نموذج أفغانستان الأمريكي في الصومال (بوكالة أثيوبية)
11 ذو الحجه 1427

يكاد يكون السيناريو متشابها في كل شئ .. فالنموذج الذي اتبعته واشنطن في غزو أفغانستان هو نفسه الذي يجري تطبيقه في الصومال ولكن بوكالة أثيوبية بسبب العقدة الأمريكية من الهزيمة في الصومال مرتين ، والهدف أيضا واضح ولكنه هذه المرة أعمق ويتعلق بتنفيذ فكرة القرن الأفريقي الكبير الذي يستهدف خلق منطقة نفوذ أمريكية كبرى هناك بالتعاون مع الحلفاء الأفارقة لمنع سيطرة الإسلاميين أو "القاعدة" علي المنطقة .<BR>بل أن التفاصيل أيضا تكاد تكون متشابهة .. قصف عنيف عشوائي بالطائرات الإثيوبية وبقنابل من الواضح أنه تم تزويد الأثيوبيين بها مؤخرا بعدما اعترف الأثيوبيين رسميا بالتنسيق "الاستخباري" مع واشنطن في غزو الصومال ، واستخدام أمراء الحرب الصوماليين السابقين الموالين لأمريكا ودعمهم ماليا ، مع سعي أمريكي لعرقلة أي اتفاق في مجلس الأمن بخصوص وقف إطلاق النار وسحب القوات الأثيوبية لحين استكمال مهمتها في إبادة قوات المحاكم الإسلامية والوصول إلي مقديشو وتنصيب أمراء الحرب الموالين .<BR>بل أن سيناريو انهيار حكومة طالبان تكرر بالكامل في الصومال ، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو أن قوات المحاكم تركت عدة مدن بجانب العاصمة وانسحبت بدون طلقة نار واحدة وأعلنت هذا الانسحاب كخطة تكتيكية لحرب عصابات في حين أن طالبان ظلت تقاتل بعض الوقت ، ربما لأن المحاكم استفادت من تجربة أفغانستان للحفاظ علي قواتها ، وربما لأنها منيت بخسائر ضخمة في الأرواح خصوصا في ظل القصف الأثيوبي العنيف الذي استهدف قواتها المنسحبة إلى "كيسمايو". <BR>وحتى الصمت الدولي والعربي تكرر في الصومال رغم أنها دولة عربية ولها سيادة لأن واشنطن وقفت ضد أي قرار يطالب بانسحاب القوات الأثيوبية وعرقلته ، ما يفتح الباب عالميا لحالة فوضي غير عادية لأنه إذا كان الصمت في حالات الغزو الأمريكية لأفغانستان أو العراق تم من قبل دولة عظمي ، فهو يتم هذه المرة من قبل دولة أفريقية ضد دولة أخري وفي منطقة تعمها الفوضي أصلا .<BR>ولا شك أن التدخل الأمريكي كان مرتبا وضروريا لحماية الخطط الأمريكية من الفشل ، ولكنه سعي لاختيار التوقيت والطريقة المناسبة ، فأحد مصادر خطورة إسلاميو الصومال أنهم نجحوا في خرق ثوب القرن الأفريقي الأمريكي الكبير .<BR>فالأمريكان سعوا في مرحلة سابقة لتفصيل ثوب جديد للشرق الأوسط خال من المقاومة والإسلاميين ، فظهر لهم حزب الله وحماس والجهاد ، وأصبحت خطط الشرق الأوسط الجديد المخصص ليتبوأ فيه الصهاينة مكانة القيادة في خبر كان ، فسعوا لتنشيط خطط القرن الأفريقي الكبير فواجهتهم عقبة سيطرة الإسلاميين على مزيد من المناطق في الصومال وتحول البلاد إلي دول يديرها قوات المحاكم الإسلامية لتغير من خريطة المنطقة استراتيجيا بما يصر المصالح الأمريكية . <BR><font color=000000> السودان .. الصومال .. ثم ؟</font><BR><BR>ومن الواضح أن الغزو الأثيوبي للصومال هو جزء من سلسلة التدخلات الأمريكية في إفريقيا لتدشين هذا القرن الأفريقي المنتظر الذي بشر به الأمريكان منذ عام 1995 علي لسان كبار المسئولين ، ولكنه هذه المرة تم بوكالة أثيوبية بهدف واضح هو إقصاء الإسلاميين في الصومال عن مجريات السيطرة علي المنافذ البحرية الهامة علي البحر الأحمر بما يخدم أيضا الأهداف الصهيونية .<BR>وقد لا يكون هذا الغزو للصومال بعيدا عن الضغوط الأمريكية المكثفة على السودان -كدولة عربية- منذ سنوات ضمن خطط تنفيذ هذا "الشرق الأوسط الجديد أو الكبير" وكذا "القرن الأفريقي الكبير " ، فقد أظهر تصاعد الضغوط على السودان مؤخرا وبهذه الطريقة المنظمة، وحصاره بسلسلة قرارات دولية انتهت بفرض تدخل قوات دولية يقودها حلف الناتو، وكذلك غزو الصومال لوجود إستراتيجية الأمريكية في إفريقيا يجري تنفيذها بالتوازي مع إستراتيجية "الشرق الأوسط الكبير"، بل ويجري التعجيل بهذا القرن الإفريقي الكبير حاليا، بعدما أفشلت المقاومة أو عطلت تنفيذ الشق الخاص بالشرق الأوسط!.<BR>فهذا القرن الأفريقي الذي تحدث عنه مسئولي الإدارة الإفريقية بالخارجية الأمريكية بداية من عام 1995 بما عُرِف حينئذ بـ"مشروع القرن الإفريقي الكبير"، بدأ تدشينه بزيارة مادلين أولبرايت -وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة- لإفريقيا خلال الفترة من 17 إلى 23-10-1999 ضمن اهتمام إدارة كلينتون بالملف الإفريقي، حيث استهدف هذا المخطط تدويل الملف السوداني في بدايته ثم انتقل إلي دول أخري كالصومال عبر دعم قوات أمراء الحرب ولكنه اضطر للاستعانة بالقوة الأثيوبية حينما فشلت قوات أمراء الحرب في الوقوف أمام قوات المحاكم ، لتوافق مصالح أديس أبابا في ضرب الإسلاميين هناك مع المصالح الأمريكية .<BR>ووفقا لـ"مشروع القرن الإفريقي الكبير" الأمريكي هذا ، عاد أمراء الحرب للمشهد الصومالي بعد أن سلمتهم القوات الإثيوبية مدنا فور استعادتها من قوات المحاكم الصومالية، ما ينذر بعودة الحرب الأهلية في الصومال وعودة الصومال لحالة الفوضي التي نجا منها فترة قصيرة خلال حكم المحاكم الإسلامية التي فرضت النظام ، وعاد النفوذ الأمريكي إلي الصومال من البوابة الأثيوبية . <BR>إذ أن الدول التي يتكون منها هذا القرن الإفريقي الكبير - وفق التصور الأمريكي- هي دول القرن التقليدية (إثيوبيا – الصومال – إريتريا)، وكل من: أوغندا – الكونغو – رواندا – بوروندي – وجنوب السودان بعد انفصاله؛ ولهذا لم يكن مستغربا تسليم عملية غزو الصومال للوكيل الأثيوبي في هذا المخطط الأمريكي .<BR>ولأن القوات الإثيوبية وأمريكا يدركان أن الصوماليين لن يقبلوا بوجود أجنبي علي أرضهم ، فقد تم الاتفاق مسابقا – وفقا للتنسيق الاستخباري الأمريكي مع أثيوبيا – علي إتباع إستراتيجية تسليم المحافظات والمدن التي تستولي عليها القوات الأثيوبية من قوات المحاكم إلى أمراء الحرب السابقين الذين سبق أن أقصتهم قوات المحاكم منها مع السعي لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية في محاولة لعدم إغضاب الشارع الصومالي المحافظ بطبعه .<BR> حيث سلمت القوات الإثيوبية مقاليد الأمور في محافظة هيران إلى يوسف دبجيد أمير الحرب والمحافظ السابق لها، وألقى دبجيد العائد على ظهر الدبابات الإثيوبية على الفور كلمة أمام المواطنين لطمأنتهم ، وسلمت محافظة جلجدود - مسقط رأس الشيخ حسن طاهر أويس رئيس مجلس شورى المحاكم الإسلامية – عقب احتلالها على يد القوات الإثيوبية والميليشيات المتحالفة معها إلى عبدي نور سياد أحد مؤسسي (التحالف من أجل محاربة الإرهاب) المدعوم أمريكيا والذي تم دحره من قِبل المحاكم الإسلامية في مقديشو وينتمي لنفس المنطقة .<BR><font color=000000> أثيوبيا خشيت تأثير المحاكم علي مسلميها </font><BR><BR>ولا شك أن التدخل الأثيوبي جاء متوافقا مع مصالح أثيوبية خاصة تتعلق بالمخاوف من سيطرة المحاكم علي كل ارض الصومال وسعيها – في مرحلة لاحقة لإثارة مسلمي أثيوبيا ، فالمحاكم الإسلامية كانت تسعى للسيطرة على مدينة بيداوة وجعل الحكومة الصومالية حكومة منفي في أثيوبيا ، ومن ثم تدعو أعضاء البرلمان الصومالي للشروع في إقالة رئيس الجمهورية خاصة أن رئيس البرلمان الصومالي يساند ضمنا المحاكم الإسلامية.<BR>ولو تحقق للمحاكم هذا الهدف فهي قد تعمد لتنفيذ خطط أخري تتعلق بالسعي إلى زعزعة استقرار إثيوبيا من الداخل عن طريق إثارة القوميات الإسلامية في إثيوبيا مثل القومية الصومالية والأورمية .<BR>واللافت أن دعم الإدارة الأميركية لأثيوبيا ومن قبلها قوات أمراء الحرب الصوماليين الموالين لها ، لم ينفه الأمريكان ، فقد سبق أن أعلن مسئولون أميركيون أنهم مدوا زعماء الحرب بالمال والاستخبارات للتصدي لما أسموه "المد الطالباني" في الصومال علي اعتبار أن هناك وجه تشابه بين (قوات المحاكم الإسلامية) في الصومال ، وقوات حركة (طالبان) في أفغانستان التي تشكلت من طلاب المدارس الإسلامية ، فضلا عن أن الطرفين ( المحاكم وطالبان) تحركا للسيطرة علي الحكم بعدما تحولت بلديهما إلي مناطق حروب أهلية ونزاعات قبلية . <BR>بل لقد اقر البيت الأبيض في سبتمبر الماضي 2006 بأن الولايات المتحدة تدعم ما تسميه "الشركاء" المحليين للحؤول دون تمكن تنظيم القاعدة من إقامة "رأس جسر" في الصومال بدون أن يأتي على ذكر تحالف زعماء الحرب بوضوح ، وعندما تعهدت القوات الإسلامية بتحويل الصومال إلى دولة إسلامية وواصلت تقدمها شمالا لكسب المزيد من المناطق الإستراتيجية بعد انتصارها في معركة مقديشو ، أكد عدد من المسئولين بالإدارة الأمريكية تعاون واشنطن مع قادة الحرب‏ ، خاصة أن هذه أول مرة يطرد فيها أمراء الحرب من مقديشو منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد سياد بري في عام 1991 .<BR><font color=000000> مستقبل الصومال </font><BR><BR>قد يبدو التنبؤ بالمستقبل السياسي للصومال في أعقاب الغزو الأثيوبي المدعوم أمريكيا ضربا من الخيال خصوصا أن الأمور لم تستقر علي الأرض بعد ولم يعرف حجم خسارة المحاكم وحجم قوتها المتبقي ولا الخطط الأثيوبية في البقاء في الصومال أو رد فعل الشارع الصومالي علي الغزو ، ولكن المؤكد أن الصومال قد عاد لمربع الحرب الأهلية رقم صفر .<BR>والأهم أنه ما أن يستقر الأمر لأمراء الحرب السابقين في مقديشو حتى سيبدأ صراع النفوذ بينهم من جديد وتشهد البلاد حالة من الفوضى والفساد وفرض النفوذ كما كان يجري سابقا ، ما سيؤثر بلا شك علي سيطرة أمراء الحرب علي البلاد .<BR>أما قوات المحاكم فهي تتشابه كثيرا مع قوات طالبان الأفغانية في أنها تضم أغلبية من الشباب المتحمس ، وهدفها عقيدي لا نفوذ ولا سلطان ، ولذلك فسوف تستمر في القتال بقوة في سياق حرب عصابات وربما يدفعها بقاء القوات الأثيوبية في البلاد ، ويعطيها قوة جماهيرية باعتبارها قوة تحرير من الغزو الأجنبي .<BR>بيد أن الأمر المؤكد هو أن المخطط الأمريكي لقرن إفريقي كبير لن يتوقف خصوصا أن الحزب الديمقراطي الأمريكي الفائز بأغلبية انتخابات الكونجرس الأخيرة ويوشك علي الزحف بعد عامين علي البيت الأبيض ، كان هو المبادر بطرح فكرة هذا القرن الأمريكي الأفريقي الجديد عبر تجميع الحلفاء الأفارقة ، كما أن المصالح الإستراتيجية الأمريكية المتعلقة بشكل أساسي في السيطرة علي مناطق نفوذ جديدة إستراتيجية وتتمتع بثروات نفطية ومعدنية كبيرة لن تتوقف .<BR>الصومال تسير بالتالي في أعقاب الغزو الأثيوبي لطريق مجهول جديد .<BR><BR><br>