المبررات الأمريكية للحرب على العراق.. ماذا بقي منها؟!
2 ربيع الأول 1426

بعد مرور كل هذا الوقت على الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط بغداد في أبريل 2003م، ومن ثم السيطرة الأمريكية الكاملة على الأراضي العراقية ، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، واندلاع المقاومة وتشكيل مجالس وحكومات غير منتخبة أو منتخبة ، وأحداث سجن أبى غريب ، والكثير الكثير من الأحداث في العراق وحولها يثور سؤال بديهي عن المبررات الأمريكية للحرب على العراق ماذا بقي منها ؟! <BR>وبصيغة أخرى ، هل كانت المبررات الأمريكية للحرب على العراق حقيقية ، أم مزيفة ، أم أنها كانت مجرد ذرائع تخفى تحتها أهدافاً أخرى غير معلنة، وما هي تلك الأهداف الحقيقية غير المعلنة.<BR><BR>بداية فإن المبررات الأمريكية للعدوان على العراق ومن ثم احتلاله كانت تتمثل في وجود أسلحة دمار شامل عراقية تشكل خطراً على الشعب الأمريكي ثم على الشعوب المجاورة للعراق ، وبديهي أنه لا شأن لأمريكا بالشعوب المجاورة ، فهذه مجرد دموع تماسيح ، أما خطر تلك الأسلحة على الشعب الأمريكي ، فهو خطر مبالغ فيه جداً؛ لأنه بفرض وجود تلك الأسلحة المزعومة فإنها تحتاج إلى صواريخ عابرة القارات لحملها إلى الولايات المتحدة أو طائرات بعيدة المدى أو تنطلق من حاملات طائرات في المحيط الهادي أو الأطلنطي ، وبديهي أن العراق لم تكن تمتلك مثل هذه الصواريخ أو طائرات أو حاملات طائرات ، يبقى فقط في هذا الصدد إمكانية حصول إحدى المنظمات الإرهابية على ذلك السلاح من العراق ، ومن هنا كان الحديث الأمريكي الموجه للشعب الأمريكي عن وجود علاقات بين الحكومة العراقية السابقة وتنظيم القاعدة ، وهى علاقات مزعومة ثبت عدم صحتها فيما بعد ، وعرف الجميع أن ذلك لم يكن إلا نوعاً من الكذب على الشعب الأمريكي لتبرير ذهاب الجيش الأمريكي إلى العراق وموت الجنود الأمريكيين هناك لردع خطر محتمل ثبت أنه غير موجود أصلاً . <BR><BR>الأكثر دلالة هنا أنه بعد مرور سنوات وشهور وأيام وبعد أن فتش الأمريكيون الأرض وتحت الأرض والماء وما تحت الماء في العراق ، وبعد أن بسطوا هيمنتهم على كل الأراضي العراقية لم يجدوا شيئاً من هذه الأسلحة المزعومة ، وفى تقرير صدر يوم 31 مارس 2005م عن لجنة التحقيق الرئاسية الخاصة بتقويم عمل أجهزة المخابرات الأمريكية ، والتي شكلها الرئيس جورج بوش الابن بنفسه قبل ذلك ثبت أن أجهزة المخابرات الأمريكية تجاهلت الآراء المعارضة لوجود برنامج أسلحة دمار شامل في العراق إبان حكم صدام حسين، وأنه تم إغفال أو تحريف تلك الآراء المعارضة خاصة فيما يتعلق بتقرير صادر في أكتوبر 2002م حول وجود أدل دامغة على سعى العراق للحصول على اليورانيوم من النيجر ، وهذا التقرير تحديداً كان قد تم نقده من قبل وتحدث المنتقدون عن وجود خلل واضح ومتعمد في الترجمة وفى صحة أسماء رئيس النيجر في ذلك الوقت ، بحيث إن أي جهد استخباراتي كان يمكنه اكتشاف عدم صحة هذا التقرير ، وإن أجهزة مخابرات أخرى نبهت الأمريكيين والبريطانيين إلى هذا الخلل دون جدوى .<BR><BR>بل إن موضوع هذه الصفقة بين العراق والنيجر كان قد تم تكليف السفير جوزيف ويلسون (سفير الولايات المتحدة السابق لدى الجابون) بالتحري عن هذا الموضوع ، وعاد الرجل من مهمته، وقال: إن الأمر لم يستغرق وقتاً طويلاً لاستنتاج أن حدوث أي من تلك الصفقات هو محل شك كبير ، وتقدم الرجل بنتائج تحقيقاته إلى المخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، وتم تجاهل ذلك، بل إن الرئيس الأمريكي برغم ذلك عاد وتحدث عن تلك الصفقة تحديداً، واتهم العراق في خطاب حالة الاتحاد 2003م ، ويعلق السفير جوزيف ويلسون على ذلك بقوله: لقد دخلنا الحرب بموجب حجج كاذبة ، وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أكدت قبل أسابيع من الحرب على العراق أن تقرير صفقة اليورانيوم العراقية مع النيجر ملفق ، وكان هانز بليكس (كبير مفتشي الأسلحة السابق للأمم المتحدة) قد اتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والدانمارك بإساءة تفسير التقارير ، وأن كولين باول كان يكذب وأن الأمريكيين كانوا يتلاعبون بصور الأقمار الصناعية.<BR><BR>على كل حال فإنه بعد مرور شهور على الاحتلال كان الأمريكيون والبريطانيون قد توقفوا عن الزعم بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وتم التحقيق في الموضوع خاصة أن اللجنة الأمريكية للبحث عن تلك الأسلحة وهى لجنة عسكرية عالية المستوى بعد أن ثبت لها عدم وجود شيء من تلك الأسلحة، ما دورنا هنا ليس فقط سقوط هذا المبرر، بل إن المسألة تعنى أن مؤامرة غزو العراق تم إعدادهـا مسبقاً، وتم بالتالي اختلاق ذرائع كاذبة والترويج لها، وهذا ثبت صحة نظرية المؤامرة حول هذا الموضوع تحديداً أن لم يكن في كل مجال في إطار علاقتنا مع الغرب وأمريكا، وقد كشف الصحفي الأمريكي بودب وود في كتابه بعنوان (خطة الحرب)، الذي نشر في الولايات المتحدة 2004م أن خطة الحرب على العراق وضعت في 2001م، وأن الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع وكل المسؤولين تقريباً كانوا يعرفون عدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وبالتالي فإن خطة الحرب وضعت أولاً ثم تم البحث عن ذرائع لتبريرها. <BR><BR>الذريعة الثانية التي استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لتبرير غزو العراق واحتلاله كانت مسألة النظام الديكتاتوري، وأن الجنود الأمريكيين والبريطانيين جاؤوا يحملون أعلام الحرية والرخاء والديمقراطية، وبديهي أن السجل الأمريكي القديم والجديد والآني يكذب ذلك الادعاء تماماً بدأ من إبادة الهنود الحمر واستعباد السود ومروراً بكل المؤامرات التي حاكتها الولايات المتحدة ضد شعوب العالم (راجع في هذا الصدد كتابنا جرائم الأمريكان في هذا الزمان الصادر عام 1999م )، وانتهاء بما حدث من انتهاك وحشي وتعذيب وممارسات بشعة في سجن أبي غريب، وفي سجون جوانتانامو، وفي قتل الأسرى في قلعة جانجى بأفغانستان وكلها أمور باتت حقيقية معروفة أدانتها منظمات حقوق الإنسان العالمية واعترف بها الأمريكيون و البريطانيون أنفسهم فضلاً عن أن الولايات المتحدة تدعم دكتاتوريات أخرى (باكستان وبرويز مشرف نموذجاً على ذلك).. وبدهي أن أحداً لا يصدق الأمريكان بالذات في مسألة تحرير الشعوب الأخرى من الاستبداد، بل أن كل الحكام المستبدين في المنطقة والعالم كانوا في الحقيقة من صنائع أمريكا أصلاً أو أنهم تلقوا دعماً منها طالما كانوا ينفذون ما هو مطلوب ..<BR><BR>هذان التبريران السابقان الساقطان هما كل ما تبرر بها أمريكا غزوها للعراق ولكن هناك تفسيرات أخرى جزئية يقول بها بعض المحللين مثل محاولات الولايات المتحدة نهب ثروات الشعب العراقي والشعوب عموماً ولكنه لا يفسر الموضوع تماماً، فالولايات المتحدة أنفقت في العامين الأولين لاحتلال العراق حوالي 250مليار دولار غير ما صرفته باقي دول التحالف – وخسرت من الجنود حسب اعترافها 1500 و 7000 جريح، والصحيح أضعاف هذا العدد، وبديهي أن نهب الثروات وحده لا يصلح هنا إلا تفسيراً جزئياً، فالمسألة في الحساب الاقتصادي خاسرة، ومن التفسيرات أيضاً تأمين تدفق البترول، حيث إن العراق تمتلك من 110 إلى 250 مليار برميل احتياطي حسب اختلاف التقديرات، وأن الولايات المتحدة ستحتاج باستمرار إلى تأمين تدفق النفط لزياد استهلاها وتناقص إنتاجها وللسيطرة على سوق النفط للتحكم في الدول الأخرى، خاصة ألمانيا واليابان – وهذا أيضاً صحيح جزئياً – لأنه كان من الممكن تأمين كل هذه الأمور بدون غزو، وصدام حسين شخصياً لم يكن يمانع في إعطاء النفط للأمريكان ولا غيره بالطبع، وكذلك فإن المقاومة العراقية الباسلة تعطل حتى الآن التدفق الآمن لهذا النفط، وهكذا فإن تلك التفسيرات جزئيه وليست شاملة ولا يمكنها تفسير كل شيء.<BR><BR>إذن لنبحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الغزو، ولنضع في اعتبارنا هنا عدداً من الحقائق منها أن الإدارة الأمريكية التي شنت الحرب تابعة لليمين الأصولي الأمريكي، أو ما يسمى جماعة أمريكا القرن الجديد وهى جماعة نشأت رسمياً عام 1997م، ولكن أفكارها كانت موجودة من قبل بالطبع – وخططت ووضعت أبحاثاً تهدف إلى السيطرة على العالم وبناء إمبراطورية حول العالم وأن خطة غزو العراق ذاتها تمت في أروقة الجماعة عام 1997م وتبناها (الرئيس الأمريكي) جورج بوش عام 2001م، بل إن تلك الخطة ذاتها قد أرسلت إلى الرئيس بل كلينتون ولم تنفذ، وهكذا فإن السبب الأول الحقيقي للغزو هو الخطة الأمريكية لبناء إمبراطورية أمريكية حول العالم وغزو العراق ومن ثم ما بعدها – جزء من الموضوع، كذلك ترى هذه الجماعة الحاكمة في أمريكا بدءاً من 2001م أن إقامة إسرائيل الكبرى جزء من الواجب الديني المسيحي- الأصولية الإنجيلية – تمهيداً لمعركة هرمجدون وعودة المسيح فيما يسمى بالألفية السعيدة – وهى خرافات وتحريفات ليس هنا مجال تفنيدها . إذن فالحرب على العراق هي جزء من تأمين إسرائيل وإنهاء وجود قوى عربية يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل ثم الامتداد لتغيير أنظمة الحكم والتوجهات والسيطرة على سوريا ولبنان ومصر والسعودية... إلخ. في إطار تأمين انفراد إسرائيل بالهيمنة على المنطقة وتحقيق إسرائيل الكبرى.<BR><BR>السبب الثالث الحقيقي الذي هو التفسير الصحيح والمكافئ والعملي لكل ما حدث ويحدث في المنطقة منذ مئات السنين، هو أن الصراع الحضاري الممتد في التاريخ والجغرافية بين الحضارة الإسلامية بما تمثله من حق وعدل وحرية والحضارة الغربية بما تمتلكه من نهب وعنف ووثنية لم يتوقف قط وأنه أخذ أشكالاً متعددة منذ البعثة المحمدية و مروراً بحرب 1000 عام في المغرب والأندلس والحروب الصليبية في المشرق العربي 1095 م – 1296م ثم الصراع مع الخلافة العثمانية الباسلة – ثم مرحلة الاستعمار والصهيونية منذ 1798م وحتى الآن، وأن العدوان الأمريكي على العراق هو آخر مظاهر ومراحل الحرب الصليبية من الغرب على العالم الإسلامي، ولعل هذا يفسر سر تشبث الغرب وأمريكا بالبقاء في العراق رغم الخسائر الاقتصادية والبشرية الهائلة- وهكذا فإن المقاومة العراقية الباسلة هي دفاع عن الأمة كلها – تاريخها وحاضرها ومستقبلها – ولعل ما قاله جورج بوش بنفسه عن أنها حرب صليبية هي زلة لسان عبرت عن الحقيقة دون أن يدرى وهو ذاته معروف بميوله الصليبية وتحويل البيت الأبيض إلى كنيسة وسيطر القسس المتطرفون والداعون علناً إلى الحرب على الإسلام من أمثال جيرى فالويل و بات روبرتسون على القرار الأمريكي، وعلى كل حال فإن صحيفة دير شبيجل الألمانية ذاتها قالت: "إنها حرب جورج بوش الصليبية، وإن بوش يرى المسيح كجنرال بخمسة نجوم. ويقول البروفيسور اليوت كوهين: إن أمريكا تعد نفسها تخوض الحرب العالمية الرابعة ضد العالم الإسلامي تحت اسم مواجهة الإرهاب الإسلامي على أساس أن الحرب العالمية الثالثة كانت هي الحرب الباردة ضد الشيوعية، وإن أمريكا والغرب قد حققا فيها انتصار ساحقاً: ويقول هنرى كيسنجر (أحد حكماء الغرب، والمعبرين عن حقيقة أهدافه وطريقة تفكيره): "إن هزيمة أمريكا في العراق معناه خسارة الغرب كل ما حققه في خمسة قرون". ويقول توني بلير (رئيس وزراء بريطانيا): "إن هزيمة أمريكا في العراق هزيمة للغرب كله".. <BR><br>