انتفاضة الأكراد في بلاد الأناضول
24 ربيع الأول 1427

لا يمكن اعتبار الأحداث الدامية التي جرت منذ أيام في مدينة "ديار بكر" التركية ذات الأغلبية الكردية على أنها مجرد أحداث عادية جاءت تباعا لدفن 14 متمرداً كردياً قتلوا على أيدي الجيش التركي، بل من الواضح للعيان أن هذه الأحداث التي أسفرت عن مقتل 15 وجرح المئات، وتخريب ونهب محلات ودكاكين ومبانٍ رسمية هي مجرد العرض التجريبي الأول تمهيدا لتنفيذ المخططات ضد الحكومة الحالية وأكبر دليل على ذلك أن هذه الأحداث الإرهابية التي اندلعت نيرانها في "ديار بكر" قد انتشرت شرارتها فيما بعد لتشتعل معها مدن "فان"، "موش"، شرناق"، "حكاري" وبقية المناطق الحساسة في جنوب شرق تركيا.وبالتالي؛ كل من شاهد على شاشات التلفاز مشاهد نزول عناصر المنظمة الانفصالية إلى "ديار بكر" للتحريض فيها وعرض عضلاتها دون رقيب أو حسيب تيقن بما لا مجال فيه للشك أن تركيا باتت على قاب قوسين أو أدنى على أبواب معركة جديدة مع عناصر حزب العمال الكردستاني ولكن من نوع آخر.ربما لم تواجه تركيا يوما ما صعوبة في مكافحتها لمنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية كما حصل معها في الأشهر الأخيرة، حيث تحولت هذه المنظمة من خطر كان قابعا في الجبال إلى خطر يتغلل في العمق التركي ليشكل تهديداً كبيرا على الحكومة الحالية والدولة التركية نفسها.المراقبون السياسيون الأتراك يقولون بأن تركيا تدخل مرحلة جديدة فحزب العمال الكردستاني غير من استراتيجيته لم يعد الأمر عمليات مقاومة في الجبال بل عمليات تفجير من بعد ضد قوافل الجيش التركي.ومنذ العام الماضي نزل مستوى المواجهة إلى الشارع:تظاهرات واعتصامات واحتجاجات لها طابع مدني ولو عبر مجموعات قليلة العدد.لقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن الدعم الكردي في جنوب شرق الأناضول للصراع المسلح الذي تقوده المنظمة الانفصالية قد انخفض بشكل كبير عما كان عليه في عامي 93-1992 لذا هم اضطروا إلى تغيير سياستهم، حيث يستخدمون اليوم العناصر البشرية الشابة ويعبئونهم ويحرضونهم على التمرد ضد الدولة وهم يطمعون بهذا الدعم الشعبي الكردي لهم في تحقيق هدفهم بتأسيس الدولة الكردية.في شهر أغسطس الماضي تحدث (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب إردوغان عن وجود مشكلة كردية في تركيا فيما اعتبر البعض هذا الاعتراف الرسمي من قبل أعلى أركان الحكم في تركيا بداية مشجعة لمرحلة جديدة.هذه الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة جنوب شرقي تركيا في المدة الأخيرة تضع كلمات إردوغان في سلة القمامة لتنضم إلى كلمات مشابهة كان جاء بها سابقا سليمان ديميريل (عام 1991) وتورغوت أوزال في الثمانيات.<BR>مماطلة الولايات المتحدة الأمريكية <BR>العمليات التي نفذها عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني في محافظات المنطقة الجنوبية الشرقية وفي بعض المدن الكبرى أثارت من جديد الجدل حول علاقات تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الملفت للانتباه أن الجانب الأمريكي على الأخص واجه طلبات تركيا بخصوص حزب العمال الكردستاني بتكتيك "المماطلة" وباتخاذ مواقف مسرحية، وقد ازدادت العمليات الإرهابية التي يقودها إرهابيون تسللوا إلى تركيا من العراق الواقع تحت سيطرة الولايات المتحدة أي "الشريك الاستراتيجي".<BR><font color="#ff0000"> هل هذه هي نتائج الزيارات السابقة؟</font><BR>الخط البياني للزيارات المتعلقة بالعلاقات التركية-الأمريكية في ارتفاع مستمر، فقد وصل في البداية (قائد القوات الجوية الأمريكية) أبي زيد إلى أنقرة واجتمع مع الجنرال حلمي أوزكوك. وكانت المادة الرئيسة على جدول أعمال الاجتماع حزب العمال الكردستاني. أما أرفع الزيارات على الجانب العسكري فقد قام بها (رئيس هيئة أركان الولايات المتحدة الأمريكية) بيتر بييس لكن على الرغم من كل المحادثات التي أجريت لم يتم التوصل إلى النتائج المرجوة بأي شكل. لم تستطع تركيا أن تجعل شريكتها الاستراتيجية تقدم على أية خطوة بارزة وحتى بالنسبة "للعملية خارج الحدود" (ضد الإرهابيين) بعد أن منعها "الشريك" نفسه منها.<BR><font color="#ff0000"> تركيا أمام منعطف خطير</font><BR>تشعر حكومة حزب العدالة والتنمية بأنها حاليا أمام منعطف خطير يتوجب التعامل معه ومواجهته بأعلى قدر من الدقة فأنقرة التي قطعت شوطا كبيرا في مرحلة مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي تخشى أن تسفر خططها للتصدي للتمرد الكردي بالقوة العسكرية عن إغلاق باب المفاوضات مع الإتحاد.وتدرك الحكومة أيضا بأنها أمام وضع صعب للغاية فالمعركة الآن مدنية وفي الشارع أكثر منها عسكرية واتساعها سيكون محرجاً جداً للساسة الأتراك وصورة تركيا الخارجية.لقد خسر حزب العمال الكردستاني معركته العسكرية عام 1998 ولكنه منذ ذلك الوقت قطع مسافة مهمة في المجال السياسي.والسؤال المطروح على الساحة السياسة التركية ما الذي ستفعله حكومة أنقرة الآن؟ هل تلجأ إلى القوة من جديد لإخماد التمرد الكردي أما تغض الطرف عما يجرى حفاظاً على وحدة تركيا قبل فوات الآوان.<BR><br>