
كأن (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب إردوغان وأركان حزبه العدالة والتنمية عموما كانوا على يقين تام منذ أسابيع بأن قرار المحكمة الدستورية لن يكون ضدهم بدا ذلك من تصريحات أركان الحزب في الأيام الأخيرة أن إجماعا سيتحقق بين القضاة الـ11 الذين يؤلفون هيئة هذه المحكمة الفائقة الصلاحيات على عدم قبول دعوى المدعي العام لمحكمة التمييز عبد الرحمن يالتشينكايا الذي تقدم بها في الرابع عشر من شهر مارس/آذار الماضي لحظر الحزب الحاكم ومنع 71 من أعضائه من مزاولة العمل السياسي لخمس سنوات بحجة تحول الحزب إلى بؤرة للنشاطات المعادية للعلمانية.ومنذ البداية كان واضحا أن إثارة الدعوى القانونية ضد الحزب التركي وكوادره جاءت بهدف عرقلة قضيتين مركزيتين في مشروع حكومة إردوغان: قضية الحجاب وقضية ERGENEKON فآخر التحقيقات أظهرت أن هناك ارتباطا قويا بين دعوى يالتشينكايا وعصابات الدولة داخل الدولة المرتبطة بسلسلة جرائم ارتكبت ضد مثقفين ويساريين وأكراد وكانت تعد لانقلاب عسكري في العام المقبل يطيح الإسلاميين.ارتباط أكدته واقعة أن نص الدعوى كان موجودا على جهاز الكتروني لأحد زعماء الخلية السرية قبل تاريخ 14 آذار الماضي.وقبل صدور القرار كان يسود جو في البلاد يوحي بالتشاؤم منذ تقديم يالتشينكايا دعواه حيث دخلت تركيا في مرحلة عد عكسي فللمرة الأولى في تاريخ البلاد الحزب الحاكم يقف في قفص الاتهام إلا نجاح إردوغان في إدارة معركة المواجهة وفي استخدام عناصر القوة عنده والضعف عند خصومه كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير وفي مقدمة هذه العناصر توقيت الكشف عن منظمة "أرغينيكون" السرية التي كانت تضم شخصيات بارزة في الدولة من بينها قائد جيش إيجه السابق وقائد الدرك وشخصيات أخرى قضائية وصحافية واقتصادية وما إلى ذلك وتبين من التحقيقات أن هذه المنظمة كانت تخطط للإطاحة بحكومة إردوغان وأن بعض قياداتها كانت على اتصال مع المدعي العام لرفع دعوى لحظر حزب العدالة والتنمية وهو ما أحرج الجيش والقضاء أمام الرأي العام وأظهر حزب العدالة والتنمية في موقع المدافع عن الديمقراطية، فضلا عن الاجتماع الذي عقده إردوغان مع قائد القوات البرية التركية الجنرال إلكر باشبوغ الذي يتوقع تعينه رئيسا جديدا لرئاسة الأركان نهاية هذا الشهر وحول وجود اتفاقية بين الحكومة والمؤسسة العسكرية على أن تتوقف حملة الإعتقالات في صفوف منظمة "أرغينيكون" وفي موازاة ذلك ورغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها حكومة حزب العدالة والتنمية فقد استمرت تركيا بالاضطلاع بدور كبير في قضايا العالم الخارجي ومنها الوساطة بين سوريا وإسرائيل والتقريب بين طهران وواشنطن في الملف النووي وكذلك استمرار توفير التغطية السياسية لملفات مثل قبرص وأرمينيا والزيارة الهامة التي قام بها إردوغان إلى بغداد كل هذه الأمور زادت من رصيد الحكومة التركية في عيون الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي التي تأكدت بأنه من غير الممكن الاستغناء عن هذه الحكومة التي تقوم بدور نشط في منطقة الشرق الأوسط.