بين الحكومة اليمنية وأتباع الحوثي : تقرير ميداني
15 جمادى الأول 1425

مازال الشارع اليمني يعيش حالة من التساؤلات، وتحيطه هالة من الذهول حول شخصية (الحوثي)، والتي ظهر بشكل مفاجئ ودون سابق إشعار.. <BR>أسبوعان إلى الآن منذ بدء المواجهات التي اندلعت في مناطق مختلفة من محافظة صعدة ومواجهات عسكرية بين أنصار وجماعة (الحوثي) وبين قوات الأمن الحكومية بدأت حينما شن أنصار الرجل وأتباعه هجوماً مسلحاً على أحد أقسام الشرطة العسكرية في محافظة صعدة تبعه اشتباكات مسلحة بين الجانبين مازالت في تفاقم إلى الآن مع سقوط العشرات من الضحايا من كلا الجانبين..<BR>وقد استخدمت الحكومة اليمنية لقمع الرجل وأنصاره طائرات ميج 29 إضافة إلى استخدام قذائف (آر بي جي) وقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، مما أسفر عن ذلك سقوط العشرات من القتلى في صفوف الجانبين، كما تقوم الحكومة بفرض طوق شديد من الحصار على المناطق التي يتمركز فيها الرجل وأنصاره، ورغم الوساطات التي قام بها مجموعة من العلماء ووجاهات المنطقة وأعضاء مجلس النواب إلا أنها باءت جميعها بالفشل أمام عنت الرجل، بل واتهامه للوسطاء بالكفر.<BR><BR><BR>من هو (الحوثي)؟<BR>هو: حسين بدر الدين الحوثي، ويتراوح عمره في الأربعينيات كان من علماء الزيدية المعروفين ، ولكنه وكما يبدو صار من غلاة الشيعة الاثنى عشرية، وهو عضو مجلس نواب يمني سابق، وأحد منتسبي حزب (الحق) الزيدي، وقد قام الرجل في هذه الفتنة بتنصيب نفسه إماماً في تجمع كبير حضره زعماء وأنصار المذهب الشيعي في اليمن إضافة إلى رفع علم حزب الله الشيعي اللبناني على أراضي (صعدة)، كما حاصر يهود (صعدة) - وهم قلة قليلة مستأمنين من قبل الدولة ومسالمين وليس لهم أي عمل يذكر في الحياة الاجتماعية اليمنية، وفرض عليهم الجزية، ومنع الناس من دفع الزكاة للدولة..<BR>موقف علماء الزيدية من (الحوثي)<BR>وفي رد فعلٍ واستنكار على فعل الطرفين، سواء الدولة لما سببته من قصف عنيف واستخدام القوة بشكل مفرط بما فيها من إرعاب ساكني المنطقة أو (الحوثي) لما قام به من فتنة وخروج عن الجماعة، فقد قام عدد من علماء الزيدية المعروف عنهم الاعتدال، وفي مقدمتهم (مفتي الجمهورية) القاضي حمود عباس المؤيد، والقاضي أحمد الشامي (أمين عام حزب الحق) برفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية أوضحوا في مقدمتها ولاءهم للقيادة، وترجمة ذلك عملياً من خلال دعم انتخابه كرئيسٍ للدولة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إضافة إلى انتخاب ممثلي حزبه وهو حزب المؤتمر الشعبي العام في مجلس النواب، وشرحوا له بأن صعدة هي مدينة العلم والعلماء، وتحتضن مدارسهم ولم يشهروا في تاريخ مسيرتهم سلاحاً ضد أحد، ولذا فإنهم كما جاء في رسالتهم: "يتعرضون لحملة عسكرية يقودها الأخ المحافظ العقيد يحيى العمري تم فيها إطلاق الأعيرة النارية المختلفة بقصد الإرهاب والتهديد بتخريب البيوت على رؤوس ساكنيها من النساء والأطفال دون جريمة أو تهمة تنسب إلى من يستهدفون بهذه الحملة التي تهدف إلى نزع ولاء سكان المدينة والمحافظة لكم كرمز للدولة والتسامح"، واستطرد الموقعون على الرسالة قولهم: "علماً بأنه لا توجد قضية محددة تجاه من يستهدفون وما يجري مخالف للقانون والدستور والشرعية، وهو بهذا المعنى انقلاب على الشرعية التي تمثلونها وحرب عليها"، كما طالبوا في ختام رسالتهم: "بإيقاف ما يجري ومحاسبة المسؤولين عما حدث من رعب وارهاب وتقديمهم للعدالة لجبر النفوس، وطمأنة أبناء المدينة".<BR><BR>وفي نفس الوقت ولما قام به (الحوثي) من تبني أفكار دينية من شأنها شق صفوف المسلمين، وتثير الخلاف بين علماء السنة والمعتدلين من المذهب الزيدي، وتشعل نار العداء بينهم في أمور هي محل إجماع بين المسلمين جميعاً، وينال من أئمة أهل السنة، والذي هم محل تقدير واحترام عند معتدلي المذهب الزيدي في اليمن، فقد أصدر علماء الزيدية بياناً حول فكر الرجل الملوث، والذي لا يقرونه عليه جملة وتفصيلاً، ومما جاء في بيان علماء الزيدية في حق الحوثي : "ولما ظهر في الملازم التي يقوم بنشرها وتوزيعها حسين بدر الدين وأتباعه التي يصرح فيها بالتحذير من قراءة كتب أئمة العثره ، وكتب علماء الأمة عموماً ، وعلى وجه الخصوص كتب أصول الدين وأصول الفقه ...... والتي يتهجم فيها على علماء الإسلام عموماً ...... فبناء على ما تقدم رأى علماء الزيدية التحذير من ضلالات المذكور وأتباعه، وعدم الاغترار بأقواله وأفعاله التي لا تمت إلى أهالي البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، وأنه لا يجوز الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها، "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، وهذا براءة للذمة، وتخلص أمام الله من واجب التبليغ" .<BR><BR>كما رفع سكان المدينة وعلماؤها مذكرات أخرى إلى قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية والنقابات المهنية والإبداعية والهيئات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، ولأن هذه الأحداث تزامنت مع انعقاد المؤتمر الأول للإرشاد في اليمن فقد قاموا أيضاً برفع مذكرة إلى أصحاب الفضيلة العلماء المسلمين الموجودون في صنعاء طالبين منهم كما جاء في مذكرتهم: "إقناع المسؤولين بكف الأذى أو رفعه".<BR><BR>محاولة للتهدئة وعدم اللعب بتأجيج العواطف<BR>وفي المقابل فقد طالب (رئيس الدائرة السياسية لحزب الحق) حسن محمد زيد من أسماهم بـ"عقلاء اليمن": بألا يقفوا موقف المتفرج على ما يحدث في مدينة (صعدة)، وأشار إلى أن هناك تعبئة خاطئة ضد حسين بدر الدين، منها اتهامه بادعاء النبوة أو الإمامة لتحريض الجنود ضده بتعبئتهم عقائدياً، وهنا_كما يقول_ مكمن شديد الخطورة؛ لأنه يعطي العمل العسكري طابعاً عقائدياً قد يصعب السيطرة عليه فيما بعد، وكذلك حملة تستهدف إيغار صدر رئيس الجمهورية ضده باتهامه أنه أنزل العلم الجمهوري ورفع علم حزب الله، مع أن الريف اليمني يخلوا من وجود الأعلام إلا في المناسبات، وقال: إن كل هذه افتراءات ضد (الحوثي).<BR><BR>كما أدانت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) ما يحصل من قتل للمدنيين، وطالبت قوات الأمن والجيش بوقف الأعمال العسكرية ومحاسبة من قاموا بها، وتؤكد على ضرورة الالتزام بالقواعد والإجراءات التي ينص عليها الدستور والقانون في الادعاءات التي نسبتها الحكومة للمواطن حسين الحوثي وأنصاره .<BR><BR>وفي المقابل فقد استغلت المعارضة اليمنية الحدث وتجاوزت الحق المسموح لها به، وطالبت بالتدخل في الشؤون الأمنية، وأن تشارك قوات الأمن مساعيها في حل القضايا الأمنية، وبدون الإشارة إلى الفتنة التي قام بها (الحوثي)، والذي أراد بها أن يدخل البلاد في دوامات هي في غنىً عنها، وركز بيان المعارضة في فحواه على الوضع السياسي لها بعيداً عن التدخل في مناقشة جوهر القضية ومعالجتها، ودون الإشارة إلى رفضها للفتنة من حيث المبدأ، ولما قام به (الحوثي) وجماعته، وقد جاء ذلك في بيان مشترك وقعته عدة أحزاب تعرف ( باللقاء المشترك )، والتي تضم: التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، والحزب الناصري، وحزب البعانث، حزب الحق، اتحاد القوى الشعبية .<BR>وأخيراً..<BR>ليس الملفت ما قام به (الحوثي) هو سنة من سنن الدنيا التي ليست بمستغرب حدوثها، فهي فتنة كما قامت في اليمن يمكن أن تكون في أي بلدٍ آخر، ولكن الملفت هو كيفية تعاطي البلاد مع الأزمات، فالواقع والمشهد اليمني بين فكين، فك جهاز أمني استخدم أعتى أسلحته المدججة في شن هجوم مسلح لفئة تحتمي بآمنين مما ألحق الضرر بالمدنيين والأبرياء، وابتعد عن نهج الحكومة اليمنية الرائد في التعامل بحوار وهدوء وحكمة مع مثل تلك الأعمال، وفك معارضة، كما أنها تجاوزت الخطوط الإيديولوجية لتوحدها فإنها تريد أن تتجاوز أيضاً الخطوط المسموح لها ولا همّ لها إلا أن تكون وسط الحدث ومتربعة على واجهته متجاهلة الدواعي الأمنية التي هي من حق رجال الأمن بمفردهم.. ويبقى الضحية ذلك المواطن اليمني الذي مازال إلى الآن لم يعرف جواباً حقيقياً للسؤال الحقيقي: (من هو الحوثي؟).<BR><br>