اقتتال ( حماس) و( فتح )... الحقيقة المغيبة!
12 جمادى الثانية 1426

تفجرت على الساحة الفلسطينية الداخلية مؤخراً أزمة مسلحة، أدت إلى مقتل 2 على الأقل وجرح نحو 30 آخرين، في حالة تنذر بتصاعد الصراع الداخلي بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والسلطة الفلسطينية ممثلة بحركة (فتح).<BR><BR>الحوادث المؤسفة التي صاحبها إطلاق الفلسطينيين النار على بعضهم البعض؛ بدأت على خلفية قرار وزارة الداخلية الفلسطينية منع أي من المجاهدين إطلاق النار أو الصواريخ أو قذائف الهاون على الإسرائيليين أو المستعمرات الإسرائيلية، بحجة الالتزام بالهدنة الموقعة بين الحكومة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (أبو مازن) والحكومة الإسرائيلية، في وقت أحصت فيه منظمات فلسطينية 6000 انتهاك إسرائيلي للهدنة حتى الآن، شملت عمليات اغتيال وقتل وجرح واعتقال فلسطينيين واجتياحات عسكرية وهدم منازل وتجريف أراض زراعية وتضييق الخناق على الفلسطينيين وإقامة حواجز عسكرية ومنع تنقل وغيرها.<BR><BR>وعندما حاول مجاهدون يتبعون لحركة (حماس) إطلاق صواريخ على مستعمرات إسرائيلية؛ بعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، حاولت قوات تابعة للأمن الفلسطيني منع المجاهدين من تنفيذ ذلك، ما أسفر عن حوار مسلح بين المجموعتين، أدى إلى مقتل اثنين وجرح 28 آخرين.<BR><BR><font color="#0000FF">موقف (فتح): </font><BR>حركة (فتح) حاولت الاستفادة مما حدث، ووظفته لأبعد من مسألة حدوث خلاف بين فصيلين مسلحين يضمن قدراً كافياً من احتمال سقوط ضحايا، إذ وزعت بياناً حمّلت فيه حماس كامل المسؤولية عما حدث، ورسمت لها صورة مدروسة لشبح قد يطال كل الفلسطينيين، وجاء بيانها ليقول: " أثبتت حركة حماس بما لا يدع مجالاً للشك بأن السلاح الذي تحمله لم يكن لمقاومة العدو الإسرائيلي فقط ، بل سلاح يمكن أن يوجه للصدور الفلسطينية".<BR><BR>وشملت التهم الموجهة لحماس أكثر من ذلك، حيث يقول البيان: "وبالفعل أريق الدم الفلسطيني تحت شعارات واهية وحجج ضعيفة لا تصمد أمام الحقائق التي شاهدناها، والتي شملت قيام حماس وبأوامر من قادتها بالقتل والحرق والتدمير والتحريض"<BR>التهم لم تتوقف عند من قاموا بتنفيذ ذلك، بل شملت القيادة "وتُطالب (فتح) النيابة العامة وأجهزة الأمن بالقبض على كل من قام بإعطاء الأوامر والتحريض وتهيئة الأجواء لزعزعة الأمن الداخلي وإضعاف الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ، وبتوقيع أقسى العقوبات".<BR><BR>وباتت المصادمات مناسبة لترسيخ السلطة بيد (فتح) وإقصاء (حماس) عن أي أحقية بذلك "إن حركة فتح تُؤكد أن حركة حماس ليست بديلاً أو رديفاً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وأنه لا توجد على أراضى السلطة الفلسطينية سوى سلطة شرعية واحدة، وهى السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها (الرئيس الفلسطيني المنتخب) محمود عباس".<BR><BR>واعتبرت (فتح) أن ما توصلت إليه مع الكيان الصهيوني من اتفاقات (!) مقيداً لكامل الشعب الفلسطيني، رغم التنازلات التي قدمتها الحركة في مقابل عدم التزام الكيان بمعظم التزاماته "الجميع عليهم الالتزام بما يتم التوصل إليه من اتفاقات، والسلطة الوطنية بوصفها راعية المصالح الفلسطينية والمُمثل الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني، يقع عليها واجب تطبيق القانون والأمن الداخلي، كما أنه يقع عليها واجب احترام تعهداتها الدولية والإقليمية".<BR><BR>وطلبت (فتح) من (عقلاء حماس) التهدئة، محاولة بذكاء إظهار أن الخلاف بين الحركتين ليس خلافاً على مبدأ المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ بل هي أعمال تحريض وقتل ضد السلطة الفلسطينية "إننا ندعو حركة حماس للتوقف الفوري عن جميع أعمال التحريض والاعتداء على الأرواح والممتلكات وإشهار السلاح في وجه الأبرياء من الفلسطينيين الذين يؤدون واجبهم في حماية أمن الوطن".<BR><BR>وكانت السلطة الفلسطينية اتهمت في بيان سابق لها (أعقب المواجهات المسلحة) مجاهدي حركة حماس أنهم "يستخدمون الأطفال والفتيان كدروع بشرية ويقومون بإطلاق النار على الشرطة عبر الاحتماء بالمواطنين الأبرياء" !<BR><BR>وخلال اليومين الماضيين، أصبحت حركة حماس هدفاً للعديد من مسؤولي فتح، والذين مثّلوا بالحركة وغيّبوا كل ما قامت به من تضحيات وجهاد ضد الإسرائيليين، حيث يتهم سمير المشهراوي (عضو مكتب التعبئة والتنظيم لحركة فتح في غزة) أن حماس قد تجاوزت الخطوط الحمراء في فلسطين. مشككاً بوطنية حماس (!) بقوله: "إطلاق صواريخ من قبل حماس تحت مسميات أنها رداً على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الضفة، الأمر الذي لم نسمعه من قبل حماس على مدار ثلاثين يوماً استهدفت (إسرائيل) فيها حركة الجهاد من اعتقالات واغتيالات بالضفة، ولم نلمس أي رد على هذا الموضوع، وهذا يعزز قناعة أن تصرف حماس اليوم دوافعه حزبية وسياسية"<BR>وذهب لأبعد من ذلك، واصفاً أسلوب حماس بأنه كأسلوب (إسرائيل)(!) " إن حماس تتكلم بلغة (إسرائيل) وبنظرية شارون الذي يتهم الرئيس أبو مازن والسلطة بالضعف وأنها لا تقوى على فعل شيء فحماس تعزز منطق (إسرائيل)"<BR><BR>كما نشر مركز الإعلام والمعلومات الفلسطيني جملة من الاتهامات ضد الحركة، متهماً إياها بإقرار وتنفيذ ما وصفه " بالوثيقة السرية" التي تملي على الحركة عدداً من السياسات كالـ" الاستغلال المدروس والاستثمار البشع للموقف وتوجهات السلطة الوطنية وحركة فتح القاضية بحرمة الدم الفلسطيني"، و"استخدام كافة الوسائل والأساليب لإظهار نفسها وكأنها حامية حمى الشعب"، و"استغلال الظروف الحياتية القاهرة للشعب الفلسطيني بما يضمن حشد التأييد لها في الانتخابات". مطلقة تساؤلات مثيرة للريبة كمثل "هل صحيح أن حماس صادقة في أن إطلاق الصواريخ في هذا الوقت بالذات جاء للرد على ما يقوم به الاحتلال في محافظات الضفة"، و"هل حقيقة أن صواريخها ردعت الاحتلال عما يمارس في الضفة".<BR><BR>فيما اعتبر جبريل الرجوب (مستشار الرئيس الفلسطيني للأمن القومي) أن حماس تقوم بهجمة إعلامية تحريضية ضد القيادة الفلسطينية لتحل محلها، مضيفاً أن خطاب حماس الإعلامي القائم على اتهامات وتحريض بأسلوب يفتقر للحد الأدنى من المسؤولية يثير الريبة والشك بان هناك مخططا لافتعال مواجهات داخلية اعتقاداً منهم بأن من شأن ذلك أن يهيئ لاستيلاء على السلطة !<BR><BR>حركة (فتح) استفادت من وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وبثت حملة إعلامية واسعة عبر صحفها وقنواتها الإعلامية المتلفزة والإذاعية، لإظهار حماس بهذه الصورة، في وقت تحاول تكميم صوت (حماس) بأي وسيلة. حيث أوضح سامي أبو زهري (المتحدث باسم حركة حماس) أن السلطة تحاول تغييب صوت حماس، وقال: "هناك محاولات لوزارة الداخلية لمنع حركة حماس من أداء رسالتها الإعلامية، فقد تم منعي من الظهور على قناة (الجزيرة) يوم أول أمس الخميس، كما وجهت الوزارة تحذيراً إلى إذاعة صوت الأقصى في غزة".<BR><BR><font color="#0000FF">موقف (حماس): </font><BR>لم يفت على قيادة (حماس) التأكيد على أن مبدأ الخلاف مع السلطة الفلسطينية ليس خلافاً حول السيادة أو التشريعات الداخلية، إذ أنها لم تشارك في الأصل بالانتخابات الرئاسية، واكتفت لاحقاً بالمشاركة في الانتخابات البلدية، ضمنت لها مقاعد كافية لإظهارها كقوة فاعلية مسنودة من قبل الشعب.<BR>فالخلاف مع السلطة خلاف مبدئي حول الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد انطلقت أولى الرصاصات بين الجانبين بعد أن حاولت عناصر من السلطة الفلسطينية منع مجاهدين من حماس إطلاق صواريخ باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، حيث حمّل بيان صادر عن حركة حماس نصر يوسف(وزير الداخلية) المسؤولية عن اندلاع الاشتباكات، منوهاً إلى أن قرار اللواء يوسف، الصادر في السابع من الشهر الماضي والذي يعطي فيه تعليمات صريحة باستخدام السلاح وإطلاق النار ضد المقاومين هو السبب.<BR><BR>وتبدي الحركة دهشتها من موقف الأمن الفلسطيني الذي بدأ بالفعل تنفيذ القرارات القيادية الفلسطينية والإسرائيلية من تصدي للمقاومة " نفاجأ بخنجر مسموم يطعننا في الظهر فيطلع علينا بعض أبناء جلدتنا من عناصر الأجهزة الأمنية ليقوموا بالتصدي للمجاهدين".<BR>ويضيف بيان حمل توقيع 11 فصيلاً مسلحاً في فلسطين يدعون فيه إلى إقالة الوزير نصر يوسف " ففي الوقت الذي يسقط فيه الشهداء من أفراد الأمن الفلسطيني و تقوم فيه المقاومة بقصف مغتصبات العدو و إيقاع القتلى في صفوف العدو رداً على استهداف عناصر من الشرطة الفلسطينية تقوم بعض العناصر والتي تلقت تعليمات بإطلاق النار تجاهه المجاهدين، موقعين في صفوفهم إصابات بالغة نيابة عن الاحتلال، و يقوم من هم في موقع المسؤولية بإصدار الأوامر لأفراد الأجهزة الأمنية بالتعامل مع أفراد المقاومة بلا هوادة حتى لو أدى ذلك لإصابتهم أو قتلهم."<BR><BR>وألمحت في بيان آخر إلى أن الأمن الفلسطيني هو من أطلق النار أولاً على مجاهديها "" ولكن من الذي بادر بإطلاق النار على المجاهدين وعلى أبناء الشعب الفلسطيني في بيت لاهيا و حي الزيتون؟ هل هي حماس ، ولو كانت كذلك لماذا صادرت أجهزة الأمن الفلسطينية أشرطة التصوير للصحفيين بعد أن أطلقت النار على سيارتهم ؟".<BR><BR>كما حمّلت (حماس) في بيانها، بعض الشخصيات في فتح، مسؤولية ما حدث من تصعيد بين الجانبين. مصعدة من حدة لهجتها ضد السلطة الفلسطينية " سنقطع الأيدي الخبيثة التي تمتد لتمس بمجاهدينا و التي تعتدي عليهم أثناء تأديتهم واجباتهم الجهادية ومن حقنا أن نلاحق من يقوم بإطلاق النار على مجاهدينا".<BR><BR>وشددت على عدم إمكانية العودة إلى حقبة عام 1996 حينما شنت السلطة الفلسطينية حملة اعتقالات وتنكيل بحق حركة حماس، وقالت: " نؤكد للمرة الألف إلى بعض القيادات في السلطة الفلسطينية أنه إذا كان البعض يتصور أن بإمكانية أن يعود بالساحة الفلسطينية إلى العهد البائد الذي تلطخ بملاحقة المجاهدين فهو واهم، فلن تعود حقبة عام 1996 ، ولن يدخل المجاهدون السجن ولن تصادر الأسلحة ولن يسمح لأحد أن يستفرد بالمقاومة ".<BR><BR><font color="#0000FF">موقف الجهاد الإسلامي: </font> <BR>لم تقف حركة (الجهاد الإسلامي) الشريك الاستراتيجي لحماس، جانب الحياد من الأزمة الأخيرة، فهي وإن لم تشارك في الخلاف، إلا أنها كادت أن تحسب على حماس، لذلك سارعت الحركة إلى إعلان استعدادها للبدء بوساطة ما بين الحركتين طرفي النزاع.<BR>حيث أكد خالد البطش (القيادي في الحركة)أن حركته قدمت مبادرتها لحركة حماس والسلطة على أساس وحدة شعبنا الفلسطيني، وحرمة دمه الطاهر وعلى قاعدة حماية الانتفاضة والمقاومة وتفويت الفرصة على الاحتلال والمتربصين بقضيتنا العادلة وتعزيز الوحدة الوطنية.<BR>وقال البطش مركزاً على مبدأ وحدة الصف: " تحركت وفد من حركة الجهاد الإسلامي للالتقاء بإخواننا في حركة حماس والإخوة في السلطة الفلسطينية ممثلة بـ(وزير الداخلية الفلسطيني) نصر يوسف لوضع حد للأحداث المؤسفة التي جرت في غزة وشمالها يوم الخميس والجمعة الماضيين الموافق 14-15-7-2005م ".<BR>وأضاف أنه تم التشاور واستيضاح الأمر بين الطرفين وطالبت الحركة من الأشقاء في حماس والسلطة الفلسطينية بضبط النفس وتحمل مسؤوليتهما الوطنية والدينية.<BR><BR>(حماس) من جهتها غمزت في موقف (الجهاد)، مشيرة إلى استغرابها من الموقف المحايد، حيث يعد قرار وزارة الداخلية استهداف أي من المجاهدين الفلسطينيين الذين يحاولون إطلاق الصواريخ على الإسرائيليين؛ يطال حركة (الجهاد) أيضاً. كما أكدت (حماس) في أكثر من بيان أن حركة (الجهاد) لم تتوسط مع أحد، وأن ما تقوم به هو استيضاح للأمور لا أكثر.<BR>إلا أن قياديي الجهاد أصروا على التهدئة، ولم يدخلوا مع حماس في نزاع إعلامي.<BR> <BR><BR><font color="#0000FF">حملة اتهامات: </font><BR>اتخذت السلطة الفلسطينية ما حدث ذريعة لإطلاق عدد من التهديدات والاتهامات بحق حماس، منها التهديد بإغلاق إذاعة صوت الأقصى التابعة لحماس، وإطلاق حملة لإزالة جميع الأعلام التابعة للفصائل الفلسطينية في الشوارع، بخلاف أعلام السلطة و(فتح)، واتهام (حماس) بتهديد إذاعة (العمال) في غزة بنسفها وقتل مذيعيها على خلفية برنامج إذاعي، واتهامها أيضاً بإطلاق النار على ضابط أمن فلسطيني شمال قطاع غزة، وإطلاقهم النار على مركز شرطة الشجاعية.<BR><BR>وذهبت السلطة لأبعد من ذلك باتهام مقاومي حماس بزرع عبوات ناسفة بين الفلسطينيين (!)، حيث حذرت وزارة الداخلية والأمن الوطني يوم الأحد، المواطنين وأهالي حي الزيتون شرق مدينة غزة، من وجود عبوات ناسفة في الحي، مدعية أن مسلحين من حماس قاموا بزرعها !<BR><BR>من جهتها، اتهمت (حماس) السلطة الفلسطينية بمحاولة تكميم أفواه الجميع، ومصادرة الحريات الشخصية، والقيام بما كانت تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية من اعتقالات في صفوف المجاهدين، وتنفيذ أجندة شارون في المنطقة. مصرة على مبدأ إقالة (وزير الداخلية) نصر يوسف.<BR><BR><font color="#0000FF">هل تنتهي على خير؟! </font><BR>يتساءل معظم الفلسطينيين في الداخل والخارج، ومعظم المتابعين للشأن الفلسطيني سؤالاً واحداً "هل سينتهي هذا الخلاف على خير؟.<BR>والسؤال يضمن قدراً من الرأي الذي لا يبحث عن المتسبب في ذلك، فاستراتيجية كل حركة واضحة، وكلاهما يتمتعان بدعم شعبي كبير، ويمتلكان قوة لا يستهان بها وأسلحة وفيرة قد تثبت نفسها على الساحة الداخلية أكثر مما أثبتته ضد الإسرائيليين !<BR><BR>التصعيد المتزايد من قبل السلطة لا ينذر بالخير، وموقف قياديي حماس المبدئي يزيد من حساسية الموقف، ورغم البيانات المتلاحقة من قبل الفصيلين بحرمة الدم الفلسطيني وعدم توجيه السلاح إلى صدر أبناء الوطن، تبقى القضية الفلسطينية أكبر الخاسرين.<BR><br>