القرن الأفريقي تحديده وهويته
3 رجب 1428

<font color="#ff0000"> الحلقة الأولى </font><BR><BR>القرن الأفريقي هو ذلك القرن الناتئ في شرق القارة الأفريقية، والذي يضم كلا من الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وإرتريا، ويلحق به السودان، وكينيا، وأوغندا، تأثرا، وتأثيرا.<BR><BR>و هو بهذا التحديد قرن إسلامي الهوية، للكثافة السكانية المسلمة التي تقطنه، والتي تتشكل في غالبها من قبائل الأرمو، والجالا في إثيوبيا، والصوماليين، في الصومال، وأوجاديين بإثيوبيا، وإينفدي بكينيا، والعفر، والعيساويين ، في جبوتي، وإرتريا، والبجة الموزعين بين إرتريا، وشرق السودان، ومن عداهم من القبائل والمجموعات الإسلامية الأخرى، من العرقيات المختلفة، هنا وهنالك، والتي تضم نسبا متفاوتة من المسلمين، كالأمهرا وغيرهم.<BR>هذه القبائل ذاتها هي التي طوقت في العصور الوسطى الهضبة الحبشية، بما عرف في تاريخ المنطقة بممالك الطراز الإسلامي، وعزلتها تماما عن المنافذ البحرية، إلى حد أن الحيمي الذي زار الحبشة عام 1648م على رأس بعثة يمنية موفدة من إمام اليمن وقتها، وصف بلاد الحبشة " بأنها البلاد الجبلية التي تبعد عن البحر الأحمر مسيرة شهر (1)...".<BR><BR><font color="#0000FF"> أهمية القرن الأفريقي</font><BR><BR>يكتسب القرن الأفريقي أهميته الاستراتيجية من كون دوله تطل على " المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية. ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوربا، والولايات المتحدة. كما أنها تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوربا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي. <BR>ولا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في السودان، وهو ما يعد أحد أسباب سعي واشنطن تحديدا لإيجاد حل لقضية الجنوب. وكذلك في الصومال..(2).".<BR>أضف إلى ذلك قربه من جزيرة العرب بكل خصائصها الثقافية، ومكنوناتها الاقتصادية، علاوة إلى ما فيه من جزر عديدة، ذات أهمية استراتيجية، من الناحية العسكرية والأمنية، من نحو جزيرتي حنيش، ودهلك (3)<BR><BR>في الآونة الأخيرة وبعد أحداث نيويورك، وواشنطن في 11 سبتمبر 2001 م، واستهداف سفارتي أمريكا عام1998م في كل من كينيا وتنزانيا برزت أهمية منطقة القرن الأفريقي بشكل أكبر، في حرب أمريكا المعلنة على الإرهاب الدولي، حيث زارها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، والجنرال تومي فرانكس، والجنرال جون ساتلر قائد القوات الأمريكية في القرن الأفريقي، ويرابط على أرضها أكثر من 1800 جندي أمريكي، كما ترسو على واحد من موانئها وهو ميناء جيبوتي حاملة الطائرات (مونت وايتني)، وتجوب سواحلها بعض السفن الموكلة بمراقبة كل سواحل القرن الأفريقي. <BR> <BR><font color="#0000FF">الوجود الإسلامي في القرن الأفريقي. </font><BR><BR>ارتبطت جزيرة العرب، مهد الإسلام، ومنبع رسالته، ومولد نبيه بالقرن الأفريقي منذ وقت مبكر من فترات التاريخ، حيث حكم أبرهة الحبشي اليمن، وسعى في خراب الكعبة، وكما في الحديث أن هدم الكعبة سيكون على يد رجل من الحبشة، ومن قبل ذلك هاجرت قبائل حبشات العربية الجنوبية إلى المنطقة، وأنشأت دولة الحبشة، ناقلة معها ثقافتها وحضارتها، كان ذلك في " عام 1000 قبل الميلاد، أو عام 600 قبل الميلاد (4).". <BR><BR>ثم لاحقا توثقت صلاة قريش الاقتصادية بالمنطقة، حيث كانت تردها قوافلهم التجارية من قبل البعثة، قاصدة بلاد الحبشة، كما يحكي ذلك ابن الجوزي (5).<BR><BR>وبعد البعثة النبوية أمها المستضعفون من الصحابة فرارا من أذى قريش إلى ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، ومنذ ذلك الحين والوجود الإسلامي في القرن الأفريقي يتنامى، ويتعاظم شأنه، إلى أن صارت له شوكة وغلبة، لكن بالمقابل ازدادت حدة التدافع بينه وبين خصومه، حيث تنادت كل قوى الشر المتربصة به للتحالف ضده، فتدخلت القوى الأوروبية بأساطيلها وجيوشها، للحيلولة دون تفرده بالهيمنة على القرن الأفريقي، والتحكم في أهميته الاستراتيجية، وأقامت فيما بينها تحالفا ضم الأقلية الدينية في الحبشة، ممثلة وقتها في اثنية الأمهرا ذات الأغلبية النصرانية، والمحاصرة في نطاق ضيق من بلاد الحبشة، وذلك حين كتبت (هيلينا) ملكة الحبشة حينها إلى عمانويل ملك البرتغال عام 1510م تشكو إليه تخوفها من مصر، وممالك الطراز الإسلامي في القرن الإفريقي، كما أن الحبشة في عهد ( لبنا دنقل) وقعت وثيقة اتفاق عام 1520 مع القوى الأوروبية المتآمرة على الوجود الإسلامي بصفة عامة، نصت على أن " يحتفظ ملك فرنسا بقوة عسكرية في سواكن، ويحتل ملك أسبانيا زيلع، ويتخذ ملك البرتغال من مصوع قاعدة لقواته (6)..."<BR><BR>وفيما بعد سقوط الخلافة، وزحف الاستعمار الغربي، شهد القرن الأفريقي استيطانا استعماريا، حيث احتل الإيطاليون الصومال، وإرتريا، والفرنسيون جيبوتي، والإنجليز كينيا والسودان، لكن ووجهوا بحركات مقاومة إسلامية، إذ وقف الإمام محمد أحمد المهدي قبال الإنجليز في السودان، وناوش أتباعه الإيطاليين في إرتريا، وكذلك السيد محمد عبد الله حسن في الصومال، وهو تلميذ السيد محمد صالح، مؤسس الطريقة الصالحية في مكة المكرمة.<BR>وعلى أساس من هذا الرصيد التاريخي من النضال والمجاهدة ما زالت الحركة الإسلامية في القرن الأفريقي تنشط بمختلف مدارسها العلمية والحركية، وهي اليوم جزء من معادلة الصراع والتحالفات الجارية في منطقة القرن الأفريقي.<BR><BR>وبعد تصفية الوجود الاستعماري، وتحرر دول القرن الأفريقي من قيوده دخلت المنطقة في إشكاليات داخلية، ذات أبعاد متعددة، عرقية، وثقافية، وسياسية.<BR><BR>ونتيجة للتخلف الاقتصادي، والفوارق الثقافية، بين السكان، بالإضافة للسياسات الاستعمارية التي تأسست على منهجية (فرق تسد)، بتفضيل قوم على قوم، وبإثارة النعرات العرقية والقبلية، والإلحاقات القسرية الاستعمارية التي شطرت القبيلة الواحدة إلى شطرين أو أكثر، و ضمت فريقا منها إلى كيان فريق مغاير، من قوم آخرين، على غير رغبة منها، وتشاور معها، شهدت دول القرن الأفريقي كغيرها من دول أفريقيا بشكل عام حالة من التوترات الحادة، والاستقطابات المتباينة، الأمر الذي فجر فيها ثورات تحررية، وأخرى تظلمية، مما أقحمها في شباك تحالفات أيدلوجية، مع هذا المعسكر، أو ذاك، خلال حقبة الحرب الباردة، وأشعل فيما بين شعوبها حروبا قبلية دامية، حرمتها حتى هذه اللحظة نعمة الأمن والاستقرار.<BR>------------------------<BR>1- الحيمي الحسن بن أحمد: سيرة الحبشة ص 93<BR>2- انظر: بدر الدين حسين الشافعي: القرن الأفريقي.. وجبة أمريكية على الطاولة العراقية. موقع إسلام أون لاين، تاريخ 11/1/2003<BR>3 - بموجب قرار محكمة لاهاي الدولية، حنيش هي جزيرة يمنية، رفع عليها اليمنيون علمهم في 31 / 10/ 1998 م بعد أن أخرجوا منها بمباغتة عسكرية من إلإرتريين، أما دهلك فهي جزيرة إرترية، وفيها يقول ياقوت الحموي: دهلك ... اسم أعجمي معرب... وهي جزيرة في بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها." معجم البلدان ج 2 ص 492.<BR>4- انظر: أ. بول: تاريخ قبائل البجة بشرق السودان ص 32<BR>5- انظر: المنتظم ج 2 ص 374<BR>6- رجب عبد الحليم: العلاقات السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة في العصور الوسطى 56 سواكن ميناء في شرق السودان، وزيلع ميناء في الصومال، ومصوع ميناء في إرتريا، وكلها موانئ إسلامية.<BR><br>