لماذا تخاف أوروبا من الإسلام؟!
15 رجب 1425

"...على غير المتوقع فإنه سيكون للمسلمين والإسلام الدور الأساسي، ومع انتصاف القرن الحادي والعشرين سيكون الإسلام العامل الأبرز في تحديد ونحت معالم أوروبا، سواء أكانت موحدةً أم دولاً".. هذا ما انتهت إليه دراسة خطيرة أعدها الدبلوماسي الأمريكي "تيموثي سافيج"، ونشرتها مجلة (ذي واشنطن كوارترلي) الفصلية في عددها لصيف عام 2004م،في موقعها على شبكة الإنترنت http://www.thewashingtonquarterly.com/ تحت عنوان (أوروبا والإسلام.. الهلال المتنامي وصدام الثقافات).<BR>تأتي أهمية هذه الدراسة، التي نقلها للعربية عدد كبير من المواقع على شبكة الإنترنت، من كون معدها "تيموثي سافيج"، يعمل في قسم الدراسات التحليلية المتعلقة بأوروبا، كما عمل قنصلا عاما للولايات المتحدة الأمريكية بألمانيا. <BR>وتقول الدراسة: إنه رغم الهيمنة الغربية وتوسيع سيطرة الولايات المتحدة والعديد من القوى العظمى في العالم، فإن هناك من المحللين من يعتقدون أنه لن يكون للإمبراطورية الأمريكية الجديدة، ولا حتى لدول الاتحاد الأوروبي التأثير الرئيس على مستقبل أوروبا. <BR>ويرى " سافيج" أن التحدي الإسلامي الذي تواجهه أوروبا اليوم له بُعدان: أولهما: داخلي، وهو ضرورة العمل على إدماج الأقليات الإٍسلامية التي تعيش في عزلة (في الجيتوهات)، وثانيهما: خارجي، وهو كيفية بلورة طريقةً للتعامل مع الدول الإسلامية المحاذية لأوروبا جنوبًا وشرقًا، والتي تمتد من الدار البيضاء جنوبًا إلى القوقاز شرقًا.<BR>ويعتقد الكاتب أن تفعيل الإستراتيجية الأمنية "أوروبا آمنة في عالم أفضل"، ومبادرة "أوروبا الواسعة- وجوار جديد"، يكتسي أهميةً قصوى في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها أوربا.<BR>ويصل الكاتب إلى القول بأنه: على الرغم من أن التعاون الأوروبي الإسلامي يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية إذا تم استحداث أفق جديد في التعامل مع هذا النمو الإسلامي، فإن الدول الأوروبية ما زالت حذرةً، وتُفضِّل الحفاظ على الوضع القائم بمعادلاته التقليدية، ولعل نفس المنطق سيقود الأقليات المسلمة نفسها في الغرب. <BR><BR><font color="#0000FF"> انضمام تركيا يزيد المسلمين لـ 90 مليونًا: </font><BR>ويقول الكاتب: لا تزال قلة من الدول الأوروبية فقط تقوم بتشكيل قاعدة معلومات حول عدد المسلمين، وطبيعة حضورهم داخل هذه البلدان، بل وثمة عدد من البلدان الأوروبية على غرار بلجيكا، والدانمارك، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، والمجر، ولكسمبورج، وإسبانيا، لا تزال هذه الدول تمنع إثارة أو إدراج أسئلة حول الديانة في سجلاَّتها الإدارية، أو في أي من البيانات الأخرى الرسمية.<BR>ويتعجب الكاتب من أن هناك 13 دولة أوروبية لا تعترف بالديانة الإسلامية، على الرغم من أن الإسلام يحتل المرتبة الثانية من حيث عدد معتنقيه في أكثر من 16 دولة من مجموع 37 دولة أوروبية، مشيرا إلى أنه في العديد من الدول الأوروبية تعاني الأقليات المسلمة من التهميش وعدم الاعتراف بها، والحرمان من كل الحقوق التي تتمتع بها أي أقلية أخرى داخل أوروبا.<BR>ويضيف تيموثي أن الكثير من هذه الأقليات المسلمة يخضع للتمييز؛ بسبب عدم انطباق القوانين المناهضة للتمييز عليها، والتي تتأسس على مقاييس عرقية وإثنية بالدرجة الأولى، في حين أن الأقليات المسلمة من أعراق وإثنيات مختلفة.<BR>وحول تعداد المسلمين بأوربا، يقول تيموثي: "إذا كانت التقديرات الأوروبية تحصي عدد المسلمين بما يترواح بين 13 إلى 18 مليونًا، اعتمادًا على تقديرات إعلامية وبحوث غير مكتملة، فإن التقرير الأمريكي المتعلِّق بالحريات الدينية- الصادر عام 2003م- يقدر عدد المسلمين في أوروبا بأكثر من 23 مليون نسمة، أي حوالي 5% من عدد السكان".<BR>وتشير الدراسة إلى أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيقفز بعدد المسلمين إلى أكثر من 90 مليونًا، أي بنسبة 15% من عدد سكان أوروبا، موضحاً أن عدد المسلمين زاد إلى أكثر من الضعف خلال الثلاثة عقود الأخيرة، وأن نسبة المواليد في صفوفهم مرتفعة جدًّا.<BR>وتخلص الدراسة إلى أنه على الرغم من الحضور الكبير للمسلمين في الغرب إلا أن ثمة نزوعاً بينهم إلى التمركز في مدن محددة، وخصوصًا العواصم والمدن الصناعية، كما هو الحال في برلين الألمانية، وباريس الفرنسية، أو لندن البريطانية، وتكاد أحياؤهم تكون مغلقةً ومنفصلةً عن مسار الحياة الاعتيادية لبقية المجتمع الأوروبي.<BR><BR><font color="#0000FF"> من عمال إلى مواطنين: </font><BR>ويلاحظ تيموثي في دراسته أن طبيعة الوجود الإسلامي في الغرب شهدت تحولاً، فمن مجرد عمال مهاجرين يبحثون عن العمل والإقامة المؤقتة تحول المسلمون إلى جزء من التركيبة المجتمعية السكانية، ويمكن القول بأنهم تحولوا من جالية مسلمة إلى أقلية مسلمة.<BR>ولعل نشأة الشباب المسلم في الغرب جعلته أسهل وأسرع في تقبل مثل هذا الخطاب الجديد، فأصبح يتجه لأن يكون جزءًا من هذا النسيج.. ولم لا وهو الذي وُلد ودَرس هناك، ولا يتقن جيدًا إلا هذه اللغة الأوروبية أو تلك؟! غير أن الأمر يبدو كذلك عند الحديث عن الاتجاه العام للمسلمين في أوروبا؛ حيث لا تزال الغالبية لا تشعر بأنها جزء من المجتمعات الأوروبية، ولا تجد همومها ضمن هذه المجتمعات، وحتى الأجيال الجديدة على الرغم من حملها جنسية هذه البلدان إلا أنه ما زال يُنظر إليها من الرأي العام الأوروبي على أنهم أجانب أو مهاجرون. <BR>وتبقى نسبة الحاملين للجنسية أو المؤهَّلين للحصول عليها- على الرغم من ذلك- في تزايد، خصوصاً مع تزايد أعداد المولودين في أوروبا، والتسهيلات الممنوحة في بعض بلدان أوروبا للحصول على الجنسية، وهو ما سيُسرع عملية اندماج المسلمين كأقلية في المجتمع الأوروبي.<BR>وبصفة عامة فإن عدد المسلمين الحاملين جنسيات دول أوروبية قد يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في المدى المنظور إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تسهيلات الحصول على الجنسية، ومرور المدة القانونية المطلوبة للحصول عليها بالنسبة لمئات الآلاف من المسلمين.<BR><BR><font color="#0000FF"> لا.. للذوبان في علمانية أوربا: </font><BR>واللافت للنظر أنه على الرغم من تزايد عدد حاملي الجنسية الأوروبية فإن الشباب المسلم في أوروبا يبدي تمنُّعًا ملحوظًا عن الذوبان في المجتمع الأوروبي بقيمه العلمانية، بل هؤلاء الشباب أظهروا تمنُّعًا لم يبدِه حتى آباؤهم وأجدادهم القادمون إلى أوروبا، وبقدر ما يبدي الشباب المسلم اليوم إيجابيةً في الاندماج في المجتمع الأوروبي، ويحترم التصورات الوطنية والمعايير القومية، فإنه يميل في نفس الوقت إلى التعبير عن هويته الثقافية الإسلامية، والتزامه بالتوجهات العامة لدينه، وينظر الكثير منهم إلى أن الاندماج الكامل مع المجتمعات الأوروبية من شأنه أن يسلبهم هويتهم الثقافية، بل يعتقدون أن هذا هو الثمن الذي تطلبه الحكومات الأوروبية للتعايش معهم، وقد كشفت دراسات حول هذا الموضوع أن الأجيال المسلمة من الجيل الثاني والثالث أقل قابليةً للانصهار في المجتمعات الأوروبية من الآباء المهاجرين السابقين، وتشير الدراسة إلى الضجة والإصرار التي عبرت عنه الشابات المسلمات؛ تمسكاً بغطاء الرأس أو الحجاب، ولقد ساهم التمييز في المجتمعات الأوروبية- في مجال التشغيل والتعليم والسكن، وحتى مجال ممارسة الشعائر الدينية- ساهم في تحصن وهروب الشباب المسلم إلى الإسلام كعلامة ومعقل الهوية الصلب.<BR><BR><font color="#0000FF"> الإسلاموفوبيا: </font><BR>ويقول الكاتب: إن العقد الأخير شهد تنامي التيارات اليمينية في أوروبا وموجة الخوف من الإسلام، أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا؛ بسبب تزايد الحضور الإسلامي في الغرب، وسجلت التيارات اليمينية حضورًا يبعث على القلق.<BR>ولعل العديد من الحكومات الأوروبية اليوم تضم تيارات يمينية ضمانًا للأغلبية البرلمانية، على الرغم من العداء العلني الذي تبديه هذه التيارات للإسلام والمسلمين، وقد ارتفعت العديد من الأصوات في أوروبا تطالب بحماية المصالح الأوروبية لتمرير خطابها المناوئ للوجود الإسلامي، فبدأت الحملة للحد من الهجرة، والمطالبة بسن قوانين تحظر الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة، وتشديد قوانين اللجوء. <BR>وتشير الدراسة إلى أنه على الرغم من هذه المخاوف فإن حضور المسلمين السياسي يبقى محدودًا في الغالب، ويكاد يكون معدومًا في كثير من الأحيان.. فنسبة الشباب المسلم الذي يشارك في الانتخابات لا تتجاوز 37% من عددهم في فرنسا، وقد عبر نصف المستجوبين في المملكة المتحدة أنهم لن يشاركوا في انتخابات مايو 2004م، وذلك في استطلاع أجرته صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية في مارس 2004م.<BR>وتقول الدراسة: إن الخلاصة العامة أن المسلمين إما غير ممثلين في المؤسسات أو أن حضورهم ضئيل جدًا، وعلى الرغم من بعض الدعوات لاستيعاب المسلمين في الأحزاب المحافظة الأوروبية على غرار الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة فإن هناك تردُّدًا ومخاوف، خصوصًا مع العداء الذي تبديه أحزاب أقصى اليمين للمسلمين.<BR><BR><font color="#0000FF"> حضور إسلامي لافت: </font><BR>وتشير الدراسة إلى أن السياسيين الأوروبيين قد بدؤوا يأخذون بعين الاعتبار هذا الحضور الإسلامي في الشارع، بل وحتى في صناديق الاقتراع، وتَعد الدراسة أن مواقف (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك تبدو واعيةً بهذه الحقيقة، ولعله الشأن نفسه بالنسبة للمستشار الألماني جيرهارد شرودر، خصوصًا إذا علمنا أن هذين البلدين تضمَّان أكبرَ نسبة من المسلمين في أوروبا، ولعل بلدًا مثل بريطانيا يبدو فيه دور المسلمين في الانتخابات متزايد التأثير والأهمية، خصوصًا مع تقلص الفوارق بين حضور الأحزاب الكبرى على الساحة الانتخابية. <BR>وتقدِّر الدراسة أنه مع التنامي المطَّرد للمسلمين ووعيهم بحجمهم، واندراجهم في الأحزاب والمنظمات الأوروبية سيجعل- ولا شك- حضورَهم في القضايا الخارجية ظاهرًا، ويبدو أن تبنِّي المسلمين في أوروبا قضايا ذات شأن دولي- خصوصًا تلك التي تتعلق بدولهم الأصلية، أو ذات العلاقة بهم كمسلمين كالمسألة الفلسطينية، أو ما حدث في البوسنة والشيشان والحرب الأخيرة على العراق- جعلهم يتمكنون من التأثير بدرجات أكبر على السياسات الخارجية لبعض الدول الأوروبية.<BR>وإذا كانت الاستجابة لبعض مطالب المسلمين الأوروبيين لن تكون مكلفةً على المستوى المالي فإنها لا شك لها أبعادها ومعانيها الرمزية والسياسية، علمًا أن أوروبا تجاور حِزامًا من الدول المسلمة شمالاً وشرقًا، وهو ما يتطلب منها أخذ ذلك بعين الاعتبار في التعامل، ليس فقط مع تلك الدول وإنما أيضًا مع المسلمين لديها؛ تحقيقًا للاستقرار والأمن القومي والدولي.<BR><BR><font color="#0000FF"> مخاوف أوروبية: </font><BR>كثيرًا ما ترفض الدول الأوروبية أو تتردد في دعم- أو حتى مجرد الاعتراف- بتغييرات يمكن أن تحدث في مناطق مثل شمال إفريقيا، أو الشرق الأوسط، أو القوقاز، حتى وإن كان معلومًا لديها أن الحكومات والأنظمة المستهدفة بالتغيير فاسدة واستبدادية، ومنبع ذلك أنها لا تغامر بدعم أي تغيير من شأنه أن يحمل معه مجرد احتمالات عدم الاستقرار في العلاقة مع الدول الأوروبية.<BR>ومن المثير أنه في الوقت الذي تفضل فيه الدول الأوروبية محيطًا أوروبيًّا مزدهرًا اقتصاديًّا شفافًا وخاليًا من الفساد، وفي الوقت الذي تعرب فيه عن استعدادها للمساعدة على ذلك في أوروبا الوسطى والشرقية دعمًا لاقتصادات هذه البلدان، وتشجيعًا على سياسات أكثر احترامًا لحقوق الإنسان والديمقراطية.. فإن هذه الدول الأوروبية وغيرها لا تبدو مستعدةً للدخول في شراكة جادة مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.<BR>أما داخليًّا فتعمل الدول الأوروبية على محاولة "تبيئة" الإسلام واستيعابه من منظور وطني أو علماني؛ بحيث يصبح تابعًا للدولة وخاضعًا لمعايير التعامل مع الظواهر الثقافية والأديان، ولعل استحداث بعض المؤسسات الناطقة باسم المسلمين أو الممثلة لهم إحدى التعبيرات الأساسية على هذا التوجه.<BR>لعل وضع المسلمين في أوروبا لم يصل بعدُ إلى مرحلة مفصلية، ولكن الثابت أن أوضاع المسلمين- حجمًا ووضعًا واجتماعيًا بدأت تأخذ بُعدًا لا يجب تجاهله، وعدم الوعي بذلك أو سوء التفاعل معه من شأنه أن يفجِّر العديد من المشكلات قد يصل مداها إلى ما وصلت إليه بعض الأحداث العنصرية في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فالتهميش الاقتصادي والاجتماعي للمسلمين قد يتحوَّل إلى لغَم ينفجر في كل وقت، خصوصًا مع التزايد الملحوظ في أعدادهم، وتردد المسلمين في الاندماج هو أيضًا من شأنه أن يعقِّد الأمور وينحرف بها عن مسارها الطبيعي.<BR>ويختتم الدبلوماسي الأمريكي تيموثي سافيج دراسته بالقول: ( لعل أوروبا تتجاوز كل هذا الأفق السلبي، وتجعل من الحضور الإسلامي لديها فرصةً لتأسيس نهضة جديدة، وإذا كانت نهضة أوروبا الماضية قد تأسست على التصارع والتشابك مع الإسلام، فلا مناص لها اليوم من أن تؤسس نهضتها الجديدة على التحاور ومعانقة الإسلام، وكما بدأت الألفية الماضية بالحرب الصليبية فإن الألفية الجديدة تؤشر على بدايات مختلفة، خاصةً مع انغراس الإسلام في قلب العواصم الأوروبية).<BR><br>