هل انتهي شهر العسل بين الشيعة والأمريكان ؟!
18 صفر 1425

من مفارقات الاحتلال الأمريكي للعراق أنه في الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تتهيأ لقمع وضرب المقاومة السنية في المثلث السني في بغداد كي تعلن القضاء علي المقاومة في ذكري احتلال العراق يوم 9 أبريل الجاري ، فوجئت باندلاع مقاومة مسلحة شيعية أخري من جانب جناح الصدر هي الأولي في العراق منذ الاحتلال من جانب الشيعة .<BR><BR>ومن المفارقات أيضا أن الأمريكان الذين تصوروا أن الشيعة لن يتحركوا ضدهم عسكريا لأن غالبية أئمتهم الدينيين لا يؤمنون بفكرة ولاية الفقية الدينية والدنيوية بمعني أن يلعب الفقية دورا في العمل السياسي ، فوجئوا بأن أصغر جناح شيعي يؤمن بدور الفقية في العمل السياسي وتحرك الجماهير (وهو جناح الأمام محمد صادق الصدر الذي يقوده أبنه مقتدي الصدر) نجح في تحريك الشارع الشيعي ضد الأمريكان ولم يعبأ كثيرا لمطالب بقية علماء الحوزة الشيعية بالتهدئة .<BR><BR>فمنذ احتلال العراق واندلاع المقاومة التي غلب عليها التيار السني والمناطق السنية في العراق ، وهناك سعي أمريكي بكافة السبل للتحالف مع الشيعة ضد هذه المقاومة السنية حتى أن بعض المحللين لم يستبعد أن تكون عمليات الاغتيال والتفجيرات ضد رموز الشيعة ومساجدهم ومناطقهم قامت بها استخبارات أمريكية بصب مزيد من النار علي العلاقة بينهم وبين السنة ومنع توحد طرفي المعادلة العراقية ضد الاحتلال بما يحيل حياته الي جحيم ويضع نهايته .<BR><BR>وساهم في تعزيز وجهة النظر هذه قتل أية الله الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الشيعية الذي كان يؤيد لعب الفقية دورا سياسيا ولكنه كان يفاوض الاحتلال بهدوء للانسحاب ، والإبقاء علي أية الله السيستاني كأبرز زعيم شيعي متصوف لا يؤمن بلعب الفقية دورا سياسيا والاقتصار علي الدور الديني .<BR><BR>فليس هناك شك أن توحد المقاومة السنية والشيعية يعتبر بمثابة خطا أحمرا بالنسبة لقوات الاحتلال الأمريكي تسعي لمنعه بأي شكل ، ولكن المشكلة أن استمرار الاحتلال واستمرار الممارسات ضد مساجد العراقيين والاعتقالات والقتل فضلا عن استمرار تدهور الأحوال الاقتصادية تفتح الباب أمام تصاعد الغضب الشعبي بشكل يصعب السيطرة عليه .<BR><BR>وقد حاولت قوات الاحتلال استمالة الشيعة بشكل كبير وفي الوقت نفسه لجمها بالدور الكردي بحيث لا تصبح هناك سيطرة للشيعة علي الحكم في العراق ويظل اللجام بيد قوات الاحتلال لتضغط علي الأطراف المختلفة ، كذلك حاول الاحتلال الاتصال بزعماء العشائر العراقية السنية في المثلث السني (الفلوجة –الرمادي – العمارة ) بهدف إرائهم بدور للسنة في الحكم العراقي بعدما انتهي بهم الأمر عقب الاحتلال للاستبعاد نهائيا عن السلطة بعد أن كانوا يسيطرون عليها عمليا في ظل حكم الرئيس السابق صدام حسين .<BR><BR>ولكن الثمن الذي كانت تقدمه قوات الاحتلال لعشائر السنة كان هو بوضوح "رأس المقاومة" .. بمعني وقف المقاومة السنية نظير إشراك السنة في الحكم وعدم استبعادهم !!.<BR>فمنذ احتلال العراقي وهناك محاولات أمريكية للعب على وتر الخلافات بين السنة والشيعة لتحقيق المكاسب لقوات الاحتلال وإنهاء المقاومة، وقد أخذت هذه المحاولات باعا كبيرا مع السنة على اعتبار أن الكرة (المقاومة) في ملعبهم. <BR><BR>ولا يجب أن ننسي أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج كشف خلال زيارة لمصر يوم 10 نوفمبر 2003 عن خطة أمريكية لإشراك سُنة العراق في الحكم بشكل أكبر في العراق ، واعترف أرميتاج -في تصريحات للتلفزيون المصري حينئذ- أن "إستراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة الهجمات ضد قواتها في العراق هي استخدام القوة العسكرية"، ولكنه عاد واعترف بأن "هذا (أي القوة) لا يكفي؛ إذ ينبغي في الوقت نفسه إيجاد وسيلة لعودة السنة العراقيين المهمشين حاليا إلى المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق الجديد". <BR><BR>أيضا كشف موقع (ستراتفور) الإستراتيجي الاستخباري الأمريكي في نشرة 15 ديسمبر 2003 www.stratfor.com/corporate/static_index.neo عن محاولات أمريكية أخرى للعب بورقة السنة لوقف المقاومة والضغط على العشائر السنية عقب اعتقال الرئيس العراقي لوقف المقاومة مقابل دور في الحكم بدل التهميش الذي اشتكت منه حتى دول عربية مثل الأردن. <BR><BR>والفكرة الأساسية هنا أنه في الوقت الذي كانت تدور محاولات فاشلة لوأد المقاومة السنية وتصفية مثلث الفلوجة الذي أحرج قوات الاحتلال وتنطلق منه أغلب عمليات المقاومة ، اندلعت المقاومة الشيعية بشكل خطير من قبل أنصار الزعيم الشاب مرتضي الصدر وأنصاره.<BR> <BR>وخطورة هذه المواجهات في المناطق الشيعية أنها ، رغم تحفظ مجلس الحكم العراقي وقيادات دينية شيعية عليها ، اضطرت المرجعيات الشيعية الكبرى للاعتراف بأن هناك مظالم وغضب شيعي علي قوات الاحتلال ورغبة في إنهاء الاحتلال بأسرع وقت ممكن ، الأمر الذي يخلط الأوراق الأمريكية في العراق ويدفع الاحتلال للصدام مع الشيعة كما يفعل مع السنة .<BR>وقد هددت فعاليات شيعية بخوض حرب عصابات ضد قوات الاحتلال والبدء في تشكيل وحدات استشهاديين لقتال قوات الاحتلال ما يعني انتهاء شهر العسل بين الأمريكان والشيعة وتحول العراق الي ساحة مواجهة علنية بين قوات الاحتلال والشعب العراقي كله .<BR><BR>وقد ساهم وقوع المواجهات بين القوات الأمريكية والشيعة في المناطق المقدسة لدي الشيعة في كربلاء والنجف لتأجيج المشاعر الدينية لدي الشيعة الذين يعتبرون استشهادهم في هذه البقاع المقدسة نوع من الشهادة ، كما ساهم اتساع رقعة المعارك وقتل ما لا يقل عن 160 عراقي و30 جنديا أمريكيا في غضون أيام قليلة في المناطق الشيعية والسنية لتأجيج المشاعر الغاضبة .<BR><BR>ولهذا حذر محللون عسكريون أمريكيون من تكرار تجربة إيران وحذروا من أي محاولة أمريكية لاعتقال الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر يمكن ان تشعل انتفاضة أوسع نطاقا وتضر بجهود واشنطن للسيطرة على العراق ، خاصة أن قوات الاحتلال تواجه حربا حقيقية مع السنة في الفلوجة بالدبابات والطائرات .<BR><BR>وقال خبراء في كلية الحرب العسكرية الأمريكية ومعهد للدراسات البحرية العليا ان الصدر يستغل فيما يبدو معارضة أتباعه للاحتلال الأمريكي للعراق لإثارة قضية وطنية بين الغالبية الشيعية في العراق ، حيث يحذر والي ناصر أستاذ دراسات الشرق الأوسط وجنوب أسيا في معهد الدراسات العليا البحرية من أن "وقوف شاب ورجل دين من أجل العدالة في مواجهة آلة عسكرية ضخمة لها مغزاها الكبير لدى الشيعة بالفعل وتذكر بالثورة الإيرانية .<BR>وقالوا أن دخول القوات الأمريكية إلى مسجد أو الدخول إلى النجف يمكن ان ينتج عنه أثارا خطيرة علي غرار ما حدث عندما اقتحم الجيش الهندي مدينة امريستار" المقدسة لدي سيخ الهند واجتياح المعبد الذهبي للسيخ عام 1984 والذي أدى إلى اغتيال رئيسة وزار الهند الراحلة انديرا غاندي .<BR><BR>ويبدو أن التصور الأمريكي بأن غالبية الشيعة ليسوا مع الصدر وأنهم مع التهدئة ومع الاحتلال ، سيسرع الصدام ومزيد من الدماء وقد يشكل ضغطا على زعماء شيعة معتدلين مثل أية الله علي السيستاني لاتخاذ موقف أكثر تشددا من الاحتلال حيث ظهر إصرار عسكري أمريكي علي ضرب الصدر وجيش المهدي التابع له وتوعد مسئولون أمريكيون باعتقاله ووصفه بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق بأنه خارج على القانون .<BR><BR>وجاء إعلان الجيش الأمريكي في العراق علي لسان البريجادير جنرال مارك كيميت انه يقوم بعمليات للقضاء على مسلحي جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ليفتح الباب أمام كل الاحتمالات ويعزز التوقعات بأن المعارك مرشحة للتواصل وابتعاد الشيعة تدريجيا عن قوات الاحتلال ، وربما تكامل المقاومة الشيعية مع السنية بشكل يزعج الأمريكان.<BR> <BR>ومع أن مقاومة الصدر وأنصاره تبدو نوعا من الصراع علي النفوذ واثبات الوجود بين القادة الشيعة المنقسمين علي أنفسهم وغير الموحدين علي الأقل لضمان قسم من السلطة مع اقتراب موعد تسليم السلطة للعراقيين في 30 يونيه 2004 وتعيين حكومة عراقية مؤقتة تعد لانتخابات ، فهي مفيدة في التحليل الأخير من عدة زوايا .<BR><BR>فهي عمليا سوف تحرج وتفضح تعاون بعض القادة الشيعة مع قوات الاحتلال وسوف تضطرهم للخروج بتصريحات علي الأقل ضد ما جري في أحياء الشيعة من عمليات عسكرية أمريكية قتل بسببها 130 عراقيا ، فضلا عن أنها ستعيد طرح مسألة دور ولاية الفقية وتدخله في الشئون السياسية بحيث سيضطر الأئمة الشيعة الصوفيون للتدخل في العمل السياسي وإثبات موقف فيما يتعلق بالاحتلال والانسحاب .<BR><BR>لقد ظلت قوات الاحتلال تلعب علي وتر التفرقة بين المذاهب في العراق الجديد وبث الفرقة بين الشيعة والسنة ، وإيغار صدور الشيعة من ناحية السنة بالزعم أن عمليات قتل الشيعة وأئمتهم يقوم بها سنة وتنظيم القاعدة (السني) ، وساهم العدوان علي مساجد السنة أيضا وقتل عدد من علماء المسلمين السنة في تأجيج هذا التوتر ، ولكن ممارسات الاحتلال في المناطق السنية (فلوجة) والشيعية دفعت الطرفين عمليا لتوحيد جهودهما الي المحتل وصدرت بيانات من جبهة علماء المسلمين السنة تدين عدوان قوات الاحتلال علي مناطق الشيعة فيما نقلت وكالات الأنباء عن شيعة في الفلوجة إنخراطهم في المقاومة ضد الاحتلال.<BR><BR>والخلاصة أن بعض الشيعة اكتشفوا علي ما يبدو الخداع الأمريكي لهم والرغبة في تشكيل حكومة عميلة تحميهم فيما تنسحب القوات الأمريكية لقواعد أمنة علي أطراف المدن ، ولكن السؤال هو : هل ستكون انتفاضة أنصار الصدر عامة علي المستوي الشيعي أم تظل هامشية وقاصرة علي أنصار الصدر ؟ .. وهل انتهي شهر العسل بين الشيعة والأمريكان بحيث يمكن الحديث عن مقاومة أوسع سنية شيعية للاحتلال ؟ .<BR><BR><br>