مستقبل اتحاد المغرب العربي.. قضية أمريكية
25 شعبان 1426

<P><FONT size=3>&nbsp;</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;</FONT></P><BR><P><BR><FONT size=3>إذا كان المسلّم به اليوم على الصعيد العالمي هو التوجه نحو التكتل ضمن فضاءات اقتصادية بحتة لم تعد لها من أيديولوجيا غير أيديولوجيا المال، فإن المنطقة العربية، على الرغم من تمتعها بموقع جيوستراتيجي حيوي يتوسط العالم ويجعل في إمكان كل دوله مسايرة التطورات ومواكبة حركة الأموال والأفكار فإن الحقيقة هي مع الأسف عكس هذا تماماً إذ </FONT></P><BR><P><FONT size=3>إن هذه المعطيات التي بدل أن تكون مزية صارت بفضل السياسات العرجاء التي تنتهجها المجموعة العربية نقمة تجلب المزيد من الأطماع والطامعين مع كل حدث عالمي ذي بال.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>لكي لا نبتعد كثيرا عن صلب موضوعنا سوف نكون الآن مضطرين إلى الاختصار الشديد مكتفين بتعقب حالة مفردة من الواقع العربي العام نحاول ملاحظتها بشيء من الموضوعية بعيدا عن كل النعرات العصبية المقيتة التي لم تسلم منها الكتابات التي أعدت بخصوصها قبل اليوم ونعني هنا مشكلة الصحراء الغربية وتأثيرها على مسار اتحاد المغرب العربي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>لو أتيح لأي كان القراءة في مظاهر هذه الأزمة لوجد أنها في الجزائر تعود إلى "الموقف المستبد الذي تبديه السلطات المغربية ورفضها للتعاون مع الشرعية الدولية" وفي الجانب الآخر، أي على اللسان المغربي: "الموقف العدائي للسلطات الجزائري وسعيها في سبيل انشطار الوحدة الترابية للملكة" وهي خطابات، كما يرى القارئ، توضح لنا أن المشكلة لا تتعلق بموضوع الأزمة بقدر ما تتعلق بالموقف الابتدائي لكل طرف ضد الآخر بما يعني أنها محل مزايدة في المغرب تقاس حسبها درجة الولاء للقصر وهي تملك ذات التأثير في الجزائر، حيث لا يحق لأي كان أن يقول رأيا لا يتماشى مع التوجه العام للدولة، ولعل ما حدث للواء المتقاعد خالد نزار (وزير الدفاع الجزائري الأسبق) لخير دليل على ذلك فالرجل حينما صرح مؤخرا بأنه لا يرى أية ضرورة لوجود دولة جديدة بجوار الجزائر وجد نفسه محل هجوم مركز من قبل مختلف الامتدادات الإعلامية للسلطة عندنا بالرغم من أنه لم يقل سوى ما يراه أنسب لبلاده زيادة على أن هذا لم يكن مسموحا له القول به خلال مدة خدمته بما يعني أن المشكلة في أساسها هي مشكلة نخب متعادية بين الدولتين لا أكثر ومن هنا كان واجبا أن يقع تطور من خارج ذلك الإطار التقليدي الذي ظل يحيط بالقضية حتى يقع ما يمكننا اعتباره منعرجا قد يساهم في تجاوز تلك التراكمات التي تعيق اكتمال البناء المغاربي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3><FONT color=#0000ff>تحرير الأسرى يخرج القضية من حيزها الجغرافي:<BR></FONT>جاء التطور الذي طال أمد انتظاره هذه المرة بالموازاة مع الوساطة الأمريكية في قضية تحرير آخر دفعة للأسرى المغاربة لدى جبهة البوليساريو يوم التاسع عشر من شهر أغسطس الماضي حينما حطت الطائرة الضخمة التي كانت تنقل هؤلاء الأربعمئة وأربعة أسير على مدرج مطار أغادير المغربي قادمة من منطقة تندوف الجزائرية.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>هؤلاء الجنود الذي يعدون أقدم أسرى حرب في العالم إذ إن البعض منهم كان قد جرى توقيفه قبل أكثر من عشرين عاما، ظلوا محتجزين على الحدود الجزائرية في منطقة تندوف ولقد كان للبرلماني الأمريكي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ رتشارد لوغار&nbsp; الدور المحوري في هذه النهاية التي طال أمدها بعد جولات وساطة شاقة بين كل من الرباط والجزائر العاصمة بموجب إيفاد خاص من الرئيس جورج بوش في دلالة مباشرة على الدور المتعاظم&nbsp; لواشنطن في المنطقة.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>لقد تم تأخير عملية التحرير هذه لمدة ثمانية سنوات إضافية من اليوميات العصيبة وسوء المعاملة التي تحدث هؤلاء المساكين عنها-حتى وإن كان كرم السجّانين في دول كالتي نحظى بالعيش فيها موضوع وفاق لا غبار عليه- يبدو وأن البوليساريو قد فهمت أخيرا أن الإصرار على لعب هذه الورقة لن يؤدي إلى أية نتيجة فليس للجندي العربي على العموم نفس القيمة الإنسانية التي يحظى بها غيره من عباد الله في أعين قياداتهم السياسية والعسكرية، قلت إن الاستقلاليين قرروا أخيرا العمد إلى بدء تحرير "غنائمهم البشرية" على دفعات متوسطها 150 فردا، وذلك منذ العام 1999 وحتى العام الماضي ولعل كبر عدد أفراد الدفعة الأخيرة يعود إلى العيار الثقيل الذي لعب دور الوسيط هذه المرة بخلاف تلك الوساطات من إسبانيا وألمانيا وحتى إمارة قطر إذ إن البوليساريو كانت في كل مرة تحسِن تقبل الوسيط بالنظر للدور الذي من الممكن أن يلعبه هذا الأخير زيادة على ثقله الاقتصادي ومدى أهمية العطايا التي يقترحها وهلم جرا.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;في العام 2003، نشرت دانيال ميتران (أرملة الرئيس الفرنسي السابق، ورئيسة مؤسسة فرنسا للحريات)، تقريراً خطيراً عن وضعية مراكز الأسر في كل من تندوف وضواحيها بالجزائر تضمنته أيضا قرارها بتوقيف مساندتها للبوليساريو على الرغم من أنها كانت معروفة بتحمسها لمشروع استفتاء تقرير المصير هذا زيادة على أن وجود هذه المعسكرات بدأ يشين صورة الاستقلاليين والقضية التي يكافحون لأجلها بالنظر لما كان يتسرب من داخل تلك المحتشدات بالإضافة إلى أن اعتلاء الملك محمد السادس العرش وبداية عهد جديد من الانفتاح النسبي كان من أبرز سماته تلك الحصص المصورة عن حكايات بعض قدماء المسجونين المغاربة والفظائع التي عايشوها والذين كان من بينهم أسارى سابقون في يد الصحراويين، كل هذا بدأ يشكل نقاط يقظة في الرأي العام في المملكة الذي ظل قبل ذلك في حالة نوم عميق وبدأت الناس تتحدث عن الموضوع وتحركت العواطف القومية وتطورت الأوضاع إلى تنظيم مسيرات انطلقت من الرباط بداية الأمر ثم عمت مختلف مناطق المملكة قبل أن تصل إلى كبريات المدن في أوروبا وأمريكا أمام سفارات الجزائر بتلك الدول ضاغطة على الجزائر وحاثة إياها على ضرورة الإسراع من غير تأخر ولا شروط في إطلاق سراح هؤلاء الذين طالت معاناتهم من غير أن ننسى التحرك الدبلوماسي المغربي من خلال تحريكه لامتدادات سفاراته وقنصلياته بالخارج وبواشنطن تحديدا في ذات الإطار.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>في عملية تدخل ضمن هذا المسعى، قام وفد من قدماء أسرى الحرب المغاربة لدى البوليساريو بزيارة لواشنطن يقودهم النقيب علي نجاب بناء على دعوة وُجّهت لهم من لدن "المركز السياسي الأمريكي المغربي" الواقع مقره بواشنطن، وهذه الزيارة من غير شك أدت على تذويب الجليد الذي غطى على الملف، خصوصاً وأن الوفد الزائر كان قد التقى بالسيناتور الجمهوري جون ماكين ذلك الطيار المتقاعد، والذي كان هو نفسه من قدماء الأسرى في فيتنام ليسجل هذا الأخير تعهده بالتدخل لدى البيت الأبيض والكونغرس من أجل الضغط على الجزائر في سبيل تحريك القضية.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>لم تكن الجزائر بأية حال من الأحوال مستعدة لرفض الوساطة الأمريكية زيادة على أنها كانت ترى أن استماتتها في الدفاع عن هذا الملف الشائك قد تفرز إشكاليات تعكر صفو علاقات الود التي صارت تربطها بواشنطن في إطار الحرب العالمية على (الإرهاب) وليس هنالك من شك حول قيام الجزائر بعد هذا بالضغط على زعيم الاستقلاليين محمد عبد العزيز حتى يبادر هذا الأخير إلى "إبداء حسن النية" في العمل على إيجاد مخرج إنساني للقضية.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>من دون انتظار وفي تصريح مزدوج له مع يوميتي (لوموند) الفرنسية و(البايس) الإسبانية يوم 13 يوليو الأخير قال عبد العزيز: إن جبهته سوف تفرج في أقرب وقت ممكن عن آخر دفعة من الأسرى لديها، وهذا التطور رأى فيه الأمريكان الفرصة التي لا يمكن تفويتها في سبيل العمل على تحقيق تقارب بين وجهتي نظر القصر الملكي في الرباط وقصر المرادية في الجزائر العاصمة، حيث مقر الرئاسة، وكان مظهر هذا المسعى هو قيام الإدارة الأمريكية بإيفاد شخصية من الوزن الثقيل ممثلة في شخص ريتشارد لوغار إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قصد إجراء مباحثات تلاها مباشرة انتقال الرجل إلى مدينة تطوان المغربية لمقابلة الملك محمد السادس في إقامته الصيفية هناك حتى وإن لم يتسرب عن فحوى اللقاءين أي شيء وقتها عدى التصريحات الروتينية طبعا عن العلاقات الثنائية والحرب على الإرهاب وما شابه.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>انتقل لوغار بعدها مباشرة إلى ليبيا بتاريخ 19 و20 آب/أغسطس لمقابلة (الزعيم الليبي) معمر القذافي كآخر مرحلة من جولته في المنطقة وخلال ذات الزيارة، بحث موفد البيت الأبيض في طرابلس كيفيات التطبيع النهائي لعلاقات البلدين وترتيب جدول زمني عاجل لذلك من غير شك قصد استئناف التمثيل الدبلوماسي بعد أن مضى على توقيفه مدة أربع وعشرين سنة.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>منذ هجمات 11 سبتمبر، تولي الولايات المتحدة منطقة المغرب العربي اهتماما استراتيجيا متزايدا يتجلى من خلال مضاعفتها للنشاطات الدبلوماسية والعسكرية هنا فهي لا تخفي حرصها على جعلها منطقة نفوذ. الولايات المتحدة التي كانت منذ فترة طويلة حليفا مباشرا للمغرب الأقصى، عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى اتخاذ تدابير تقارب فاجأت كل الملاحظين مع جزائر بوتفليقة باعتبار هذه البلاد قطبا إقليميا في الحرب على "الإرهاب" وأبلغ صور هذا الدعم: التعاون الكبير الذي صار يتلقاه الجيش الجزائري من قبل الأمريكان إلى حد تنظيم سلسلة طويلة من المناورات المشتركة داخل إطار حلف شمال الأطلسي إلى جانب التموين بالمعدات العسكرية الحساسة في مقابل قلق مغربي طبيعي مرده الخشية من أن يدفع المغرب ثمن هذا التقارب والذي لن نكشف سرا حينما نقول: إن أسبوعية "لوكانار أونشيني" الفرنسية أوردت بخصوصه ما يفيد بأن للولايات المتحدة حالياً ما مجموعه 400 رجل من أفراد المارينز في منطقة تمنراست بالصحراء الجزائرية دائما في نفس الإطار ورسالة واضحة للذين ما زالوا يحنون للاحتفال بعيد الاستقلال.</FONT></P><BR><P><FONT size=3><FONT color=#0000ff>نظرة على المستقبل:</FONT> <BR>إن الأمريكيين، حتى وإن كان أمر حرصهم على إدامة الوجود العسكري قبل السياسي في كل بقعة من الأرض أحد أبرز سمات تقاليدهم، يأملون في تحقيق تقدم على مستوى العلاقات الثنائية بين الإخوة الأعداء في المغرب العربي يمكنهم من تجاوز المأزق التاريخي الذي يفرقهم ممثلا في مشكلة الصحراء بما صارت تشكله هذه العقدة من خطر على الأمن والاستقرار الإقليميين خصوصا في مجال تنسيق جهود مكافحة "الإرهاب" زيادة على وقوفه حجر عثرة في طريق إقامة منطقة مغاربية للتبادل الحر وهذه الأخيرة كانت ولا تزال مشروعا تنادي به الإدارات الأمريكية المتعاقبة وتسميه "مبادرة آينزشتاد" في إشارة لصاحب هذه الفكرة الاقتصادية ونائب كاتب الدولة الأمريكي خلال الحقبة الكلينتونية: ستيوارت آينزشتاد الذي كان أول من دعا إلى ضرورة فتح سوق مغاربية كبرى أمام المنتجات الأمريكية في العام 1996 بالنظر ربما للبعد النسبي لهذه المنطقة عن النزاع العربي-الإسرائيلي في الشرق الأوسط زيادة على أن نجاح مثل هذا المشروع سيكون ذا أبعاد عميقة في كل تلك المفاهيم التي تريد الولايات المتحدة "ترقيتها" عبر كامل المجال العربي الإسلامي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>هل يملك الأمريكان مقومات النجاح؟ ما من شك في أن للولايات المتحدة حاليا الرغبة الكاملة في التحول التدريجي إلى الماسك الفعلي بزمام الاستقرار في المنطقة بما أن لصوتها صدى أكثر جهورية من ذلك الذي يبعث به الأوروبيون، وهنا ينبغي التذكير بأن النداء الذي وجهه (كاتب الدولة السابق) كولن باول كان العامل الرئيس في فك نواة المأزق الذي نشب في العام 2002م بين المغرب وإسبانيا خوسيه ماريا أثنار حول تلك الجزر المتنازع عليها بين الدولتين. </FONT></P><BR><P><FONT size=3>إن قيام الجزائر مؤخرا بتعيين الرجل الذي يوصف صراحة أنه "أحد أصحاب القرار" في الجزائر، اللواء "المتقاعد" العربي بلخير في منصب سفير لها في الرباط في مقابل تسرب أنباء عن قرار القصر الملكي بتعيين المختص في الشؤون المغاربية، والذي ظل لحد الساعة سفيراً في تونس، عبد الله بلكزيز في المنصب المقابل لدى الجمهورية الجزائرية؛ كل هذه التطورات مجتمعة تجعل في مقدورنا الحديث عن قرب موعد "العودة الإجبارية" للمياه المغاربية إلى مجاريها الطبيعية، ولعل الأنباء التي تتحدث عن إمكانية عقد لقاء قمة بين بوتفليقة ومحمد السادس خلال الشهر الجاري بنيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تؤدي سوى إلى توقع مثل تلك التطورات والتي نحن مجبرون على التفاؤل بنجاحها بما أنها جاءت نتيجة "ضربات" على القفا من هناك... من غرب الأطلسي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>أعود وأقول: إن الصحراء الغربية ليست مشكلة في حد ذاتها، بل هي في الحقيقة مظهر من مظاهر العداوات غير المبررة؛ لأنها ببساطة لم تكن تستحق أن يقال عنها كل هذا الكلام منذ أكثر من ثلاثة عقود لو كانت تقع داخل حيز جغرافي لا تغلب عليه النزعة العصبية ولا تسيره الدوائر التي تجيد اللعب على أذقان البسطاء من الناس.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;</FONT></P><br>