أسباب التفجيرات في مصر..
25 جمادى الثانية 1426

بعد الانفجار الذي وقع في قلب القاهرة، والذي قام فيه أحد المصريين بتفجير قنبلة أدت إلى مقتل أمريكي وسائحين فرنسيين وجرح 18 آخرين في سوق المسكي؛ حاولت الحكومة المصرية إظهار هذا الانفجار على أنه "حادث فردي"، قامت على إثره بحملة أمنية واسعة، موازية لحملة إعلامية في محاولة لإظهار الحادث على أنه "مسألة آنية تم حلها نهائياً"، وأن منذ الهجوم قام بعمله بشكل فردي، وأنه لا يتبع لأي تنظيمات داخلية أو خارجية.<BR><BR>مصر كانت وقتها مقبلة على موسم سياحي جديد، فتفجيرات سوق خان الخليلي وقعت في 7 أبريل، وتبعها بعد 23 يوماً مطاردة المشتبه به الرئيس في التفجيرات الأولى أدت إلى مقتله.<BR>وعادت الأمور إلى ما كانت عليها في السابق، مع تشديدات أمنية سرية، طلب فيها من قادة الأجهزة الأمنية استنفاراً كاملاً لمنع وقوع هجمات أخرى. بعيداً عن أعين السياح أو الإعلام.<BR><BR>ورغم ما أعلن رسمياً في تلك الفترة، يرى المراقبون والمحللون السياسيون أن هذه التفجيرات مؤشر على عودة العمليات المسلحة من قبل إسلاميين مفترضين يتبعون لتنظيمات ملاحقة، شبيهة بتلك الهجمات التي حدث في فترة السبعينات، والتي أثرت بشكل فعال على المجال السياحي الحيوي في مصر.<BR><BR><font color="#0000ff">الهجوم على السياحة:</font><BR>بنظرة تاريخية إلى أحداث التفجيرات الرئيسة التي وقعت في مصر، نرى أنه:<BR>- في عام 1992، قتلت سائحة بريطانية في هجوم على حافلة جنوبي مصر.<BR>- في 26 فبراير عام 1993 قتل سويدي وتركي ومصري في انفجار قنبلة بمقهى شعبي يرتاده السياح الأجانب، كما أصيب 18 شخصاً من بينهم أمريكيين. <BR>- وفي 26 أكتوبر من نفس العام، فتح مسلح النار على سياح أجانب في إحدى فنادق القاهرة، ما أسفر عن مقتل أمريكيين وفرنسي، وجرح 3 أجانب آخرين.<BR>- في 4 مارس 1994 قتلت سائحة ألمانية خلال عملية إطلاق نار على سفينة سياحية في النيل جنوب مصر.<BR>- وبذات العام في 26 أغسطس قتل سائح إسباني وجرح 3 آخرين في عملية إطلاق نار على حافلة سياح جنوبي مصر.<BR>- وفي 27 سبتمبر قتلت سائحتان ألمانيتان ومصريان خلال عملية إطلاق نار وسط الغردقة في منتجعات البحر الأحمر.<BR>- كما قتل سائح بريطاني وجرح 3 بريطانيين سائقهم في هجوم مسلح على باص سياحي صغير جنوبي مصر في 23 أكتوبر.<BR>- وفي 18 أبريل عام 1996، فتح مسلحون النار على سياح يونانيين، أسفر عن مقتل 18 منهم وجرح 17 آخرين، في فندق يقع على طريق الأهرام بالقاهرة.<BR>- وفي 17 نوفمبر 1997، لقي 58 سائحاً أجنبياً مصرعهم بالإضافة إلى أربعة مصريين، خلال هجوم مسلح كبير قام به 6 مسلحين، على مجموعة سياحية في معبد فرعوني تاريخي في مدينة الأقصر جنوبي مصر. وأثّر هذا الحادث بشكل كبير على السياحة في مصر.<BR>- وفي نفس العام، وبتاريخ 18 سبتمبر قتل 9 سياح ألمان وسائقهم وجرح 18 آخرين، في هجوم مسلح على حافلة سياحية بالقرب من المتحف وسط القاهرة. <BR>- وفي 7 أكتوبر 2004، نفذ مهاجمون هجمات تفجيرية عبر سيارات مفخخة، استهدفت منتجعات طابا بسيناء، أسفرت عن مقتل 34، معظمهم من السياح الأجانب، من بينهم 10 إسرائيليين. بالإضافة إلى جرح 100 آخرين.<BR><BR>وتشير هذه المعلومات حول أماكن وأهداف الهجمات المسلحة إلى أن المهاجمين يستهدفون بالدرجة الأولى السياح الأجانب في الأماكن والمناطق السياحية في مصر، من القاهرة إلى جنوب مصر إلى سيناء وشرم الشيخ.<BR><BR>اللافت للنظر، أن هذه الهجمات لم تتم بطريقة معينة واحدة، فمنها ما تم عبر تفجير قنابل بدائية الصنع، ومنها ما قام بها مسلحون من إطلاق نار على سياح، ومنها ما تم عبر سيارات مفخخة ومجهزة بتقنيات عالية، ومنها ما تم بشكل فردي، أو بشكل جماعي منظم ومخطط، وبعضها استهدف سائحاً واحداً، وبعضها استهدف تجمعاً للسياح، وبعضها استهدف تجمعاً للمصريين من أبناء البلد بينهم عدد قليل من السياح.<BR>إلا أنها اشتركت جميعها باستهداف السياح الأجانب !<BR> <BR><font color="#0000ff">الأسباب المحتملة خلف التفجيرات:</font><BR>في ظل التكتم الإعلامي الرسمي حول الهوية الحقيقية للمنفذين، وعدم نشر أي تحقيقات معهم أو مقابلات أمنية أو صحفية تقدم معلومات أكثر مصداقة حولهم، أطلق بعض الخبراء والمحللين السياسيين، وبعض وسائل الإعلام العربية والغربية جملة من التكهنات التي تقف خلف موجة التفجيرات في مصر.<BR>منها ما يراه بعض المحللين السياسيين في مصر من أن اتفاقية (السلام !) الموقعة مع الجانب الإسرائيلي والتي لا تحظى بشعبية في الشارع المصري؛ أحد أهم الأسباب خلف النقمة الشعبية على الحكومة. بالإضافة إلى أن الحكومة المصرية تعتبر حليفاً رئيساً للولايات المتحدة في المنطقة، ساهمت بأكثر من طريقة في تسهيل عملية احتلال العراق. فضلاً عن تسلط النظام الحاكم واستبداده بالحكم لسنوات طويلة، وإطلاق حملات أمنية دائمة ضد الإسلاميين، وفرض الأحكام العرفية بشكل دائم.<BR><BR>كما استشهدت صحيفة (الأهرام) التابعة للدولة بكلام أحد المسئولين الحكوميين قائلاً: " إن الدّوافع وراء الهجوم ليست لأسباب تتعلق بمصر بالذات، لكن ربما هي مؤازرة للغضب العام بسبب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والغزو الأمريكي للعراق".<BR>مشيراً إلى أن المنفذين قد يكونوا تأثروا بالأحداث والضغوطات السياسية في المنطقة.<BR><BR>فيما تخشى الوسائل الإعلامية من أن تكون هذه التفجيرات مخطط لها من قبل الإسلاميين المدربين التابعين للتنظيمات العالمية، كتنظيم القاعدة أو الجهاد أو غيرها.<BR>وحول هذا التوقع نشرت صحيفة كرستيان مونيتور مقتطفات من كلام الدكتور جوش ستاتشر (الدكتور في جامعة أندرو في اسكتلندا والذي يدرس السياسة المصرية) يقول فيها: " المشكلة مع الإسلاميين المتطرفين في هذا البلد, سواء من الإخوان المسلمين خلال السّتينيّات أو الجماعة الإسلامية في التّسعينيّات؛ أنهم ذهبوا بعيداً في الخلاف مع الحكومة، لأن جذور الخلاف لم تعالج".<BR>ويضيف " الأسباب الرّئيسّة خلف هذه التفجيرات هي ظلم النّظام, والمشكلة المسلّحة لم تُحَلّ أبدًا عبر طريقة تؤدّي إلى المشاركة السّياسيّة. إذ ليس هناك مكان للحلّ الوسط ".<BR><BR>كما تقول ريما خلف (المدير الإقليميّ لبرنامج تطوير الأمم المتحدة للدّول العربيّ) والتي أعدت تقريراً جديداً حول "عجز الحرّيّة في العالم العربي": " إنّ الممارسات السّياسيّة المتسلّطة مسئولةً جزئيًّا عن إشعال العنف السّياسيّ".<BR>وتضيف المسؤولة الدولية "المنطقة كانت أقلّ استقرارًا في السّنتين الماضيتين. إذا ليس لدى الناس أية حرّيّة للتّنظيم السياسي, لذلك فالبعض منهم سيختفي عن الأنظار ويستخدم العنف كحل".<BR><BR><font color="#0000ff">الموقف الحكومي:</font><BR>تصر الحكومة المصرية على أن هذه التفجيرات التي استهدفت السياح في البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة لا تشكل نسقاً واحداً يشير إلى وجود تنظيم معين يقوم باستهداف السياح والسياحة في البلد، وأنها تعتبر في معظمها عمليات فردية.<BR>فحتى بعد حدوث تفجيرات منتجعات طابا بسيناء في أكتوبر 2004، أكدت الحكومة المصرية على أن هذه العملية "فريدة وغير متصلة بحملة أخرى"، مشيرة إلى أنها حادثة قد لا تتكرر مرة أخرى.<BR>ورغم أن البعض يتساءل متعجباً " كيف يمكن لشخص يفجر نفسه بـ3 كيلوغرامات من مادة التي إن تي المحملة بالمسامير؛ أن يعمل لوحده لمجرد أنه مستاء من الوضع" ترى الحكومة أن التحقيقات التي أجرتها في السابق لم تحمل بصمات جهة معينة.<BR>كما أوقف وزير السّياحة المصري أحمد المغربي زيارته إلى الهند وعاد إلى القاهرة، مؤكداً أنه سيعمل على تشكيل "لجنة أزمة" لمتابعة مسألة التفجيرات ولطمأنة السّيّاح الأجانب بأن مصر ستبقى وجهةً آمنةً للسياحة.<BR>وهو ما يظهر الأزمة الحقيقية التي تعاني منها الحكومة المصرية من مسألة التفجيرات المستهدفة للسياح الأجانب، خاصة وأن نحو 7 آلاف سائح غادروا مصر خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد التفجيرات الأخيرة.<BR><BR>بيد أن التفجيرين الكبيرين الذين هزا منتجعات طابا في أكتوبر 2004، وشرم الشيخ في يوليو 2005 أجبرا الحكومة على حديث من نوع آخر.<BR>حيث نشرت بعض المصادر الأمنية المصرية يوم الاثنين 25 يوليو معلومات مفادها أن تفجيرات شرم الشيخ يقف خلفها أحد أهم المطلوبين أمنياً على خلفية تفجيرات سيناء قبل أقل من عام، وهم يوسف بدران. موضحة أن تحليل حمض نووي في مكان التفجير كشف أن المشتبه به خلف التفجيرين هو شخص واحد.<BR>كما كشفت مصادر في التحقيقات الأمنية أن منفذي العملية الجديدة استفادوا من خطأ العملية السابقة "في إشارة إلى أن التفجيرين نفذا من قبل جماعة واحدة" حيث مسحوا الرقم المنقوش على محرك الشاحنة التي نفذت عبرها التفجيرات، على اعتبار أن رقم لوحة المحرك في الشاحنة التي نفذت بها تفجيرات سيناء كشفت خيوطاً أساسية عن جهة المنفذين.<BR><BR>وهذا يعني أن الحكومة المصرية بدأت تعترف ضمنياً أن جهات معينة ومدربة تقف خلف هذه الموجة من التفجيرات.<BR><BR>يقول الدكتور ستاتشر مشيراً إلى محاولات الحكومة المصرية طمأنة الناس بأن هذه التفجيرات فردية أو شاذة: " هذه التفجيرات يمكن أن تنتهي إذا كانت بالفعل حادثة فريدة وغريبة، لكنّ إذا رأينا هجمات أخرى جديدة، فهذا سيعتبر بداية لشيء ما أكبر ".<BR><br>