما مرض بوتفليقة من صعود كبير لنجم أويحي بعد أن تداولت بعض الدوائر العليا اسمه على أنه من بين المرشحين للرئاسة.<BR>ومن المسائل الاجتماعية التي تشكل فارقا بين الرجلين قضية رفع الأجور ففي حين يرفضها أويحيى متعللاً بعوامل السوق، يرى بلخادم أن الزيادة لا يمكن أن تخضع لتلك العوامل. <BR>ولعل تلك الزيادة في الأجور تهدف إلى امتصاص الغضب المتزايد لدى الشعب باتخاذ إجراءات لها <BR>مردود شعبي حيث الاستقرار الاجتماعي أكثر أهمية من النمو الاقتصادي.<BR>وهو الأمر الذي زكته حركة حمس التي تعد الحزب الإسلامي الوحيد المشارك في الحكومة، ولعل ذلك ما جعل بلخادم يؤكد على استمرار التحالف معها مع توليه رئاسة الحكومة <BR>أما في مسائل السياسة الداخلية فبلخادم يرى في عملية مكافحة الفساد التي شنها أويحيى، حملة هدفها ضرب كوادر حزب "جبهة التحرير الوطني" وناخبيه تحسباً للاستحقاقات الانتخابية القادمة 2007 بل أعلن أن أويحيى - وهو متهم بتزوير الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1997- لا يمكن أن يشرف مرة أخرى على انتخابات تكون نزيهة! <BR>وعلى صعيد علاقات الجزائر الخارجية يظل ملف العلاقات مع فرنسا أهم الملفات ففي حين يبدي أويحيى رغبة في تمتين العلاقة مع باريس، يعلن بلخادم رفضه لقانون 23 فبراير 2005 الفرنسي الممجِّد للاستعمار، ولم يكتفِ بطلب الاعتذار، بل طالب بإلغاء القانون كلياً وبالتعويض عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعب الجزائري. <BR><font color="#0000ff"> بلخادم أحد رجالات نظام بوتفليقة </font><BR>يعد بلخادم ممثل الجناح المحافظ والاتجاه العروبي داخل حزب "جبهة التحرير الوطني"، وهو أحد أعضاء الجيل الثاني من قيادته. ويقترب بلخادم من الطرح الإسلامي للقضايا المتعلقة بالهوية والانتماء الحضاري، بحكم البيئة الدينية التي نشأ وتربى فيها، وهو من الرجال المقربين لبوتفليقة، حيث يوصف بأنه من أشد الأوفياء له، بل يعده بوتفليقة "مفتاحه الخاص لمعالجة عدة ملفات محلية ودولية". <BR>لقد تولى بلخادم قيادة حزب "جبهة التحرير الوطني" في يناير 2005، حين انتخب أميناً عاماً للحزب خلال (مؤتمره الثامن) خلفاً لعلي بن فليس، بعد أن شكل بلخادم تنظيما موازيا سُـمي بالحركة التصحيحية، وذلك بعد انقسام عنيف عرفه الحزب منذ مطلع عام 2003 بين جناحي بن فليس وبلخادم، كانعكاس للصراع الذي نشب حينئذ بين الرئيس بوتفليقة ورئيس حكومته السابق والأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" علي بن فليس. لكن الانقسام انتهى إلى ترجيح المسار الذي يقوده بلخادم؛ خاصة بعد صدور حكم قضائي لصالحه في ديسمبر 2003، ثم بعد هزيمة بن فليس في رئاسيات أبريل 2004، ما اضطر هذا الأخير إلى الاستقالة من أمانة الحزب الذي بدأ إعادة لملمة أطرافه برئاسة بلخادم، وعلى صعيد المتغير الجهوي وهو متغير شديد الأهمية في تحليل الوضع الجزائري فإن بلخادم هو أول شخصية من الغرب الجزائري تصل لأعلى منصب في حزب "جبهة التحرير الوطني" منذ الإطاحة بالرئيس أحمد بن بله المتحدّر من تلمسان الذي كان أميناً عاماً للحزب. <BR>بلخادم إذا من رجال الرئيس بوتفليقة منذ أن حدث الفراق بين بوتفليقة ورجله الأول السابق بن فليس عندما قاد بن فليس حزب جبهة التحرير في اتجاه عدم تأييد الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2004 الرئاسية، وفي هذا الإطار كان بلخادم أحد المعاول المهمة لبوتفليقة في مواجهته مع بن فليس وحزب جبهة التحرير، بالإضافة إلى أن بلخادم أحد أهم الركائز التي اعتمد عليها بوتفليقة في بلورة مشروع «السلم والمصالحة الوطنية»، حيث كان بلخادم في الصف الأول لحملة الترويج للمصالحة التي سبقت استفتاء 29 سبتمبر 2005. ويحلو له القول: «لقد كنت من بين الذين حملوا لواء المصالحة لما كان مجرد الحديث عنها يتسبب في قطع الرقاب أو قطع الأرزاق»، بمعنى أن الفكرة كانت محرمة عند الإسلاميين المسلحين والنافذين في مصادر القرار على حد سواء، <BR>لذا يعد بلخادم أحد دعاة المصالحة الوطنية والعفو الشامل. حيث عارض إلغاء المسار الانتخابي عام 1992، ولم يتردد في وصف الموقف بأنه لا دستوري، وعبر بكل صراحة عن اختلافه مع أركان الحكم الذين جاؤوا بعد ذهاب بن جديد، وأيد "اتفاقية روما". وظل كل تلك الفترة العصيبة محسوبا على تيار المصالحة والسلم وحق الدماء وتوسيع المجال السياسي واحترام إرادة الأغلبية، وقبل أشهر هاجم من وصفهم بالاستئصاليين الذين "يراهنون على مواصلة الحل الأمني"! <BR>وعلى مدار السنوات السابقة كان بلخادم أحد أهم رجالات نظام حكم بوتفليقة ؛ فقد سانده في الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر المرادية عام 1999، وأعلن في عام 2004 أنه "لا مساومة على برنامج الرئيس"، وتولى وزارة الخارجية في أول حكومة شكلها بن فليس في يوليو 2000، حيث بدأ نشاطاً مكثفاً لإعادة الجزائر إلى "الساحة العربية"، ولكسر الجليد في العلاقات الجزائرية- المغربية. إلا أنه استقال من قيادة الدبلوماسية الجزائرية في مايو 2005 "للتفرغ وتخصيص جهد أكبر للحزب"، فعين وزير دولة وممثلاً شخصياً لرئيس الجمهورية، إلى أن تم تعيينه رئيساً للحكومة. <BR><font color="#0000ff"> المتغير الجهوي وتحليل السياسات الجزائرية <BR> </font><BR>يظل المتغير الجهوي أهم المتغيرات في تحليل توجهات السياسة الجزائرية بل لعله أنجع مداخل التحليل لكثير من صراعات النخبة السياسية في الجزائر، فبوتفليقة وبلخادم كلاهما من الغرب الجزائري، وتظل تلك الجهة من الجهات التي لم يحدث لها تمثيل سياسي في هرم السلطة في الجزائر ربما منذ الاستقلال حيث يرى كثير من دارسي الشأن الجزائري أن الجهة الشرقية هي الجهة التي أمدت النظام الجزائري بأغلب إطاراته التسييرية والسياسية، وتظل العصبية الجهوية التي تتجمع تحت لوائها متناقضات السياسية الجزائرية. <BR><font color="#0000ff"> مغزى الإبقاء على نفس التشكيلة الحكومية<BR> </font><BR>يبين الإبقاء على نفس التشكيلة الحكومية التي كان يسير بها أويحي أمور الجزائر أن ذلك التغيير الحكومي ليس أكثر من تغير محسوب في التيار الأساسي للنخبة, بل كما يرى مراقبون أن توجهات بوتفليقة تميل إلى منح الأولوية إلى الإصلاحات السياسية، بما فيها مراجعة الدستور الحالي الذي اعتبره "معوقا" ولا يتكيف مع مقتضيات جزائر 2006 كما يفسّر إعادة تجديد "الحكومة القديمة" ولو لبعض الوقت برغبة الرجل في عدم التسرع وأخذ الوقت اللازم لإجراء عملية جراحة عميقة، تطال عمق الجهاز التنفيذي الذي ظل محل انتقادات واسع, وبتعبير آخر، يعد احتفاظ بلخادم بطاقم أويحيى نوعا من حرص النخبة الحاكمة في الجزائر على إخراج الجهاز التنفيذي من دائرة الاستقطاب السياسي، حيث الفريق الحكومي الحالي متوازن إلى حد كبير من حيث تمثيل التوجهات السياسية الكبرى في الجزائر، ولا يريد بوتفليقة ترجيح كفته إلى جبهة التحرير (الحزب الحاكم)، حتى لا يثير تحفظ التشكيلات السياسية الأخرى، التي طالبت أكثريتها بتعيين شخصية تكنوقراطية محايدة رئيسا للحكومة، وإبعادها عن أي لون حزبي، تفاديا لتأثيرات محتملة حول صدقية الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، وهو رهان يفرض جعل المولود الحكومي الجديد في منأى عن التجاذبات التي قد تشهدها الساحة السياسية الجزائرية في الأفق<BR>أن سؤال المستقبل هو السؤال الذي يطرح نفسه على الأجواء الجزائرية حيث يرى كثير من المحللين أن تلك التغييرات هي نوع من الإعداد للمستقبل القريب، فما يحدث أكثر من مجرد تدوير للنخبة بل هو أقرب ما يكون إلى الإحلال والتبديل، حيث تأتي كل تلك التغيرات ضمن إستراتيجية يرسمها حزب جبهة التحرير وأركان المؤسسة العسكرية لترتيب النظام الجزائري لمرحلة ما بعد بوتفليقة.<BR><br>