5 رمضان 1431

السؤال

أنا ولله الحمد أحب طلب العلم والتعلم، بل وأتمنى أن أصبح من علماء هذه الأمة العاملين، ولكن أجد فتوراً كبيراً في طلب العلم والقراءة، أبدأ أقرأ في كتاب معين ثم لا أستمر في قراءته.. وهكذا، فبم تنصحونني؟

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

بداية أشكر فيك هذا العزم الإيجابي نحو العلم والتعلم، وهذا العزم هو بداية كل جد ونجاح فأبشر بكل خير وفضيلة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في حديثه الثابت "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة".
ثم دعني في هذا السبيل أن أصف لك عدة نصائح غالية فيما يخص سؤالك:
أولا: طريق العلم طريق لا يسير سائره إلا بالإخلاص التام، فلا علم بلا إخلاص ولا فلاح في طريقه إلا بالإخلاص، فأنصحك بتجريد الإخلاص لربك وربط حبلك الوثيق ثقة وإيمانا وتوكلا وعبودية له سبحانه.
ثانيا: طريق العلم أشرف طريق فلا تتجاذبك السبل عنه فأنصحك بتدبر سبيل رزقك تدبرا جيدا مع دراستك للعلم حتى لا تنقطع في وسط الطريق..تدبر شأنك ورتب أحوالك بحيث يكون لك مصدر رزق صالح مناسب لقيمتك المجتمعية والإيمانية، لكن يجب أن تراع ألا يستنفذ منك وقتك وتذهب أيامك.
ثالثا: لا علم إلا بالخشية، وإنما العلم الخشية، فالتمس منه الخشية أينما كنت في جنباته، وإياك والجفوة أثناء مدارسته لكن اربط دوما بين تعلم العلوم وبين تطبيق العبودية وأهم صفاتها الخشية بعد الإخلاص فإنهما يبعدانك عن الرياء ويدفعانك للإنابة.
رابعا: لا علم بلا معلم...فابحث عن معلمين وشيوخ صالحين متقنين، وأوصيك بمن وصفهم صفتان غالبتان هما: التقوى والرسوخ في العلم، فلا تأخذ علمك إلا من تقي راسخ.
خامسا: لكل عالم باب يتميز فيه فلا تقصر نفسك على أستاذ واحد لكن ابحث عن أخذ كل باب من صاحبه المتميز فيه.
سادسا: أنصحك بمدارسة العلم بطريقة أكاديمية – أعني عن طريق الجامعات العلمية، هذا بجانب مدارسة العلماء، فالدراسة الأكاديمية تنظم الفكر وتضبط الأداء.
أما بخصوص القراءة فأنصحك بما سبق ونشرناه وآتيك بأهم ما فيه:
1- إن هناك مقداراً من العلم لا يستطيع امرئ أن يستغني عنه وهو الواجب في حياته الإيمانية، من تعلم لعقيدته الإيمانية، ولما يمكن أن يمسها أو يخدشها أو يقدح فيها من سلوكيات وأقوال وأفعال، ثم من تعلم لفقه العبادات كلها حتى تخرج عباداته صحيحة سليمة متبعة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم من تعلم لأصول الدين وثوابته التي ينبني عليها الإسلام، هذه الأمور وغيرها مما لا يسع أي مؤمن جهله من العلم والتعلم هي بدايات الفهم ومنطلقات العلم، فحاذر أن تبدأ في غيرها قبل أن تهتم بها وتتشربها، وليكن تشربك لها على يد علماء صالحين وفقهاء معتبرين فإن تعذر فعلى يد طلبة علم نابهين مشهود لهم بالخير والعلم..
2- لابد أن تتفهم قدراتك الشخصية وميزاتك الذاتية وميولك النفسية والعقلية، وعندئذ تخير من القراءة ما يقوي فيها ما تتميز فيه، وينمي فيها ما تحب أن تتخصص فيه، فاختر لنفسك مجال تميز وسبيل تخصص واشغل نفسك فيه واهتم فيه بجمع العلم من أطرافه وأنصحك ههنا أن تكون دراستك وقراءتك موجهة عن طريق دراسة رسمية منتظمة..فإن لم تستطع فعن طريق متخصص موجه لك..
3- إن لكل وقت شغلا، وهناك أنواع من العلوم والقراءات لا تناسب أوقاتا من اليوم فحاول جاهدا ترتيب يومك بين قراءتك، وليكن في ابتداء يومك وفترة نشاطك قراءة ما يحتاج إلى إعمال عقل وفهم وتدبر ثم اجعل للأوقات الأخرى ما هو أقل فأقل.
4- تختلف الأحوال النفسية والمزاجات الشخصية للإنسان عبر الأيام، فلا بأس أن تضع لنفسك بعض القراءات اللطيفة التي تروح عن النفس وتثير السعادة وتبعد الأحزان.
5- إياك أن تبدأ في قراءة كتاب كبير طويل بدون أن يكون لك منهج في قراءته وتفهمه مع معلم أو موجه أو متابع، فأنت عندئذ تهدر وقتك وتعرض نفسك للانقطاع وتتبع رغبة النفس المؤقتة تجاه القراءة، فليكن لك متابع عالم أو مرب نابه يتابعك فيما تقرأ.
6- لا تهمل التدرج في القراءة من الصغير للكبير ومن السهل للأقل سهولة وهكذا حتى تصل إلى الكتب الكبرى والمؤلفات العليا ولما سئل ابن عباس عن الربانيين ما معناها قال: "هم الذين يربون أنفسهم على صغير العلم قبل كبيره...
7- اعلم أنه ما من كتاب إلا وفيه فائدة عظيمة فلا تستقل كتابا مادام منهجه صالحا وموضوعه نافعا، فقد تجد في الأنهار مالا تجده في البحار.
8- تعلم أن تدون أهم ما تقرأ وأن تضع علامات تحت ما تراه نافعا فيما قرأته وتدونه في مدونات خاصة، فبعد عمر ما ستجد فيها كنوزا قد غفلت عنها.. وفقك الله.