تقسيم العراق أصبح واقعا.. وبقي التنفيذ !؟
13 رجب 1426

رغم أن نوايا قادة الشيعة والأكراد الانفصالية في العراق كانت ظاهرة للعيان منذ اليوم الأول لانهيار نظام صدام حسين واحتلال أمريكا للعراق، فقد كان المراهنون على وحدة العراق يعولون على الفيدرالية كحل لمشاكل هؤلاء الانفصاليين، خصوصاً الحزبين الكرديين في الشمال، وكان الاحتلال الأمريكي يرفضها بدوره؛ لأنه يخشى أن يقام دولة شيعية أخرى عراقية بجوار إيران وربما تتحالف معها مما يزيد الخطر على مصالحه في الخليج مستقبلاً.<BR>ولكن يبدو أن المناقشات حول الدستور العراقي، إضافة إلى تسرب أنباء عن إعداد أمريكا لهروب مبكر من العراق للخلاص من دوامة القتل التي تطال جنودها يوما بعد، كانت أكثر إفصاحا عن نوايا الانفصال ليس فقط بالأرض والثروة (النفط)، ولكن أيضاً بالانفصال عن العالم العربي، وعن الدين الإسلامي، وظلت قضايا الفيدرالية والانفصال، ومكانة الإسلام كمصدر للتشريع، وتقاسم الثروات الطبيعية هي محور المناقشات الوحيدة !.<BR>بل وأصبحت دعاوى الانفصال أكثر وضوحاً وصراحة وواقعاً بعدما بدأت المجموعات العرقية المختلفة تطالب بالانفصال أو على الأقل الحكم الذاتي الكامل، مثل: الأكراد، والشيعة، والآشوريون العراقيون المسيحيون، وغيرهم، وأطلق كل فريق محطات تلفزيونية خاصة وفضائيات تروج لهذا الانفصال بطرق ودعاوى شتي وتعتبره أمرا واقعاً !<BR>فمنذ عام 1992م والأكراد يطالبون بجعل العراق دولة فيدرالية (اتحادية) توفر لهم اكبر قدر من الحكم الذاتي لمحافظات الشمال التي ظلت تتمتع عمليا باستقلالية كاملة عن السلطة المركزية في بغداد منذ 1991م.<BR>وكان من الممكن استرضاء أو احتواء المطالب الكردية خاصة بعد تعيين كردي رئيساً لكل العراق، بيد أن (الزعيم الشيعي) عبدالعزيز الحكيم أجج مشاعر العرب السنة وغيرهم بالدعوة إلى إنشاء كيان وحكومة فيدرالية في المحافظات الوسطي والجنوبية التسع ذات الأغلبية الشيعية، ما يعني تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات طائفية هي: كيان شيعي في الوسط والجنوب، وعربي سني في الغرب، وكردي في الشمال.<BR>ويبدو أن مطالبة أكبر أغلبية في العراق (الأكراد والشيعة) بالانفصال شجع طوائف وأعراق أخرى على المطالب بالانفصال علنا وعدم الاكتفاء بالانفصال الضمني.<BR><BR><font color="#0000ff">عراق علماني لا إسلامي ولا عربي !!</font><BR>والأكثر خطورة أن الدعاوي الانفصالية لم تكتف بذلك، بل وطالبت بالانفصال عن الدين الإسلامي نفسه رغم أن الأكراد مسلمون، والانفصال عن العالم العربي لحد الخلاف حول تسمية اسم الدولة العراقية الجديدة في الدستور وتحديد طبيعة علاقتها مع العالم العربي.<BR>فالائتلاف العراقي الموحد (شيعي) الذي يشكل غالبية في البرلمان يطالب بأن يكون الإسلام المصدر الوحيد للتشريع في البلاد، ولكنه يطالب في الوقت نفسه بصبغ هذا بصبغة شيعية والنص في الدستور على دور للمرجعية الشيعية على الطريقة الإيرانية، بحيث يكون للمرشد الديني الشيعي (السيستاني) دور في التدخل في شؤون الحكومة تحت غطاء الإشارة إلى دور المرجعية الاجتماعي والديني.<BR>أما الأكراد والعلمانيون فيطالبون بوضوح ألا يكون الإسلام أحد مصادر التشريع رغم اعتباره الدين الرسمي للدولة، ووصل الأمر بمسعود بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) للقول: " إن أكراد العراق لن يقبلوا بفرض هوية إسلامية على العراق"، كما رفض الدعوات التي تطالب أن يكون العراق بالكامل جزءاً من الأمة العربية، معتبراً أن ذلك من حقوق الأكراد التي "لا مساومة عليها".<BR>وقال: "ليكن الجزء العربي من العراق جزءاً من الأمة العربية، ولكننا لسنا جزءاً من الأمة العربية". <BR>وفي هذا الصدد يطالب العرب السنة أن يكون اسم العراق هو (الجمهورية العراقية)، وأن ينص على أن العراق جزء من الأمة العربية، بينما الأكراد يريدون (الجمهورية العراقية الاتحادية)، أما الائتلاف الشيعي فيريد تبني اسم (الجمهورية الإسلامية الاتحادية في العراق) ! <BR>أيضاً يطالب الأكراد بنسبة 35 % من العائدات النفطية فيما يدعو الشيعة إلى توزيع العائدات على أساس عدد السكان في كل محافظة، كما يريد الأكراد جعل العربية والكردية لغتين رسميتين للعراق، بينما يصر الشيعة على اعتبار اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، واللغة الكردية لغة رسمية في إقليم كردستان فقط.<BR><BR>ولأن ممثلي السنة العرب الذين كانوا القوة المهيمنة في عهد (الرئيس السابق) صدام حسين، وكذلك ممثلو بعض الأقليات الأخرى والشيعة العلمانيون يعارضون فكرة صياغة دستور يسمح للشيعة بالجنوب بنوع من الحكم الذاتي الذي يتمتع به فعلياً الأكراد في الشمال حالياً، فقد كان من الطبيعي أن تصدمهم هذه التصريحات الانفصالية.<BR>حيث قال صالح مطلق (العضو السني في مجلس الحوار الوطني) معلقاً على مطالبة الشيعة بإقليم فيدرالي في الجنوب: "نتمنى ألا يأتي هذا اليوم. نحن نعتقد أن العرب في العراق بسنتهم وشيعتهم هم كيان واحد؛ لذلك فإن أي محاولة لإثارة موضوع طائفي لتقسيم العراق موضوع مرفوض كلياً"، فيما قال عبد الكريم هاني (الناطق الرسمي باسم المؤتمر التأسيسي العراقي): "إن هذا الطرح للأسف يؤدي إلى تمزيق العراق عرقياً وطائفياً ولا يخدم مصلحة البلد إطلاقاً".<BR>لكن رد الفعل السني قوبل بهجوم مفاده أن العرب السنة يخشون أن تنفصل المناطق الكردية والشيعة في الشمال والجنوب الغنية بالنفط، ويتحول السنة العرب إلى فقراء ولهذا يطالبون هم فقط بالوحدة !<BR><BR><font color="#0000ff">آشوريو العراق يطالبون بفيدرالية !</font><BR>ووسط هذا الارتباك، كان من المتوقع أن تبادر قوى طائفية أخرى لاستغلال الظرف والتعبير عن مطالبها.<BR>حيث طالب المؤتمر الآشوري العام الذي عقد في المدة من 5 - 7 أغسطس 2005م بفيدرالية آشورية في سهل نينوى وسائر مناطق وجود الآشوريين مع بقية المكونات القومية؛ العرب والأكراد والتركمان والأرمن والكلدان"، كما دعا إلى "حق العودة للمهجرين الآشوريين إلى قراهم ومساكنهم التي تركوها، وإدراج رمز آشوري تأريخي في العلم العراقي الجديد".<BR>والآشوريون العراقيون مسيحيون ويتحدثون الآرامية، وتشير تقديرات إلى أن ما بين مليون و1.5 مليون آشوري يعيشون في العراق معظمهم في مدينة سنجار قرب الموصل شمالي العراق.<BR>أيضاً دعا الأكراد الفيليون، وهم أكراد شيعة ينتشرون جنوب مدينة السليمانية مروراً بكركوك ومحافظة ديالى شمال العراق، بالاعتراف بحقوقهم.<BR>فيما طالب (الشبك) وهم جماعة تضم في صفوفها خليطاً من قوميات عربية وكردية وتركمانية، بالحفاظ على حقوقهم في الدستور الجديد، وعدم فرض الانتماء إلى القومية العربية عليهم، أو الكردية، حيث يتخوفون من الضغوط التي تمارسها أحزاب كردية لإجبار الشبك على الانتماء إلى القومية الكردية من أجل زيادة الرقعة الجغرافية للأكراد في محافظة الموصل، حيث يتم صرف مبلغ 350 ألف دينار (210 دولارات) كراتب شهري لكل شبكي يعلن عن رغبته في الانتماء إلى القومية الكردية.<BR>ويبلغ عدد سكان الشبك -ولغتهم التركمانية الآذرية- حسب إحصائية عام 1977 قرابة 80 ألف ويتركزون في الجانب الشرقي من الموصل، ويدين الشبك بمعتقد هو خليط من المذهب الجعفري والعقيدة البكتاشية، ولهم كتابان مقدسان هما "البويورق" أي (الأوامر) وهو بلغة تركمانية شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية.<BR>ترى إلى أين يذهب العراق؟ وهل أصبح التقسيم واقعاً، ويتحول في الدستور الجديد إلى أمر قانوني، بعدما جرى تنفيذه على الأرض بنشاط كبير منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق ؟ وأين العرب والجامعة العربية والقمة العربية من كل ذلك ؟!<BR><br>