أمريكا وسياسة "الأرض المحروقة" في العراق
29 جمادى الأول 1426

مع تحول مساحات شاسعة من الأرض العراقية إلى ميدان قتال فعلي، وتحديد بعض المدن كأهداف عسكرية يتم قصفها وتدميرها بشتى أنواع الأسلحة، فإن أسئلة كثيرة تتردد على الساحة العراقية حول مستقبل قوات الاحتلال الأميركية التي عدلت من استراتيجيتها العسكرية، وقررت الانتقال إلى الهجوم الكاسح الذي لا يخضع لضوابط أو خطوط حمر.<BR><BR>المراقبون للوضع العراقي توقفوا أمام سلسلة العمليات العسكرية التي تحمل أسماء "البرق" و"الرمح" و"الخنجر"، والتي استهدفت بلدات "القائم"، و"الكرابلة" و"تلعفر" في شمال غرب العراق، وفي بغداد" ومحيطها، لمعرفة أسباب انتقال قوات الاحتلال إلى ما يسمى "الضربات العسكرية الاستباقية" التي تقوم على المباغتة واستخدام أقصى ما يمكن من القوة.<BR><BR>ما جرى ويجري في العراق منذ حوالي الشهر يؤشر إلى أن عمليات التدمير الواسعة التي لحقت بالقائم والكرابلة وتلعفر وسقوط مئات الضحايا وتهدم عشرات المنازل، مرشحة للتوسع إلى أكثر من منطقة لعل ذلك يؤدي - وفقا لوجهة النظر الأميركية - إلى التخفيف من العمليات العسكرية التي تتعرض لها القوات الأميركية، وذلك من خلال ضرب قواعد الانطلاق والتخطيط على اعتبار أن هذه المناطق توفر الإقامة والحماية للجماعات المسلحة، أو على الأقل خطوط تمويل وتموين.<BR><BR><font color="#0000FF"> تضاعف عمليات المقاومة: </font><BR><font color="#FF0000"> هل نجحت القوات الأمريكية في تحقيق أهدافها؟ وهل صحيح أن المقاومة المسلحة تلفظ أنفاسها كما يقول بعض أركان الإدارة الأمريكية؟ </font><BR>المعلومات المتوافرة من بغداد تؤكد أن العمليات العسكرية الثلاث الأخيرة لم تحقق أيا من أهدافها، أما القول بأن المقاومة المسلحة تلفظ أنفاسها فهو قول لا يعبر عن الحقيقة أبداً، بل على العكس، فإن عمليات المقاومة خلال أيام عمليات "البرق" و"الرمح" والخنجر" قد ازدادت ضعفين يومياً وأحيانا ثلاثة أضعاف، فمن يلفظ أنفاسه من المفترض أن تتراجع عملياته العسكرية لا أن تزداد، ولعل التقارير الإخبارية المصورة التي بثتها بعض القنوات التلفزيونية العربية عما جرى في البلدات الثلاث كشفت عن حقيقة ثابتة، وهي أن الهجوم لم يكن بحجم النتائج، فقد تم استخدام الدبابات والمدفعية وسلاح الطيران وقوات المارينز بكثافة وعلى مدى حوالي عشرة أيام ضد بلدات صغيرة معظم منازلها من الطين، وبعد ذلك قال المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية: إن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال حوالي 70 شخصاً ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة، من دون عرض أي دليل حسي يؤكد اعتقال هذا العدد، أو أن هؤلاء ينتمون فعلاً إلى مجموعات مسلحة.<BR><BR>ومع ذلك فإن القيادة العسكرية لقوات الاحتلال، وفقاً لما تؤكد تقارير عراقية، تعد لمزيد من الهجمات العسكرية لتعميم الدمار على مختلف أرجاء العراق، مع الإشارة إلى أن القيادة العسكرية الأمريكية تخطط وتنفذ عملياتها من دون إبلاغ الحكومة العراقية مسبقاً، كما لا تقوم بإطلاعها على مجريات المعارك ولا على الأهداف التي تتعرض للقصف حتى ولو كانت مساجد، كذلك لا تنسق مع وزارة الدفاع العراقية بما يتعارض مع نص القرار الدولي الخاص بوجود قوات الاحتلال في العراق بمراعاة سيادة الدولة والتنسيق مع الحكومة، وترفض الرد على أي استفسار من أية جهة رسمية عراقية حول العمليات العسكرية.<BR><BR><font color="#FF0000"> لماذا هذا التخبط الأمريكي العسكري، فيما تتسع رقعة المعلومات التي تتحدث عن مفاوضات تجرى منذ مدة بين القوات الأمريكية وبعض فصائل المقاومة؟ </font><BR>تؤكد مصادر أمريكية مطلعة أن دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع)، الذي يتعرض لضغوط كبيرة من جانب أعضاء في الكونجرس ينتمون للحزبين الديموقراطي والجمهوري يطالبون بوضع جدول للانسحاب العسكري من العراق تفادياً لمزيد من الخسائر البشرية، طلب من القيادة العسكرية الأمريكية في العراق اتخاذ ما يلزم من إجراءات عسكرية "لتبييض" وجه البيت الأبيض الذي يصر على تأكيد نجاح القوات الأمريكية رغم أنه يعرف بأن الوضع غير ذلك تماماً، وذلك من باب رفع معنويات الجنود والتخفيف من وطأة ردود الفعل السلبية المحلية، حيث بدأت مؤشرات استطلاعات الرأي تؤكد على تزايد ملحوظ في نسبة الأمريكيين المناهضين للحرب واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، إضافة إلى تدن غير مسبوق في نسبة تأييد الأمريكيين للرئيس جورج بوش.<BR><BR>لهذا، تقول المصادر: إن القيادة العسكرية الأمريكية في العراق سارعت إلى هذه العمليات واللجوء إلى إستراتيجية الهجوم الوقائي الواسع واتباع سياسة "الأرض المحروقة" لعل ذلك يحقق انتصارات سريعة تمكن أركان الإدارة الأمريكية من الاستناد إليها من خلال عرض الوضع العراقي رسمياً وإعلامياً، والرد على الهجمات والضغوط التي تتعرض لها من أجل الإسراع في وضع جدول للانسحاب من العراق.<BR><BR>وفي موازاة ذلك، أكدت مصادر عراقية مطلعة أن عدداً من المسؤولين العراقيين الحاليين والسابقين عقدوا على مدى الشهرين الماضيين سلسلة من الاجتماعات مع أطراف تمثل المقاومة العراقية الوطنية وليست المتطرفة، إضافة إلى اجتماعات عقدت مع مسؤول بعثي سابق، لكن حتى الآن لم تتبلور أية صيغة محددة لمواصلة الاتصالات التي تتم على جبهتين، إذ إن الجبهة الأخرى التي تتولى الاتصالات تتمثل بمسؤولين عسكريين أمريكيين أجروا اتصالات مع قوى عراقية مقربة من المقاومة وشروطها.<BR><BR>لكن اتضح أن هناك قاسماً مشتركاً بين كل هذه الاتصالات، وهي أن مختلف القوى العراقية اشترطت وضع جدول زمني للانسحاب العسكري الأمريكي للتوقف عن شن هجمات عسكرية على القوات الأمريكية والعراقية، الأمر الذي وضع الجانبين العراقي الرسمي والأمريكي في موقف حرج؛ لأن الاعتراف بالمقاومة العراقية يعطي لهذه المقاومة زخماً شعبياً ويسحب بساط الشرعية من تحت أقدام القوى التي تتولى السلطة، بل هناك من يتساءل: هل تستطيع هذه السلطة الصمود إذا انسحبت القوات الأمريكية فعلاً؟<BR><br>