تمرير الدستور العراقي على أنقاض تلعفر
12 شعبان 1426

ماذا يجري في (تلعفر) المدينة العراقية التي تقع قرب الحدود السورية على يد قوات الاحتلال الأمريكية ووحدات الجيش العراقي الموالية لها؟ وهل ما يجري هناك له علاقة بالهجوم السابق على مدينة (الفلوجة) التي تم تسويتها بالأرض، وما يقوله قادة السلطة العراقية الموالين للاحتلال من الانتقال – بعد تل عفر – إلى عدة مدن سنية أخرى مثل الأنبار ونينوي وصلاح الدين؟ وما علاقة كل هذه الهجمات وتوقيتها الغريب مع قرب الاستفتاء على الدستور العراقي الطائفي في 10 أكتوبر المقبل؟<BR><BR>القضية باختصار - وكي لا يجهد القارئ نفسه - تتلخص في محاولة القوى الطائفية العراقية خاصة القوى الكردية في الشمال وبعض زعماء الشيعة استصدار الدستور العراقي بأي شكل ولو على حساب دماء المسلمين السنة المعارضين للدستور في تل عفر أو الأنبار أو غيرها.<BR>فإحدى مواد قانون إدارة الدولة المؤقت في العراق المسمى "قانون بريمر" -الحاكم العسكري الأمريكي السابق- تنص على أنه إذا صوت ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات من بين 18 محافظة عراقية ضد الدستور في استفتاء أكتوبر المقبل، فلن يمكن إقراره، وستتم الدعوة مجدداً لانتخاب برلمان مؤقت (جمعية وطنية) جديدة تتولى إعداد دستور جديد، واختيار حكومة جديدة.<BR><BR>وإذا علمنا أن هناك حوالي سبع محافظات عراقية ذات غالبية سنية (من 18 محافظة)، فسيتضح أن مسألة رفض الدستور نظرياً محسومة، خاصة أن هناك حملة ساخنة من جانب القوى السياسية السنية، مثل هيئة علماء المسلمين لحث السنة على المشاركة بقوة في الاستفتاء القادم لرفض الدستور والحفاظ على وحدة العراق وعدم المقاطعة كما كان يحدث سابقاً مما سهل لهذه القوى الموالية للاحتلال في الماضي تمرير قوانين عديدة.<BR>وقد سألت صحفياً عراقياً مطلعاً على الأوضاع عن سر إصرار الشيعة والأكراد على تمرير مسودة الدستور العراقي رغم ما بها من عيوب والإصرار على تجاهل مطالب السنة رغم أنهم يعلمون أن السنة سيعترضون على الدستور وسيؤدي هذا لتعطيل العملية السياسية في العراق، والعودة مرة أخرى إلى مرحلة كتابة دستور جديد، فقال: إن هناك تفسيرين لذلك:<BR><BR><font color="#0000ff">التفسير الأول:</font><BR>ربما يكون توقع قادة الاحتلال وفصائل الشيعة والأكراد استمرار عزوف السنة العرب عن التصويت في الانتخابات كما حدث في انتخابات سابقة عندما تم سحق مدينة الفلوجة السنية وقتل غالبية أهلها السنة فقاطع السنة الانتخابات ومرر الموالون للاحتلال ما أرادوه، يضاف إليه نوع من التجاهل لهم واعتبار ألا تأثير حقيقياً لهم في الساحة، ولهذا غامروا بتجاهل مطالب السنة، وأصروا على الدستور بوضعه الحالي.<BR><BR><font color="#0000ff">أما التفسير الثاني:</font><BR> الأخطر فربما يتمثل في التلاعب في نتائج استفتاء منتصف أكتوبر بالتعاون مع قوات الاحتلال، سواء بالقيام بعمليات اجتياح للمدن ذات الأغلبية السنية بزعم مطاردة إرهابيين بهدف دفع السنة لمقاطعة الاستفتاء على الدستور احتجاجاً على ما جرى لهم، أو القيام بحملة اعتقالات وقتل انتقامية خلال هذه الاجتياحات عبر بعض التنظيمات والميليشيات الشيعية والكردية وتفريغ المحافظات السنية من سكانها، والتزوير على نطاق واسع لنتائج الاستفتاء من خلال سيناريو تهجير السنة.<BR>وقد ألمح لهذا السيناريو حسين الفلوجى (عضو البرلمان السني) عندما قال لرويترز عقب موافقة البرلمان المؤقت على مسودة الدستور قائلاً: "إذا لم يحدث تلاعب في النتائج فأعتقد أن الشعب سيقول: لا للدستور الأمريكي"، ما يؤكد توقع السنة لهذا التلاعب.<BR>ويبدو أن هذا السيناريو هو بالضبط ما بدأته قوات الاحتلال الأمريكية ومعاونيها العراقيين في مدينة تل عفر بعشرة آلاف جندي أمريكي وعراقي – على غرار الفلوجة سابقاً – وما هدد وزير الدفاع العراقي باستكمال في باقي محافظات السنة؛ لأنهم يعرفون أن للسنة في محافظات نينوي وصلاح الدين والأنبار أغلبية مريحة، ودفعهم لمقاطعة التصويت أو الحيلولة دون وصول تجمعات كبيرة منهم إلى صناديق الاقتراع (عبر الحملة العسكرية) سيكون مفيداً لمن لايود إسقاط مشروع‏ الدستور أي الاحتلال والأكراد والشيعة!!<BR><BR><font color="#0000ff">الدستور بدماء تلعفر!</font><BR>القصة بالتالي تتلخص في السعي لتمرير الدستور الانفصالي بأي ثمن ولو على حساب دماء سكان تلعفر والأنبار من السنة العرب، تماماً كما فعلوا عند الهجوم على الفلوجة في نوفمبر الماضي 2004م وكان هذا أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت السنة العراقيين -خاصة الحزب الإسلامي- إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية في يناير 2005م؛ ما أدى إلى إقصائهم عن المشاركة في العملية السياسية بشكل كبير وإفساح المجال أمام القوى الموالية للاحتلال في تمرير ما تراه من قرارات وقوانين!<BR>فتدمير الفلوجة - أحد معاقل السنة - كان من الأسباب القوية التي جعلتهم يتمسكون برفضهم المشاركة في انتخابات يناير الماضي، ولا يوجد ما يمنع من اتخاذ موقف مماثل بالمقاطعة هذه المرة أيضاً‏ احتجاجاً على مذابح تلعفر، كما أن تهجير عشرات الآلاف من سكان المدن السنية وتدمير البنية التحتية والمنشآت الإدارية والخدمية فيها سيمثل عائقاً ضخماً يمنع الكثيرين من الإدلاء بأصواتهم حتى إذا أرادوا‏ ما يسهل عملية تزوير الانتخابات.<BR>وربما لهذا أكد عدنان الدليمي (الأمين العام لمؤتمر أهل السنة في العراق) بوضوح أن هجمات قوات الاحتلال الأمريكي والقوات الحكومية العراقية على المدن السنية هدفها عرقلة مشاركة السنة العرب في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي، وقال: "إننا سنشارك ولو أُمطرنا بالقنابل، ولو دُمرت بيوتنا بالقصف، ولو هجروا إخواننا من مدنهم، واستمروا باعتقالهم"، و"إننا مصممون على المشاركة في الانتخابات حتى آخر سني؛ لننقذ العراق من التدهور، ولنوقف دماره ونزيف دمائه"!؟<BR>فقد استشعر أهل السنة أن هناك مخططاً عسكرياً أمريكياً واضحاً لضرب السنة في مناطق تمركزهم بحيث لا ينجحوا في الاعتراض على الدستور في ثلاثة من المدن التي يتمركزون خاصة أن الجيش الأمريكي أعلن عن شن عملية عسكرية أخري تسمي "الزوبعة" 11-9-2005م في مدينة الرطبة وسط محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية غرب العراق؛ بزعم البحث عن عناصر من تنظيم القاعدة، كما أعلن وزير الدفاع العراقي عن استعدادات لمهاجمة 4 مدن سنية شمال غرب البلاد - بعد الانتهاء من الهجوم على تلعفر- بهدف القضاء على من وصفهم بالإرهابيين، وقال: هذه المدن هي سامراء والقائم والرمادي وراوة.<BR>ولهذا أيضاً وصف السنة العملية العسكرية المشتركة على مدينة تلعفر (450 كم شمال بغداد) بحجة وجود مسلحين متحصنين بالمدينة بأنها "تصفية مذهبية تستهدف سكان الطائفة السنية" ودعوا الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والجامعة العربية والمنظمات الإنسانية بالعالم إلى التدخل لوقف ما يجري في تلعفر.<BR>ومعروف أنه لو نجح تمرير الدستور العراقي الطائفي على شاكلته الحالية التي تهدد هوية العراق العربية والإسلامية ووحدة أراضيه، فسوف يتم إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر 2005م عقب الاستفتاء على مشروع الدستور الدائم في منتصف أكتوبر 2005م، وفي هذه الحالة سوف يتم خلق واقع سياسي جديد في العراق يحظي فيه الأكراد والشيعة بالسيطرة على مقاليد الحكم في العراق في حين يتم إقصاء السنة عن الحكم والجيش.<BR><font color="#0000ff">لماذا الهجوم على "تلعفر"؟</font><BR>الملاحظة الأولى الجديرة بالانتباه بخصوص هجوم مدينة تلعفر تحديداً هي كذب قوات الاحتلال الأمريكية بادعاء أنها مدينة حدودية، ولهذا سيتم إغلاق الحدود مع سوريا لمنع هرب المقاتلين منها إلى سوريا رغم أن المدينة على الخريطة تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود، وربما يكون السبب هو إيجاد مبرر للهجمات بادعاء وجود إرهابيين فيها، وفي نفس الوقت توفير مبرر لاستمرار الضغط على سوريا.<BR>أما سبب اختيار تلعفر شمال غرب الموصل لبدء حملة هجوم عسكرية أمريكية شاملة عليها وعلي مدن السنة الأخرى التي تنطلق منها المقاومة العراقية فيرجع إلى أسباب عديدة تتعلق بالخلافات العرقية هناك من جهة والسمعة التاريخية للمدنية كمدينة مقاومة منذ أن وقف أهلها ضد الاحتلال البريطاني في القرن الماضي.<BR>فقد انطلقت شرارة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني عام 1920م من تلعفر، مما اضطر الاحتلال البريطاني حينئذ لتشريد أهل تلعفر في الصحراء، كما أن وجود بعض الفصائل العراقية الموالية للاحتلال التي تعارض المقاومة العراقية له دور في تبكير الهجوم عليها.<BR>وقد دفع هذا مقاومة تلعفر لمناشدة المسلمين الدعاء لكسر (الحملة الصليبية) على مدينتهم، والدعاء بالنصر للمقاومة وبتجنيب المدينة وأهلها الدمار، ما دفع قرابة 300 مسجد لأهل السنة في الأنبار وبغداد والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك والبصرة للدعاء – وفق موقع البصرة العراقي - وحضور صلاة في المساجد للدعاء لنصرة عناصر المقاومة في تلعفر.<BR>فهل تنجح خطط الاحتلال وأعوانه في ضرب أهالي تلعفر وباقي المدن السنية الأخرى وتهجيرهم بهدف إغضاب السنة ودفعهم دفعاً لمقاطعة الاستفتاء على الدستور كما فعلوا في نوفمبر 2004م عندما قاطعوا الانتخابات احتجاجاً على ضرب الفلوجة؟ وهل إصرار السنة على المشاركة حتى لو تم إمطارهم بالقنابل كما قال زعمائهم سينجح في إسقاط ثلاثة مدن سنية – على الأقل – للدستور العراقي من خلال التصويت بالرفض أم أن عمليات القصف والتهجير والقتل والتشريد لسكان هذه المدن سينجح في إضعاف تصويت السنة ضد الدستور وترجيح كفة المؤيدين للدستور؟<BR>وهل يأتي الدستور على حساب دماء سكان تلعفر وباقي المدن ذات الأغلبية السنية الأخرى؟! <BR><BR><br>