النيجر.. الجفاف والجراد يحصد أرواح المسلمين فيها
30 رجب 1426

لا تزال دولة النيجر (ذات الأغلبية المسلمة) تعاني من المجاعة الشديدة التي ضربتها منذ بداية صيف عام 2005م، بعد أن توقف المطر عن الهطول لأوقات طويلة، ما ترك مئات الآلاف بدون غذاء أو ماء.<BR>وفي وقت تحاول فيه الجمعيات الخيرية وبعض المنظمات الدولية جمع تبرعات لتقديم معونات عاجلة للنيجر، يرتفع عدد الموتى كل هناك في كل دقيقة تمر، وتزداد هزالة ونحولة الأطفال، ويتساقطون أمام أعين والديهم، دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم.<BR><BR>تقع دولة النيجر في الجزء الغربي لقارة أفريقيا، يقطنها نحو 11 مليون نسمة، يتألفون من أغلبية مسلمة تصل إلى نسبة 98%، يعاني معظمهم من جوع شديد، ومحنة عظيمة، تتساقط أمامها المحاولات الهزيلة لدرء المجاعة، والتي لم تصل إلى الآن إلى المستوى المطلوب إسلامياً وعالمياً.<BR>فالمجاعة تضرب هذه الدولة منذ سنوات، وقد ارتفعت وتيرتها خلال العام الحالي، دون وجود عمل دولي أو إسلامي متكامل، يضمن تقديم معونات مشتركة وكافية لتغطية كافة المناطق التي تضربها المجاعة.<BR><BR><font color="#0000ff">معاناة لا حدود لها:</font><BR>بعد سنوات من شح الأمطار وتناقص حاد في المياه الجوفية، وقلة الموارد الاقتصادية للدولة، ضربت المجاعة معظم الأماكن في النيجر، حيث بات ملايين الناس يعيشون في مجاعة دائمة، باحثين عن أي نوع من أنواع الطعام، لتأمين أقل ما يمكن تأمينه من غذاء لهم ولأبنائهم.<BR>وتحدثت تقارير لمنظمات خيرية ووسائل إعلام عربية عن الأزمة الحادة هناك، حيث يصف تقرير خاص أعدته " جمعية العون المباشر " المتخصصة في العمل الإغاثي في أفريقيا؛ وضع المجاعة في النيجر بالقول: " إنهم يزاحمون الحيوانات في أكل أوراق الشجر .. أو تطبخها النساء لتغذية الأطفال الذين يموتون من شدة الجوع.. خاصة أوراق الشجر بوسيا وجيغا، فيقوم النسوة بقطف كمية كبيرة من هذه الأوراق تصل إلى خمسة عشر كيلو غرام لتكفي عشرة أفراد خلال يوم واحد ... كما شوهدت مجموعة من النساء يقومن بالحفر عن قرى النمل طيلة اليوم للحصول على كيلو واحد من مخزون هذه القرى من الحبوب التي لا تكفي لوجبة يوم لثلاثة أفراد من العائلة " ... <BR>ويشير تقرير آخر إلى أن الغذاء الوحيد قبل المجاعة الذي يستطيع النيجريون تحمّل نفقاته هو حبوب الثخن الذي يستهلكها الكثير من سكان العالم كغذاء لطيورهم المدللة، وقد يعد رديئاً حتى لها.<BR><BR>بالإضافة إلى الجوع الذي حصد أرواح الآلاف هناك، فإن الفقر يعد السمة الأكثر ملاصقة للنيجر، التي تعد الدولة قبل الأخيرة في سلّم تصنيف الدول حسب غناها وفقرها.<BR>إذ تحتل النيجر الرقم 173، من أصل 174 دولة عالمية، وهو رقم مفرع من حيث درجة الفقر، خاصة إذا علمنا أن المواد التي تمتلكها دولة النيجر لا تتعدى الزراعة بطرقها البدائية البسيطة، والتي تشير إلى عدم وجود إي صناعات أو تبادل تجاري مع دول أخرى.<BR><BR>الجوع والفقر وقلة المواد الطبيعية رسمت بصمات واضحة في حياة سكان النيجر، لا يمكن محوها بسهولة، إذ إن الجوع قد ترك مئات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء التغذية والتخلف والهزال (الضعف الشديد)، ما يؤثر ذلك على الجيل الجديد للبلد.<BR>فحسب التقارير الواردة من منظمات عاملة هناك، فإن المجاعة الأخيرة قد أثّرت في 800 ألف طفل، يعاني معظمهم من نقص حاد في التغذية.<BR>ومن هؤلاء الـ800 ألف يوجد أكثر من 150 ألف طفل منهم مصابين بسوء التغذية التي تبدأ أعراضها بضعف تام، وتنتهي بتوقف الرئتين والقلب ثم الموت أمام أعين الوالدين.<BR>كما يعاني نحو 150 ألف منهم بمرض الأنيميا، وسط عودة مرض الكوليرا إلى الدولة المسلمة، دون أن يكون هناك تدخل سريع أو فعال لوقف كل ذلك.<BR><BR><font color="#0000ff">أسباب الأزمة:</font><BR>فضلاً عن الجفاف الذي حل بالدولة المسلمة، والذي رافقها خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى توقف المطر عن الهطول منذ العام الماضي، فإن الجراد الذي اجتاح هذا العام دولاً إفريقية عديدة، قد أتى على المحاصيل الغذائية المتبقية للأهالي، والتي تمت زراعتها على ضفاف نهر النيجر.<BR>يقول مراسل قناة (الجزيرة) في تقرير له من دولة النيجر: " هناك أسباب ربما طارئة، وهناك أسباب _إن صح التعبير_ ثابتة بالنسبة للطارئة السنة الماضية كانت سنة جفاف في النيجر، وزاد الطين بِلة الجراد الذي غزا البلد وغزا المنطقة بأكملها، غزا جزء من السنغال وتشاد والنيجر وأتى في بعض المناطق على المحصول بأكمله بتمامه، فجفاف زائد جراد في النهاية كان هناك وضع إنساني جداً صعب، المخزونات ليس فيها طعام، وهي لا تكفي للعدد الهائل، هناك حوالي ثلاثة ملايين من الناس جوعى في هذا البلد، الأسباب الثابتة الفقر، التخلف في هذا البلد".<BR>مشيراً إلى أنه وفضلاً عن الفقر والجفاف والجراد، فإن التخلف يعد من أكبر الأسباب التي تودي بحياة الناس جوعاً وعطشاً.<BR>إذ يضم النيجر نهراً عظيماً اسمه "نهر النيجر العظيم" وقد يستغرب البعض وجود مجاعة مع وجود هذا النهر، إلا أن الواقع هناك يفضح عدم وجود أي سدود فيه، عدا عن بعض الحواجز المائية البسيطة، فمجرد أن يكون هناك موسم بلا أمطار، فإن الجفاف يضرب البلد على الفور.<BR><BR>كما أن الوسائل الزراعية في البلاد لا تزال بسيطة ومتخلفة، ولا يتم الاستفادة من أي تكنولوجيات حديثة في الزراعة، كما لا يستفاد من النهر الموجود في البلاد بشكل جيد، وهو ربما ما يشير إلى إمكانية فتح آفاق جديدة هناك للمجمعيات الخيرية، عبر إقامة مشاريع زراعية متطورة، بدل مد يد العون خلال المجاعات.<BR>إذ لا تنقل وسائل الإعلام صور تلك المدينة إلا عندما يكون المئات منهم قد مات جوعاً، وهو الحال الذي وصفه يان إيجلند (رئيس وكالة الأمم المتحدة للإغاثة) ببراعة حينما قال: "إن العالم قد استيقظ، ولكن بعد أن رأى صوراً لأطفال النيجر يموتون جوعاً".<BR><BR><font color="#0000ff">مساعدات لا تكفي:</font><BR>وسط محاصرة أعمال بعض الجمعيات الخيرية، وعدم تحرك الكثير من الدول لمساعدة النيجر، ووجود أزمات أخرى في العالم، تضائل حجم المعونات المقدمة إلى الدولة المنكوبة.<BR>فمع بداية حدوث الكارثة (والتي تم الكشف عنها بعد مرور أشهر طويلة على الجوع والموت هناك) قدّرت الأمم المتحدة حاجتها لسد النقص الغذائي في النيجر بـ80 مليون دولار، طالبة من دول العالم تقديم تبرعاتها. إلا أنها لم تحصل حتى الآن على أكثر من نصف المبلغ (40 مليون دولار) وسط تزايد الأزمة وتفاقمها، ما يعني زيادة الحاجة لوجود معونات أخرى.<BR>بعض دول العالم تحركت نحو تقديم المساعدات بشكل فردي، عبر إرسال شحنات من المواد الغذائية إلى هناك، كماليزيا التي أرسلت في البداية بعثة خاصة بتقييم الوضع هناك، قبل أن تقدم مساعدات غذائية انحصرت في العاصمة نيامي، وقدّرت بنحو 500 ألف دولار.<BR><BR>كما أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة شحنات غذائية وطبية إلى هناك، وفتحت أرقام حسابات لتبرع الأهالي لصالح المنكوبين هناك. <BR>وقدمت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في السعودية، والتابعة لرابطة العالم الإسلامي؛ مساعدات إغاثية عاجلة للنيجر.<BR>وأوضح (الأمين العام للهيئة) الدكتور عدنان خليل باشا أن الهيئة أرسلت وفدها لتقديم مساعدات عاجلة للمتضررين، وقام بتنفيذ حملة إغاثة عاجلة استفاد منها أكثر من 10 آلاف أسرة، داعياً أهل الخير والمحسنين من أبناء البلاد لتقديم تبرعاتهم لمساعدة إخوانهم في النيجر.<BR>وكذلك قامت بعض الدول العربية والإسلامية والعالمية الأخرى.<BR>إلا أن ما وصل حتى الآن لا يكفي إلى الحد من الكارثة الإنسانية هناك، ولا تزال النيجر تعاني من الجوع والعطش، بانتظار المزيد من المساعدات الإنسانية والخيرية لها.<BR><br>