الانقلاب على الدكتاتورية في مـوريتانيا
2 رجب 1426

لم يشكل الانقلاب العسكري السلمي على الحكم في موريتانيا حدثاً مفاجئاً، فكثير من الدلالات خلال أشهر طويلة كانت تشير إلى ذلك، وكانت الساحة الداخلية تتطور باتجاه عملية الإقصاء، رغم سنوات الحكم الطويلة لـ(الرئيس المخلوع) معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، والتي من المفترض أن تكون تدعيماً وترسيخاً لنفوذه، كما يحدث في باقي الدول العربية.<BR><BR>ولكن يبدو أن الانقلاب الذي قام به معاوية قبل 21 عاماً، والذي من المفترض أن يكون ترسيخاً للديموقراطية في البلاد، بات دكتاتورياً لدرجة لا يمكن فيها إزاحته إلا بانقلاب آخر.<BR><BR><font color="#0000ff">الظروف الداخلية:</font><BR>بحكم كونها بلداً عربياً وإسلامياً، يتمتع بطبيعة قبائلية محافظة بدرجة واسعة، يقف الشارع الموريتاني ضد أي تقارب عربي "إسرائيلي"، في ظل الحالة المتوترة بين الاحتلال "الإسرائيلي" والفلسطينيين، خاصة وأن تل أبيب لم تقدم حتى الآن سوى الوعود في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية.<BR><BR>وتشير دراسات عديدة وإحصاءات للرأي وتقارير من داخل موريتانيا، أن معظم الموريتانيين يقفون ضد سياسة التطبيع التي كان الرئيس السابق يحرص على تمتينها مع "الإسرائيليين".<BR>على سبيل المثال، فإن المشفى "الإسرائيلي" المقام في العاصمة نواكشوط، والذي جاء على شكل هدية "إسرائيلية" للموريتانيين (!)، يحظى بمقاطعة واسعة من قبل الشعب، وفق تقرير لشبكة الـ(BBC).<BR>بالإضافة إلى المظاهرات العديدة التي قام بها الموريتانيون في الجامعات وأمام وزارة الخارجية، وغيرها، ضد التطبيع، أجبرت الأمن على استخدام الغاز المسيل للدموع لتبديدها.<BR>فضلاً عن موقف المعارضة الإسلامية في الداخل والخارج من سياسة التطبيع.<BR><BR>ويبدو أن الحكومة "الإسرائيلية" كانت مطمئنة تماماً لموقف معاوية المساند لـ"الإسرائيليين"، لدرجة كان من السهل أن يطلق (وزير الخارجية الإسرائيلي) سلفان شالوم من نواكشوط إعلان تل أبيب تأجيل الانسحاب "الإسرائيلي" من قطاع غزة إلى منتصف أغسطس، بدل شهر يونيو.<BR>وقال شالوم خلال زيارته إلى نواكشوط، استقبله خلالها معاوية شخصياً: " إن زيارتي إلى موريتانيا مهمة؛ لأنها دولة شجاعة، رفضت أن تقطع علاقتها مع (إسرائيل)" !<BR>وكان التقارب الحكومي الموريتاني "الإسرائيلي" قد اتخذ إجراءات تنفيذية، منها السماح لـ"الإسرائيليين" بإقامة سفارة لهم في نواكشوط، تحت حماية الأمن الموريتاني، بالإضافة إلى الاتفاقيات التجارية بين البلدين، والاتفاقيات الصناعية، التي تكللت باتفاقية لتزويد "إسرائيل" بالنفط الموريتاني، بدءً من مطلع يناير القادم.<BR><BR>الشارع الموريتاني لم يقف فقط ضد سياسة التطبيع مع الحكومة "الإسرائيلية"، إذ وقف أيضاً ضد سياسة التقارب بين حكومة معاوية وواشنطن.<BR>إذ لجأ الرئيس المخلوع منذ عدة سنوات باتجاه تمتين علاقته مع الولايات المتحدة، متخذاً من الإملاءات الأمريكية منفذاً للحصول على معونات ودعم أمريكي.<BR>وتعتبر الحالة الأمنية هي أكثر الحالات وضوحاً، حيث تستخدم الولايات المتّحدة الأراضي الموريتانية منذ 4 سنوات؛ كقاعدة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن الإسلاميّين في إفريقيا، عبر مئات العناصر الاستخباراتية الأمريكية و"الإسرائيلية". ما أثار حفيظة الشعب الموريتاني، والدول المجاورة.<BR><BR>ورغم أن معاوية كان يأمل بأن يشكل الوجود الاستخباراتي رادعاً (كما حدث خلال محاولة الانقلاب في يونيو 2003م، والتي تدخلت فيها قوات أمريكية وإسرائيلية لإنهاء الانقلاب)، أو على أقل تقدير ناقوس خطر ينذره بأي عملية انقلاب محتملة، إلا أن ذلك لم يفده هذه المرة.<BR>وحول هذه النقطة، تقول وكالة الأسوشيتدبرس: " إن الأمريكيين فشلوا في المحافظة على النظام الموريتاني، إذ كان لديهم مستشارون منذ يونيو الماضي، لتقديم النصح حول الجماعات الإسلامية، وتحسين كفاءة القوات المسلحة".<BR>وتضيف " لقد فشلت وحدة أمريكية مؤلفة من 150 رجل في نواكشوط من ملاحظة أي تغيير في سلوك الحرس الوطني" الذي قاد الانقلاب على حكم معاوية.<BR><BR><font color="#0000ff">الانقلابات السابقة:</font><BR><BR>شهدت الساحة الموريتانية ثلاث محاولات انقلابية على حكم الرئيس معاوية خلال العامين الماضيين، كان أشهرها محاولة يونيو 2003، التي قادها (رئيس الجيش الموريتاني) لمين ولد دحيان، والتي استمرت يومين تقريباً، استخدمت فيها قوات الانقلاب وقوات الأمن التابعة لنظام الرئيس السابق الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ما أسفر عن مقتل عدد من قوات الجانبين، بالإضافة لعدد من المواطنين.<BR>وحسب الإحصاءات النهائية، فإن حصيلة المحاولة الانقلابية أسفرت عن 150 قتيلاً، من بينهم قائد الانقلاب، الذي استخدم الدبابات في محاصرة مقر الإذاعة والتلفزيون وقصر الحكم، وقصف عدد من المراكز الحساسة في العاصمة، ما أجبر معاوية على اللجوء إلى السفارة الإسبانية في بلاده هو وعائلته.<BR><BR>وخلال عام 2004م، أعلنت الحكومة الموريتانية أنها أحبطت محاولتين انقلابيتين، إحداهما في أغسطس، والأخرى في سبتمبر.<BR>واتهمت الحكومة عناصر في الجيش ومساندين من المعارضة الإسلامية، وقامت بحملة اعتقالات وملاحقات بين صفوف الجيش، وأجرت عدد من التغييرات.<BR><BR>ويبدو أن الانقلاب الأخير قد استفاد من التجارب السابقة، ما أمّن له النجاح، واستغل مدة غياب معاوية الذي كان سيأوي إلى إحدى السفارات في بلاده لو كان موجوداً، وفق ما صرح بعض المحليين السياسيين.<BR><BR><font color="#0000ff">قادة الانقلاب:</font><BR>استغرب البعض أن يكون قائد الانقلاب العسكري هو أحد المقربين من الرئيس الموريتاني السابق، وأحد ركائز حكمه الذي استمر مدة 21 عاماً. <BR>إذ إن العقيد اعلي ولد محمد فال، شارك في الانقلاب الذي قاده معاوية عام 1984م، للإطاحة بالرئيس السابق محمد خونه ولد هيداله، وتسلم منصب مدير الأمن الوطني. وهو أحد أهم المناصب الحساسة في الدولة.<BR>إلا أن قراءة الخطاب الذي أصدره "المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية" يشير إلى عدة نقاط، من أهمها: <BR>1- الإشارة إلى أن سياسة معاوية كانت تسير بطريق يهدد مستقبل موريتانيا، وهي إشارة -فيما يبدو- إلى السياسة الخارجية التي اتبعها معاوية في التقارب مع واشنطن وتل أبيب، والتي باتت تهدد الدولة من الداخل، ومن الخارج، خاصة بعد أن ساءت علاقتها بالدول المجاورة لها.<BR>2- إشارة الخطاب إلى "النظام الاستبدادي" الذي يتبعه الرئيس المخلوع في الحكم، وهي دلالة على الاستبداد المستمر الذي استمر طويلاً، دون أن يتمكن أحد من انتزاع السلطة منه انتخابياً أو عسكرياً، وهي إشارة ربما إلى عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية، وموافقة على الاتهامات السابقة بالتلاعب بأوراق الانتخابات من قبل الحكومة.<BR>3- الإشارة إلى المشاركة السياسية الكاملة لجميع الأحزاب والقوى في الداخل، وهي ربما تعني بالدرجة الأولى المعارضة الإسلامية التي حاول معاوية الطايع تهميشها قدر المستطاع، وتغييبها سياسياً واجتماعياً. بالإضافة إلى حركات المعارضة الأخرى والتي لا يتم السماح لها بأخذ دورها السياسي كاملاً.<BR>4- إشارة الخطاب إلى أن المجلس سيستمر مدة سنتين على أكبر تقدير، وهي رسالة واضحة بأن المجلس العسكري سوف يقوم بالإعداد لانتخابات رئاسية قادمة.<BR>5- الإشارة إلى أن المجلس العسكري سوف يحافظ على الاتفاقات الدولية التي وقعتها نواكشوط في عهد الرئيس المخلوع، في محاولة ربما لكسب ثقة معظم الدول التي أحجمت عن إعلان أي تصريح سياسي حول الانقلاب. إلا أن هذا التعهد يثير تساؤلاً حول مدى التزام المجلس بالاتفاقيات الموقعة مع الحكومة الأمريكية والإسرائيلية. وخاصة فيما يتعلق بالوجود الاستخباري، وتزويد تل أبيب بالنفط مطلع العام القادم.<BR><BR><BR><br>