الفلسطينيون في العراق.. مأساة أخرى
1 ربيع الثاني 1427

أفرز احتلال العراق على يد القوات الأمريكية والدولية الموالية لها، العديد من التبعات السلبية، التي وصلت في كثير من الأحيان إلى حد التطرف والموت ضد أي جماعة تعادي أمريكا أو تعادي من والاها.<BR>وعلى اعتبار أن الجانب الذي بات مدعوماً أمريكياً في العراق هم الشيعة، خاصة التنظيمات والميليشيات المسلحة التي قاتلت النظام العراقي السابق داخلياً أو خارجياً، فإن أي جهة غير موالية للشيعة باتت هدفاً لتلك التنظيمات والميليشيات، والتي زاد تسلحها وتمويلها من جهتين دوليتين، هما أمريكا وإيران.<BR>نظر الشيعة في العراق إلى الفلسطينيين على أنهم شعب سني وقف إلى جانب (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين خلال حربه ضد إيران، وخلال حربه ضد الأمريكيين، بلغت حد الوقوف معه خلال احتلال الكويت.<BR>وعلى الرغم من أن فارقاً كبيراً بين القيادة الفلسطينية آنذاك، التي تمثّلت بـ(الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات، وبين الشعب الفلسطيني الذي هجّر وأبعد عن أرضه، فبات مشرداً في عدة دول عربية وإسلامية وعالمية، منها العراق.. إلا أن الميليشيات الشيعية أصبحت تمارس غطرسة القوي المتفرد بالحكم.. فأوعزت إلى العديد من أتباعها بتصفية الفلسطينيين الموجودين في العراق، خاصة الذين يعملون أو يقطنون في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.<BR>وطالما أن الفلسطينيين هم بعمومهم من المسلمين السنة، فإن تلك تهمة أخرى جعلتهم -آلياً- في عداد "الأعداء" للشيعة.<BR>الممارسات التي حدثت وتحدث في العراق غطّت بعضها على بعض، لدرجة أن الكثير من الأمور الداخلية لم تعد تظهر جلية على الساحة الإعلامية أو السياسية، بسبب وجود مشاكل أكبر وأضخم باستمرار.. لذلك، لم تأخذ قضية الفلسطينيين المستهدفين في العراق من قبل الميليشيات الشيعية حقها بعد من الظهور الإعلامي، ولم ترق بعد إلى مستوى الأزمة التي يعيشها الفلسطينيين هناك، الذين قتل العشرات منهم، وعذّبوا بطريقة وحشية قبل أن يموتوا.<BR><font color="#0000ff"> تهجير جديد للفلسطينيين!</font><BR><BR>لم تستقر الدار بعد بالفلسطينيين المهجرين من ديارهم في العراق، إذ ما أن تفلّتت الأمور الأمنية بعد الاحتلال الأمريكي، حتى قررت الميليشيات الشيعية القيام بتهجير قسري آخر بحق الفلسطينيين.<BR>ورغم اعتبار الفلسطينيين ضيوفاً على الشعب العراقي، كما هم في كثير من الدول والبلدان العربية الأخرى، إلا أن الشيعة أبوا إلا أن يمارسوا الاضطهاد بحقهم، ويهجرونهم من المنازل التي يسكنوها، بحجة أنهم أعوان لمن يصفونهم "بالتكفيريين"!<BR>وقد شهدت الأحياء ذات الأغلبية الشيعية في عدد من المدن العراقية، نشر منشورات ورقية، تهدد فيها جماعات شيعية مسلحة، الفلسطينيين، بترك منازلهم والرحيل إلى مناطق أخرى، معلنين أنهم سوف يقومون بتصفية من لا يغادر منزله!<BR>على سبيل المثال، وبتاريخ 23/3/2006، وزّعت جماعة شيعية مسلحة تطلق على نفسها اسم (سرايا يوم الحساب)! منشورات في منطقة الحرية ببغداد، وتحديدا في أماكن تجمع وتواجد الفلسطينيين، تضمّنت تهديدات شديدة اللهجة لجميع العوائل الفلسطينية التي تسكن في ما تسمى بدور الشؤون من خلال اتهامهم بمعاونة ما يصفونهم بالوهابية والتكفيرية والنواصب والبعثية والصدامية !! واتهامهم بالخونة !! مطالبين في التهديد بالرحيل من المنطقة خلال عشرة أيام وإلا سيتعرضون لمخاطر القتل والتصفية.<BR>مع العلم أن المنطقة تضم نحو 300 عائلة فلسطينية!<BR>كما تم نشر ورقة تهديد يبدو أنها وجّهت إلى الفلسطيني علي الحلاّق، الذي عثر على جثته في أحدى أحياء بغداد مقتولاً، وآثار التعذيب بادية بوضوح على جسمه.<BR>وتضمّنت الورقة تهديداً للفلسطيني بمغادرة مكان إقامته، واللجوء إلى "العمارات الفلسطينية" حسب وصف التهديد، وإلا فسوف يقتل. وحمل التهديد توقيع (جيش المختار، كتيبة أنصار الزهراء).<BR>وأظهرت منشورات أخرى أسماء تنظيمات وجماعات شيعية مسلحة، مدعومة من قبل الجماعات الشيعية الكبرى في العراق، والتي تعمل بشكل رسمي في الحكومة الموالية للاحتلال، فيما تدعم في الخفاء أنشطة الجماعات الصغيرة المنتشرة في الأحياء والمناطق المختلفة من العراق.<BR>وقد تحدّث بعض الفلسطينيين لمصادر إعلامية، أكدوا أن الفلسطينيين في العراق معرضون بشكل مستمر لعمليات القتل والتهديد.<BR>ونقلت صحيفة (القدس) عن شاب فلسطيني قوله: " إن هناك مجاميع مسلحة مجهولة، ترتدي الملابس السوداء، تقترب من المجمع وتطالبنا بالرحيل، ومن ثم يتم إطلاق النار على مساكننا بشكل عشوائي، مما يولد حالة الرعب لدى الأطفال والنساء وكبار السن، ولم يحددوا لنا أسباب تلك المطالبة، فيما نسمع بعض الأصوات تقول: إننا من أتباع النظام السابق"!<BR>ويضيف "إن الوضع مأساوي بالنسبة لنا، ونحن بدون عمل لا نستطيع الخروج من المجمع خوفاً على أنفسنا من القتل كما حدث للآخرين، كما أن بعض العوائل منعت أبناءها من الذهاب للمدارس خوفا عليهم من أن يتعرضوا للقتل أو الخطف".<BR>ولعل أسوأ ما في الأمر، أن الفلسطينيين المقيمين في مناطق معينة في العراق؛ لا يمكنهم الانتقال إلى أي مكان آخر، إذ أنهم يحملون وثائق صادرة من مديرية الإقامة العراقية، التي لا تخولهم الانتقال إلى أي بلد، ولا يملكون جوازات سفر عراقية أو فلسطينية، مما يصعب عملية هروبهم من الأوضاع التي يعيشونها.<BR>ويعيش حالياً معظم الفلسطينيين بسجن محدود جداً، يزيد من عزلتهم عدم إمكانيتهم الخروج إلى العمل لكسب قوتهم وقوت عيالهم، وسط الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد بسبب الاحتلال.<BR>حتى أن عمليات التسوّق تجري داخل المجمعات التي يعيش فيها الفلسطينيون، والتي لا تبيع سوى مواد غذائية معينة!<BR><font color="#0000ff"> القتل تعذيباً:</font><BR><BR>اللافت للنظر في أسلوب قتل الفلسطينيين العزّل الآمنين في العراق، أنهم يقتلون بشكل همجي مروّع، وكانّ قاتليهم يحملون حقداً دفيناً في قلوبهم يخرج بصورة تمثيل بالقتلى وتعذيباً لهم قبل موتهم.<BR>الكثير من الصور تم عرضها في عدد من وسائل الإعلام، والتي كشفت فظائعة الطريقة التي يقتل فيها الفلسطينيون هناك، وأماكن الطلقات التي تخترق رأس أو صدر الضحية، ما يشير إلى إطلاق النار عن قرب، وترويعهم قبل موتهم.<BR>وفيما لم يتم إحصاء عدد القتلى من الفلسطينيين في العراق، بسبب عدم وجود مرجعية رسمية لهم، أشارت مصادر إعلامية مهتمة بمتابعة أحوال الفلسطينيين داخل العراق إلى أن عدد الاعتداءات التي طالت الفلسطينيين في أماكن تجمعهم وتواجدهم في العراق بلغت أكثر من 150 اعتداء. <BR>مشيرة إلى أنه قتل منهم أكثر من 65 شخصاً، واعتقل الكثير، وبقي منهم في السجون لحد الآن ما يقارب الخمسين.<BR>وتشير مصادر فلسطينية أخرى إلى أرقام أكبر من ذلك، خاصة مع عدم وجود آلية حقيقية لإحصاء عدد القتلى الفلسطينيين هناك. أو عدد المعتقلين منهم.<BR>ففي مجمع الفلسطينيين في إحدى الضواحي العراقي، أحصى الأهالي هناك 10 قتلى على الأقل، حيث نقلت صحيفة (الشرق الأوسط) عن أحد الفلسطينيين هناك قوله: " إن عدد الذين تعرضوا للقتل في المجمع عشرة أشخاص، منهم الأخوان زياد ونزار عبد الرحمن، حيث جاءت مجموعة مسلحة إلى مسكنهما واقتادوهما تحت قوة السلاح، ومن ثم تم قتلهما ورمي جثتيهما في الشارع، فيما قتل الفلسطيني سمير خلال ذهابه لجلب ابنه من المدرسة، واعترضت طريقه مجموعة من أصحاب الزي الأسود، وبعد أن اخبرهم انه فلسطيني قاموا بضربه ومن ثم قتله من دون أي سبب، سوى انه يحمل الجنسية الفلسطينية".<BR>وقد نشرت العديد من المواقع الإعلامية، أنباء وصور لقتلى فلسطينيين تم التمثيل بهم وتعذيبهم على يد الميليشيات الشيعية، دون أي مسائلة قانونية من قبل وزارة الداخلية، أو أي توجه حكومي لوقف هذا المسلسل الذي يبدو أنه سوف يبقى مستمراً مدة طويلة، خاصة مع وضوح تسلم السلطة من قبل الشيعة، الذين يدعمون هذه التنظيمات الصغيرة ويتسترون عليها.<BR><br>