السعودية بعد 4 سنوات من سبتمبر
21 شعبان 1426

لم تعد صورة العلاقات الدولية بعد مرور أربع سنوات على هجمات الثلاثاء الأسود مثلما كانت عليه قبلها فلقد تلاحقت إفرازات الحدث حتى طالت كل أركان الكوكب، حرب على أفغانستان زادت من معاناة أهل هذا البلد المنهك أصلا جراء عقود طويلة من الصراع بين أبنائه تارة وضد محتل أجنبي غاصب تارة أخرى؛ ثم حرب على العراق المختنق قبلها بعقوبات قيل أنها أممية منذ المغامرة التي أقدم عليها نظام صدام حسين بغزوه للجارة الكويت وتشريد أهلها، وهذا ما أسفر تشريداً للعراقيين وقبل ذلك تغيراً جوهرياً في الذهنية التي ظلت تسود كامل المنطقة منذ قرون لينتج عداء ربما لن نجازف كثيراً حينما نقول: إنه لن يُنسى على الأمد المنظور. وسط كل هذا، تمثل المملكة العربية السعودية نقطة محورية في داخل الصراعات الدولية المعاصرة بكل ما للمملكة من ثقل يتعدى مجرد المفصلية الاقتصادية العالمية ليصل حد التأثير المباشر على حياة ما يناهز المليار وثلث المليار من البشر بما لأرض الحرمين من دلالة دينية في قلب كل مسلم ومن ثمة في عقل كل إنسان. في هذا الإطار، خصصت فصلية "واشنطن كوارترلي" المتخصصة في واقع ومستقبل العلاقات الجيوسياسية في عددها الأخير محورا كاملا للواقع السياسي والاقتصادي ثم للدور الذي من المتوقع أن تلعبه الرياض في مستقبل العلاقات الدولية التي لم تعد على نفس تلك الحالة من الهدوء المستتر قبل أن يقع ما وقع في نيويورك وواشنطن ذات صباح هادئ حينما لم يكن العالم ينتظر أن الدنيا بحالها سوف تضبط منذ ذلك اليوم ساعتها على تاريخ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. <FONT color=#0000ff>واقع الإسلام في أمريكا:</FONT> الفصل الأول من هذه الدراسة المستفيضة كتبه الدكتور جنيف إبدو (الباحث بمعهد جوان. بي. كروك بجامعة "نوتردام) ابتدأه بالاجتماع الذي أجراه (الرئيس الأمريكي) جورج بوش بعد شهر من وقوع تلك الهجمات مع ممثلي الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة وهو الاجتماع الذي أعرب فيه الشيخ حمزة يوسف لنازل البيت الأبيض على ضرورة التفريق بين المسلمين وبين أولئك المناضلين الذين يفترض أنهم هم الذين أقدموا على القيام بتلك الهجمات، ولقد ذكر صاحب البحث الأول أن الشيخ حمزة -الذي وصفه بأنه "أحد أكثر الأئمة نفوذا في أمريكا والذين يملكون تأثيرا واسعا وعددا كبيرا من المناصرين وسط الشباب المسلم في الولايات المتحدة"- قام بإخراج غصن زيتون "للدلالة على أن الإسلام دين سلام" ثم ينتقل إلى ذلك الاجتماع الثاني الذي جمع نفس الرئيس برموز المسلمين في أمريكا في الإفطار الأول لشهر رمضان الكريم بعد ذلك بنحو أسبوعين وهي المناسبة التي قال عنها الأستاذ الباحث: "في الوقت الذي كان يوسف يتناول الإفطار الذي هو الوجبة اليومية التي يقطع بها المسلمون صيامهم عند غروب الشمس، كان رجال الإف بي آي بصدد استجواب زوجته في مقر سكناه بسان فرانسيسكو". إن الود الذي كان أبرز سمات العلاقة التي جمعت الرئيس بوش بممثلي المسلمين في الولايات المتحدة في البداية لم تستمر على نفس هذا النحو بتطور الوقت وظهور معتقل غوانتانامو ثم الحرب على العراق وانفجار فضيحة سجن أبي غريب ومن بعده تداول وسائل الإعلام العالمية قضية قيام الجنود الأمريكان بتدنيس المصحف الشريف زيادة على اعتماد قانون "الوطنية" -الباتريوت آكت- الذي قال عنه هذا الكاتب بأنه حرم العديد من المسلمين من أن يحصلوا على تأشيرة الدخول إلى التراب الأمريكي وكل هذه العوامل مجتمعة أدت بحسب صاحب البحث إلى توتر العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي على وجه العموم من غير أن ينسى الإشارة إلى تلك التصريحات التي كان القادة الأمريكان يدلون بها في الكنائس والتجمعات والتي جاءت معادية للإسلام بشكل ألهب مشاعر المسلمين وزاد من حساسيتهم تجاه الولايات المتحدة، بحسب الكاتب، مما أدى إلى ازدياد سقوط في العلاقة بين الطرفين، أمريكا والعالم الإسلامي، بشكل وصفه الدكتور إبدو بأنه "غير مسبوق". هذه التطورات العدائية يقول عنها البحث بأنها صارت تحث المسلمين على الانتظام لأجل المطالبة بمزيد من الاحترام لحرياتهم الدستورية كحق أداء الشعائر الدينية وفتح المصليات في المدارس إلى جانب التوقف عن الدراسة خلال صلاة الجمعة ثم إنهم، كما يرد في النص، صاروا يعمدون إلى الإضراب حينما يرون بأن حقوقهم اغتصبت. في هذا الصدد، يلاحظ الكاتب بأن الجيل الشاب من المسلمين في أمريكا والذي يتشكل من أولئك الذين ولدوا هناك، صار أكثر حرصا على التمايز عن باقي فئات الشعب الأمريكي فهم، حسب نص البحث، صاروا أكثر اعتناء بالمظاهر التي تحدد انتماءهم والفتيات صرن على خلاف أمهاتهن، يلبسن الحجاب في تعبير واضح عن هذه النزعة الجديدة التي أنتجتها العداوات التلقائية كأهم إفراز أوجدته التطورات الناجمة عن هجمات أيلول. يستشهد الكاتب هنا أيضا بدراسة أجراها أستاذ آخر من جامعة كونتيوكي هو "إحسان باغبي" يتحدث فيها عن الدور المتعاظم للمساجد في أمريكا وازدياد عدد روادها من الجيل الشاب أيضا فهو يقول عنها أنها صارت تمثل مركزا للقاء بقية المسلمين وللحصول على ثقافة إسلامية بخلاف الدور الذي كان آباؤهم وحتى باقي المسلمين في باقي العالم الإسلامي يرونه في المساجد بأن هذه الأخيرة لا تعدو أن تكون أماكن أداء العبادات زيادة على أن الكاتب يقول بأن هؤلاء الشباب وبغية الحصول على هوية "جديدة" يقومون بدراسة القرآن والسنة وهي الكلمات التي تفعل مفعولها في عقل أمثال هذا الباحث الدكتور وفي الأخير يتساءل عن الهدف الذي يصبو شباب الجيل الثاني من المسلمين هناك إن كانوا يريدون الاندماج في المجتمع الأمريكي أم يريدون التميز عنه وهذه الأخيرة هي النتيجة التي يصل مشددا على أن إستراتيجية التصعيد التي تنتهجها إدارة الرئيس بوش حاليا هي في الواقع من يقف وراء الاتساع اليومي للهوة الفاصلة بين المسلمين من جهة وبين باقي الإثنيات والملل التي تشكل الفسيفساء الاجتماعي في الولايات المتحدة بعد أيلول/سبتمبر. <FONT color=#0000ff>أسس العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة</FONT> الدراسة الثانية التي جاءت بها الفصلية تتناول بطريقة تحليلية أساسات العلاقات التي كانت قوية دائما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة العربية السعودية والتي تقول عنها كاتبتها راشل برونسون (مديرة الدراسات الشرق أوسطية بمجلس العلاقات الخارجية) بأنها لم تكن كذلك لمجرد أن الرياض هي قطب اقتصادي بالنظر للموارد الضخمة التي تملكها من النفط، ولكن تلك العلاقة كانت من جانب آخر ذات أبعاد جيوستراتيجية ارتكزت بداية على التعاون الوثيق بين الدولتين في سبيل الحد من التوسع الشيوعي لأجل دوافع أيديولوجية لدى الأمريكان وأخرى دينية من قبل السعوديين بما للمملكة من ثقل على هذا الصعيد بحيث هي وجهة ربع عدد البشر ولقد استشهدت الكاتبة هنا بأساس توجهات واشنطن منذ الخمسينات حيث قالت أن الأمريكيين كانوا دائما يستحضرون ما قاله المؤرخ برنارد لويس: "المسلمون الأتقياء لن يتسامحوا كثيرا مع الملحدين" ومن هنا تشدد هذه المؤرخة -صاحبة كتاب "أكثر عمقا من النفط: الولايات المتحدة والمملكة السعودية: تاريخ" الذي سيصدر عن مطبوعات جامعة أكسفورد خلال الشتاء القادم (2006)- على عمق الصلة بين العاصمتين وقدرتهما معا على تغيير معطيات كثيرة لعل أهمها برأي الكاتبة، ستكون مراجعة دور الدين في واقع العلاقات الدولية. تبدو الكاتبة من جهة أخرى أيضا، مطمئنة على مستقبل العلاقات الثنائية بين الدولتين لأن المملكة برأيها، قادرة على أن تتصدى للخطر الذي تمثله الجماعات "الإرهابية" وهي تستخلص هذا من مواقف بعض الشخصيات كالأمير تركي الفيصل الذي تقول: إن تعيينه على رأس السفارة في واشنطن يعني حرصا من قبل الرياض على الذهاب بالمجهود العالمي في محاربة "الإرهاب" إلى أبعد الحدود بما أن الأمير تركي كان ولمدة طويلة المسؤول الأول عن الاستخبارات السعودية بما يعني أنه يملك أدوات لا يملكها غيره، وبالتالي قدرته على تقديم مساعدات حيوية في هذا الواقع العالمي الجديد. <FONT color=#0000ff>هل المملكة هي المرجعية الوحيدة للقاعدة؟</FONT> هذا هو محور ما تدور عليه الفكرة التي كُتب الفصل الثالث من الملف عنها وذلك بقلم الصحفي جون. آر. بريدلي صاحب كتاب " استعراض العربية السعودية: في داخل مملكة متأزمة" الصادر خلال العام الجاري عن منشورات "بالغريف ماكميلن" في نيويورك ولقد جاء الفصل تحت عنوان "القاعدة وآل سعود: عدوان أزليان أم حليفان سريان؟" مبتدئاً سلسلة الاتهامات التي يبني عليها مداخلته بأن المملكة التي استضافت في شباط/فبراير الماضي ندوة دولية "لمحاربة الإرهاب" فعلت هذا الأمر بعد أقل من عامين من وقوع أول عملية للقاعدة على أراضيها ويتعلق الأمر هنا، حسب الكاتب، بذلك الهجوم الذي وقع في الرياض وأدى إلى مقتل 34 شخصاً من بينهم تسعة أمريكيين وكان بمثابة شارة انطلاق لتعاون وثيق بين الإدارة الأمريكية والقيادة السعودية بما أن المملكة صارت وفق هذا الصحفي الذي عمل لسنتين اثنتين مراسلا من جدة لعدد كبير من الصحف أبرزها "ذي إيكونوميست" و"الواشنطن تايمز" و"لندن صاندي تايمز" وغيرها، تمثل المعيار الذي بمقدور أمريكا أن تقيس وفقه تطور الحرب على القاعدة إذ يتحدد بملاحظته مصير ما يسمى حاليا بالحرب العالمية على الإرهاب على الرغم من أن هذا المصطلح الأخير صار يستعمل للدلالة على توجهات سياسية أكثر منها أمنية بسبب الخلط الواضح في مدلولاته وتعمد الاتفاق على إعطائه معنى أمميا موحدا. من هنا يشدد الكاتب على الدور الذي ما زالت تلعبه المؤسسات الرسمية في المملكة في انتشار الفكر المتطرف من خلال زعم الكاتب بأن المملكة تصر على اعتماد خط "وهابي" يقول عنه بأنه يعطي نظرة متشددة عن الإسلام ومن ثمة يستطيع أسامة بن لادن وأتباعه أن يجدوا لأعمالهم مبررات مقبولة لدى الجماهير ويظهر الدعم الرسمي على حسب هذا الصحفي، صاحب العمود الأسبوعي عن قضايا الشرق الأوسط في "الستريتس تايمز"، في تلك الجمعيات الخيرية التي يقول بأنها تقف وراء الدعم المالي لتنظيم القاعدة وهذا ما يظهر وفق نص الموضوع في قوله بأن الحكومة الأمريكية أعربت خلال شهر تموز/يوليو الأخير عن انشغالها بأن بعض أثرياء المملكة ما زالوا يمثلون "موردا هاما بالنسبة للإرهابيين الإسلاميين". في ذات السياق، يورد الكاتب مثالا يريد به تعزيز فرضيته القائلة بأن القيادة السعودية تعتبر تنظيم القاعدة ورقة ضغط فهي تحاربه من جهة وتمسك من جهة أخرى بخيوط اللعبة وكشاهد على هذا يسوق صاحب المقال مثالا واهنا لا يصلح حتى لأن يكون قرينة إلا أنه يرى فيه علامة ترابط وثيق بين هذه وتلك وملخصه أن الشيخ عبد الله عبيد الذي كان على رأس إحدى منظمات الإغاثة هو الآن يشرف على وزارة التربية السعودية، وكان قبل ذلك مسؤولاً عن رابطة العالم الإسلامي التي يعدها الكاتب الإطار المرجعي لكل تلك الجمعيات التي تمول "الإرهابيين". <FONT color=#0000ff>جدية الإصلاح</FONT> الفصل الأخير من هذا المحور الذي أعدته الدورية في عدد الخريف الحالي يدور أساسا حول رهانات الإصلاح ولقد جاء في لهجة لا تخلو من أحكام مسبقة ترفض الاعتراف بوجود نيات حقيقية في الإصلاح بالمملكة العربية السعودية، ولقد كان كاتب المقال هذه المرة هو الدكتور "غوين أوكروهليك" الذي هو أستاذ بجامعة تكساس إلى جانب أنه باحث زائر لكلية الدراسات السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت وهو مثلما قلنا يخلص مباشرة إلى النتيجة حينما قرر أن يجعل عنوان مساهمته "سخرية الإصلاح" مع ذكر كلمة الإصلاح هكذا بالعربية في قالب ينتقص من الفكرة من أساسها كما هو واضح. الغريب في هذا الفصل أن صاحبه اعتمد في بناء فكرته على رأي معارضين سعوديين يقول: إنهم شاركوه العمل بفطنة كبيرة وبعد نظر وما إلى ذلك ولقد كانت كتابته مليئة بالإدعاءات التي لا ينبغي لباحث أكاديمي في مثل مستواه أن يقع فيها أو على الأقل، أن يبني عليها كل مساهمته فهو مثلا يطرح تساؤلا غير بريء يقول فيه: "ما الذي سيحدث حينما تعود تلك الألوف من الجهاديين السعوديين الموجودين في العراق حاليا؟" وهو إلى جانب ذلك يقسم المجتمع السعودي المحافظ إلى طبقات كثيرة يقول بأن أكبرها هي تلك الفئة "الصامتة" التي ليست راضية عن الواقع وغير راضية عن وضعية المرأة السعودية و.. وكل تلك الأمور التي لسنا مضطرين لتكرارها بما أنها صارت نغمة موحدة نسمعها صباح مساء. <br>