مجزرة غزة تنهي ثنائية السلطة والمقاومة لدى حماس
16 جمادى الأول 1427

لو صح أن حركة حماس استشعرت مأزقاً كبيراً حينما اضطرتها ظروف الفوز بانتخابات البرلمان الفلسطيني للجمع بين خياري المقاومة والسلطة، بسبب القيود التي شكلتها السلطة على جناحها العسكري واضطرتها لتمديد الهدنة أو التعرض لضغوط عربية ودولية ضخمة للقبول للاعتراف بـ"إسرائيل" أو حتى مبادرة السلام العربية، فقد جاءت مجزرة غزة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيونية على مصيف "السودانية" بغزة وقتل قرابة 20 فلسطينياً في غضون يومين بمثابة طوق نجاة لحماس كي تتخلص من عبء هذه السلطة تدريجياً وتعود لمربع المقاومة.<BR>ويبدو أن الظروف تخدم حركة حماس التي وجهت لها سهام النقد بقوة وهي في السلطة بدعوي أنها تقبل بأطروحات سياسية تتضمن تنازلات، وبدأت تتحول من مقاومة إلي حكومة، فالغارات الصهيونية التي أنهت هدنة حماس مع تل أبيب، واكبها إصرار (الرئيس الفلسطيني) أبي مازن على تنظيم استفتاء على ما يسمى "وثيقة الأسري" التي تتضمن اعترافاً ضمنياً بالدولة الصهيونية، بما يعطيها الفرصة للخروج من مأزق السلطة كالشعرة من العجين!<BR>فقد سعت حماس في البداية لتحمل أعباء المنصب والسلطة، وبدأت بخطط حكومية فعلية لاستقرار الشارع الفلسطينية وتنميته عبر التركيز على المشاريع الشعبية والخدمية، خصوصاً فكرة تشكيل قوة أمنية جديدة تحفظ الاستقرار في الشارع وتوقف فوضي السلاح التي لجأت إليها فصائل من فتح لإظهار عجز حكومة حماس، وتركيز الموازنة العامة للسلطة نحو مشاريع تنموية خدمية.<BR>ولكن جاء الرد سريعاً من قبل العدو الصهيوني والغرب ومعه رئاسة السلطة الفلسطينية وعناصر منافسة من فتح، بدأ بالحصار الدولي ومنع توصيل المعونات حتى العربية وحصار البنوك الفلسطينية وتجريم نقل أي أموال للفلسطينيين بهدف خلق حالة تمرد من موظفي السلطة على حكومة حماس، وأعقب هذا مراسيم رئاسية بإلغاء فكرة تشكيل قوة خاصة لوزارة الداخلية شكلتها حماس لوقف الفوضي، مما شل خطط حماس الخاصة بالتنمية لعدم وجود أي أموال وقيد يديها عن وقف الفوضي في الشارع الفلسطيني.<BR>وجاء استمرار الهجمات الصهيونية التي مثلت تحديا كبيرا لحكومة حماس ولجناحها العسكري (القسام)، متوازياً مع ضغوط عربية مكثفة على حكومة حماس للقبول بالاعتراف بتل أبيب أو على الأقل القبول بمبادرة السلام العربية التي تتضمن الاعتراف بـ"إسرائيل" ضمنا بدورها، ما زاد العبء على حماس وأظهرها بصورة سلبية للغاية في دور العاجز حتى قبل أن الغرض هو حرقها تماما وهي في السلطة، وتحدثت تقارير عن تذمر أجنحتها العسكرية وسعيها لمد فصائل المقاومة أخري بصواريخ القسام لتعويض عدم قيامها بأي دور عسكري مباشر.<BR>ومع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة حماس، بدا أن قادة حماس أكثر قناعة بفشل فكرة الجمع بين السلطة والمقاومة مثل نماذج حكومات المقاومة في دول أخري، خصوصا أنه تم نزع كل إمكانيات الحكومة الداخلية وأسلحتها عبر قرارات ومراسيم رئاسية مضادة من الرئيس الفلسطيني، فيما تولت قوى دولية وعربية أخرى نزع ما تبقى من أسلحة حكومة حماس عندما رضخت للضغوط الدولية بحصار فلسطين ماليا، وسعت على العكس للضغط عليها للقبول بمبادرة السلام العربية!؟<BR>ولهذا بدا أن حركة حماس تتحين الفرصة للخروج من هذا المأزق المتمثل في الجمع بين (السلطة) و(المقاومة) بعدما سحبت منها كل أسلحة السلطة وبقيت قيود الهدنة على المقاومة، فأصبحت المعادلة غير منصفة، وأصبحت الحركة مقيدة.. لا هي قادرة على تقديم نموذج جيد للحكم الإسلامي يجميع بين المقاومة والسلطة بسبب القيود الغربية خاصة في أعقاب التراجع الأمريكي عن فكرة نشر الديمقراطية والتنكر لحق الشعوب في اختيار حكامها (رغم أنه كان سلاح ترفعه سابقا في وجه الرئيس الراحل عرفات)، ولا هي قادرة على ممارسة دورها القديم في المقاومة!! <BR>وهكذا جاءت مجزرة قطاع غزة الأخيرة التي أبادت فيها القوات "الإسرائيلية" أسرة بكاملها، بمن في ذلك أطفال رضع اخترق الرصاص أجسادهم،وما سبقها، وما لحقها، من عمليات اغتيال، استهدفت قادة ميدانيين في فصائل المقاومة خصوصا قتل الشهيد أبو سمهدانة أحد مستشاري وزارة الداخلية الفلسطينية لتعطي حركة حماس الفرصة لتحلل تدريجيا من قيود السلطة بعدما جرى استهداف أحد رموزها، والتحلل من السلطة ككل مستقبلا في حالة تصاعد الاغتيالات لتطال أحد رموز السلطة، مثل: هنية أو الزهار أو غيرهم.<BR><font color="#0000ff"> تصدع الجبهة الداخلية أخطر </font> <BR>ويبدو أن تحلل حماس التدريجي من عبء السلطة جاء لأسباب أخرى غير المجزرة، وعمليات التصعيد الدموي "الإسرائيلية" الراهنة، والضغوط الخارجية وسحب أوراق اللعب المختلفة منها، وأبرزها على الإطلاق هي حالة التصدع التي تشهدها الجبهة الداخلية الفلسطينية والمخاوف من أن تكون هي سببا فيها خصوصا في ظل حالة التحدي المستمرة لحماس في الشارع من قبل عملاء أو منتمين لحركة فتح وغيرها من الفصائل.<BR>فالمعتاد عندما تحدث مثل هذه المجازر الصهيونية أن يتداعي كل الفلسطينيون على قلب رجل واحد ويؤدي هذا إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية على أرضية المقاومة، ونبذ كل الخلافات، ووضع إستراتيجية موحدة للمواجهة السياسية والعسكرية والدبلوماسية، ولكن الخلافات بين حماس وفتح والاشتباكات لم تتوقف رغم هذا، بل وسارع الرئيس الفلسطيني لتحديد موعد للاستفتاء على وثيقة الأسرى التي تعترف بـ"إسرائيل" كأنه يستهدف الإجهاز على ما تبقى من قوة لحماس في السلطة.<BR>فقد أدت هذه الوثيقة لحالة انقسام كبير بين الفصائل وبدأت حالة حرب وصراع بين أجهزة السلطة المختلفة أو رأسيها (رئيس الوزراء ورئيس السلطة) في صورة سعي حماس لإجهاض الاستفتاء من خلال إجراءات عبر البرلمان الذي تستحوذ على غالبية أعضائه، وعبر مظاهرات رافضة، وبالمقابل سعي الرئيس عباس للاستعانة بقانونيين لتثبيت موعد الاستفتاء وإجهاض أي محاولة لحماس لوقفه، وبين هذا وذاك بدأت أجهزة الدولة تدخل في حالة عداء مع بعضها البعض.<BR>وزاد الأزمة الداخلية اشتعالا أن عدم صرف رواتب موظفي الدولة بسبب الحصار الغربي، والحديث عن نقلها لهم مباشرة عبر البنك الدولي، أدي لعدم ولاء هؤلاء الموظفين لحكومة حماس عملياً، وولاء غيرهم من أجهزة الأمن التابعة للرئاسة التي تتلقى مرتباتها مباشرة من الاتحاد الأوروبي إلي جهات متنافسة.<BR>لكل هذا سعت حماس لتحرير الجناح العسكري للحركة من الهدنة كبداية قد لا تعني فعليا الفصل بين المقاومة والسلطة، خصوصا أن حماس أعلنت منذ توليها السلطة أنها ستجمع بينهما، ولكنها بداية تؤشر لنية الفصل بين الاثنين وترك السلطة في حالة تصاعدت الأزمة وزادت الاعتداءات الصهيونية وانتقلت العمليات إلي داخل تل أبيب.<BR>وإذا كان انتهاء الهدنة عملياً قد بدأ بإطلاق مجموعة من صواريخ القسام على مستوطنة سدروت "الإسرائيلية" شمال قطاع غزة، لتبدأ معركة جديدة بين كل الفصائل وبين العدو الصهيوني، فهناك مخاوف من أن الأسابيع القليلة القادمة التي ستسبق الاستفتاء ستجعل من الضفة والقطاع ساحة معارك دموية، خصوصاً لو وقعت عمليات كبيرة في "إسرائيل"، ولو تصاعد العنف الصهيوني الذي يهدد بإعادة الدبابات لغزة، وقام ببروفة فعلية الأسبوع الماضي لهذا الغرض!.<BR>فهل اختارت حركة حماس - بخطوة إنهاء الهدنة- إلغاء ازدواجية السلطة والمقاومة التي مارستها طوال الأشهر الستة الماضية، والعودة إلى خيار المقاومة خندقها الأصلي، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تذكير للصهاينة بخيار حماس الذي أعلنته في البداية وهو الجمع بين الاثنين؟.<BR>وهل يمكن فعلا الجمع بين الاثنين خصوصا أن (حماس السلطة) لم يعد في يدها أي أوراق للعب بها، ولم يتبق في يدها سوي أوراق (حماس المقاومة) التي يمكن أن تؤدي لتصاعد العنف الصهيوني وتدفع حتى رموز حكومة حماس للاختفاء عن الأنظار، أم أن حماس ستظل متمسكة بالسلطة كي لا تعطي فتح وأبو مازن فرصة استخدامها ضدها مرة أخري باعتقال المقاومين واستصدار قرارات تدين عملياتهم كما كانت تفعل حكومات فتح السابقة؟.<BR>وماذا سيحدث عقب الاستفتاء سواء وافق عليه الفلسطينيون أم لا - خصوصا في ظل نية حماس وأربعة فصائل أخري المقاطعة – ربما يكون مؤشر على حالة المستقبل، خصوصا أنه قد يتبعه مزيد من الضغوط على حكومة حماس ويدفعها إما إلى العناد أو ترك السلطة والعودة لخيار المقاومة والصدام مع حكومة فلسطينية أخرى لفتح، بل وانتهاء الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية.<BR>فلو جاء الاستفتاء لصالح عباس وقبول الوثيقة التي تعترف بـ"إسرائيل"، سيكون هذا تصويتا ضد حكومة حماس سوف يضطرها للاستقالة، ولو فشل الاستفتاء تماماً أو رفض الشعب الوثيقة فسوف تكون لطمة للرئيس عباس، ولكن المشكلة أن الاستفتاء سيتم في ظروف استثنائية لا تسمح بالحكم على الموقف الشعبي الحقيقي.<BR>فمن الصعب طلب الحكم من الشعب واستفتائه وهو جائع ومحاصر، ومن الصعب مطالبته بالموافقة على الاعتراف بالدولة الصهيونية وهي تقصفه يوميا بالبوارج من البحر والطائرات من الجو والمدفعية من البر؟.<BR>ثم ماذا لو فشلت حماس أو فشل عباس في حسم الأمر لنفسه، ألن يؤدي هذا لحالة حرب معلنة بين أجهزة السلطة، بحيث ينحاز فريق حكومة حماس للمقاومة، وينحاز فريق عباس إلى الغرب وخطط فرص الاعتراف بـ"إسرائيل" على حماس، وتنهار بقية المؤسسات الفلسطينية؟ <BR>والأخطر ما هو الموقف من خطة (رئيس الوزراء الصهيوني) أولمرت التي تستهدف إنشاء حدود مستقرة للدولة الصهيونية وإكمال الجدار العازل، وتنفيذ انسحاب أحادي وهمي أمني من عدة مستوطنات منعزلة ليوحي بأنه مع السلام، بحيث ينأى بنفسه عن هذه الخناقة الداخلية الفلسطينية ويترك الفلسطينيين في حرب أهلية فعلية؟<BR>التوقعات تشير بالتالي إلى احتمالات أكبر للفصل بين السلطة والمقاومة في خطوات حركة حماس المقبلة على الأقل لتنأى بنفسها عن لعبة الحرب الأهلية وتفتيت الفصائل، وتترك السلطة للمتعطشين لها، خصوصاً لو تصاعد العدوان الصهيوني ونجح استفتاء عباس وتصاعدت الضغوط العربية على حكومة حماس.<BR>ولكن إلى حين تزيد الضغوط لوقوع هذا الطلاق بين السلطة والمقاومة في قاموس حماس، ستظل حماس تتمسك بين الاثنين لهدف كبر يتعلق بالرغبة في خلق نموذج حكومي جديد في فلسطين يجمع بين المقاومة والسلطة بعدما فرطت الحكومات الفلسطينية السابقة في المقاومة وحاربتها لصالح السلطة فقط، ما سهل على الصهاينة فرض شروطهم واستكمال سرقتهم للمزيد من الأرض بحكم الأمر الواقع وطالما أن هناك حكومة فلسطينية تنوب عنهم بقمع المقاومين، ولا تمنعهم بالمقابل من التدخل للمساعدة في قتل وضرب هؤلاء المقاومين!!<BR><br>