بعد اغتيال صدام..
11 ذو الحجه 1427

سيفرح الموتورون من تنفيذ اغتيال الرئيس صدام حسين بعد أن تلامس أسماعهم أولى أنباء عملية اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين صباح اليوم، سيمارسون مصادرتهم لحق الاختلاف مع خصومهم الرافضين لقتل الرئيس العراقي أو حتى الناقمين على هذا الاختيار الزمني فقط، سينثرون شظاياهم في وجه مخالفيهم، وستتوزع التهم المعلبة على كل الرافضين لهذا الاغتيال الذي تم مع تكبيرات المصلين في صبيحة عيد الأضحى المبارك، فهذا صدامي من يتامى صدام، وذاك بعثي، وثالث ديكتاتوري، ورابع تكفيري، وخامس إرهابي، وسادس ناصبي، إلى آخر التهم المكارثية الجديدة التي تمزج ما بين النزق والاندفاع، وتقفز من منطقة "المظلومية" إلى نطاق "المعصومية". <BR>سيتبرعون بمزيد من التهم لم يثبتها شانقوه ولم يحاكموه عليها، سيكونون ـ كما عهدناهم ـ أمريكيون أكثر من الاحتلال ذاته، مندفعين في صدارة بيادقه، لكنهم سيعجزون عن تفسير توقيت اغتياله ولملمة أوراقهم فجأة, ومصادرة حق الأكراد والكويتيين في تقديم اتهاماتهم ضد الرئيس الراحل لما سببه لهم خلال فترة حكمه، واختيار حالة توافقية نادرة تجمع ما بين عيد الأضحى وأيام الكريسماس، لإنهاء فصل من معركة يفشل دوماً المعلقون الغربيون ومحازبوهم في البلاد العربية في إفراغها من دلالتها الدينية التي لم يبذل الأمريكيون جهداً ملموساً لمحو الحديث عن "الحرب الصليبية" الذي "زل" لسان الرئيس الأمريكي في الحديث عنها فأصاب كبد حقيقتها. <BR>إن من يبررون سياسات الرئيس الراحل، أو من عدوها ـ في المقابل ـ جرائم ضد شعبه وضد الإنسانية منطلقين من معطيات عادلة ومنصفة لا تزكيها "نار مقدسة" بل حقائق ثابتة، كلاهما لن يكونوا مسرورين باختيار هذا التوقيت بموحياته الثقيلة ودلالاته المؤلمة؛ فالقضية عند هؤلاء وأولئك تتجاوز مسألة استحقاق الرئيس العراقي للإعدام من عدمها إلى حيز الشبهات العديدة الملتبس بها تنفيذ هذا الاغتيال الذي جرى قبل ساعات من صبيحة اليوم. <BR>والشبهات هنا عديدة، أو لنقل إنها تتجاوز حدود الشبهات لتدخل حيز المناطق المحرمة: <BR>أولاً: ما اعترى هذه المحاكمة من ممارسات أفقدتها معظم مفردات العدالة اللازمة لمحاكمة بهذا الحجم والأهمية فضلاً عن أي محاكمة أخرى لابد وأن تتوافر فيها الحدود الدنيا ـ على الأقل ـ من العدالة، وقد كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية الظهور بمظهر خلاف المشهد البائس الذي تبدت به في مسعاها لإخفاء صدام حسين من الشاشة العربية والعالمية، فالكاوبوي الموتور لن يقنع أحداً بأنه قمين بأن يمسك بميزان العدالة الدولية الذي فر منه هذه المرة أيضاً في عملية قضائية لم تقنع أحداً من الجهات الحقوقية المحايدة. <BR>ثانياً: وعطفاً على ما تقدم؛ فإن الخروقات الأمريكية التي أحدثتها في ثوب العدالة بسماحها بتسليم أسير حرب اعترفت هي ذاتها بهذه الصفة له حين أسرته، وكان يتحلى بها وفقاً للمعايير القانونية الدولية، أسقطت ما تبقى من قيم كانت المنظومة الغربية متمثلة بصدارتها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تعتز بها أو تدعي احترامها لها.<BR>ثالثاً: أساءت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حلفائها في النظام العراقي، وأساءوا هم كذلك إلى ذواتهم، حينما أظهرتهم بمظهر "مسرور حامل السيف" أو "عشماوي" المنوط به تنفيذ الإعدام وحسب، والذي لا يطيق إبقاء صيده على قيد الحياة لساعات، فما بين تسليم الرئيس العراقي إلى السلطات العراقية إلى إعدامه لم تمض إلا سويعات قليلة كانت كفيلة بحمل المراقبين على الظن بأن هذا هو الدور المنوط فعلاً بالسلطات العراقية ممثلة في الميليشيات المرتبطة عضويأ بأحزاب الائتلاف الحاكم في المنطقة الخضراء، حيث تمضي حلقات القتل والاختطاف في مختلف المدن العراقية بسكوت أمريكي راضٍ عما يحدث من جرائم كثيراً ما تنسب إلى فرق عراقية قريبة من منظومة الحكم العراقية الرسمية. <BR>رابعاً: يطيش تنفيذ حكم الاغتيال بالرئيس العراقي بورقة كانت تحتفظ بها الولايات المتحدة الأمريكية في صراعها الافتراضي مع إيران التي لا يجحد أحد أن صدام حسين كان عدواً لدوداً لها بأكثر ما كان يمثل ذلك للأمريكيين أنفسهم. ولعل إخراج هذه الورقة من الصراع معناه أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في تنفيذ إستراتيجية جديدة مع إيران تبوح من وراء حجاب بأن المنظرين الجدد كـ(جيتس ـ جيريجيان) المعروفين بتعاطفهم مع علاقة أفضل مع الإيرانيين سيكونون أكثر حميمية في علاقاتهم بإيران من أسلافهم من فريق المحافظين الجدد. <BR>شبهات بعضها فوق بعض، فالعيد لدى المسلمين يعني في معجمهم النقي منح العطايا وبذل الأضحيات إلى الفقراء والمعوزين, ولدى الكثيرين تعليق الزينات لا المشانق، التي ارتضتها الولايات المتحدة للمنطقة مؤشرة على عنوان المرحلة وكاشفة عن شارات أعيادنا القادمة، غير أن الأهم من هذه المعاني السلبية الآخذة من عدالة القضية إن وجدت والناسفة للحيثيات إن توافرت للقتلة، هو ما سيترتب على هذا الاغتيال بهذه الطريقة الخرقاء، والتي لا نظنها ستصب في مصلحة الأمريكيين وأشياعهم وآباء رغال المشدودين إلى عواصم أخرى خلاف بغداد؛ فالأجواء التي نفذت فيها هذه العملية أريد بها استخفاف بمشاعر المسلمين في هذا التوقيت وقتل روح المقاومة لدى محازبيه وأنصاره، لكنها ربما ستفضي إلى غير ما يبغي الاحتلال، فقتل صدام يمكن ترجمته تلقائياً في حمل أنصاره في المقاومة الوطنية والبعثية على اتخاذ مواقف أكثر يمينية من ذي قبل، بما يلتقي مباشرة مع وجهات نظر فصائل المقاومة الدينية، ويحرف الصراع باتجاه ديني أكثر فأكثر، وستخفت معه الأصوات الدائبة على وصم الحرب الدائرة في العراق الآن بـ"الصراع السياسي"، وستأخذ من حظوظ "المعتدلين".. وربما يأتي يوم يطلب الاحتلال من يفاوضه فيضن عليه خصومه. <BR>لقد رحل صدام حسين إلى مولاه الآن، وإذا كان قانون بريمر والقانون العراقي قد أسقطا عنه جميع التهم الأخرى بسبب اغتياله، فلن نكون أقل "كرما" من بريمر ورئيسه ونقيم له هنا محاكمة، بحسب التاريخ وحده أن يكتب لصدام ما له وما عليه، ريثما يتحرر التاريخ ذاته من ربقة الاحتلال وأشياعه، فيكتب بأمانة كم كان يحتاج العراق من محاكمات في زمان "الديمقراطية" وكم احتاج منها في زمان "الديكتاتورية".. <BR><BR><BR><br>