11 جمادى الأول 1433

السؤال

ولدي تعرض للاعتداء الجنسي مرات متكررة ولم أكتشف الأمر إلا متأخراً، وله من العمر ثلاث سنوات ونصف، ولا أعرف كيف أتصرف! عنفته.. ضربته.. وجَّهته، وأرى الأمر ما زال مستفحلاً في تصرفاته؛ فهو يطلب مني أو من الآخرين أن يقوموا بذلك معه!! والأمر خرج عن الحدود؛ فقد كملت السنة وأنا أعالج الموضوع. انصحوني بارك الله فيكم، فقد آلمني الموضوع كثيراً، وجزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نشكر لك اختنا الفاضلة ثقتك بإخوانك في موقع المسلم واسأل الله إن يجري الحق على ألسنتنا وان يجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين.
وبعد فنحاول أن نقط نقاطا للمشكلة التي طرحتها الأخت الفاضلة:
1- طفل يتعرض لمشكلة اعتداء جنسي وهو صغير جدا.
2- لم تكتشف الأسرة هذا الاعتداء إلا بعد فترة طويلة بعد أن استفحل الأمر.
3- الأم تبدأ بالعلاج من وجهة نظرها الخاصة بالتعنيف والضرب.
4- الحالة تزداد سوء والطفل يطلب الآن منهم أن يكملوا معه ما بدأه هذا الآثم الذي فعل الفعل معه.
5- الأم تسأل عن التصرف الواجب فعله في مثل هذه الحالة.
ونبدأ مستعينين بالله:
أختنا الفاضلة:
والله لقد آلمتنا رسالتك اشد الألم لما بها من جناية مركبة على صغير لا ذنب له ولا حيلة ولا فهم لما يحدث له، ولا يدري أن ما حدث معه شيئ منكر ولا يدري أن ما يطالب به هو شيئ مستقذر ومنهي عنه شرعا وخلقا وسلوكا.
فالجناية أولا: تقع على ذلك المجرم الذي هو بالقطع قريب للطفل مكانا أو نسبا
والجناية ثانيا: في عدم متابعة الأسرة للطفل وإهماله وعدم التقرب منه ومعرفة لحدوث المشكلة من بدايتها حتى استفحلت عنه.
والجناية الثالثة: هي ترك الأسرة للام وحدها لعلاج الطفل سلوكيا وتربويا وخاصة في مشكلة ضخمة مثل هذه ونتساءل عن دور باقي الأسرة في حل المشكلة وعن وجودهم أصلا كالأب والجد والأخوال والأعمام وغيرهم
والجناية الرابعة: هي معاقبة المجني عليه الطفل الصغير الذي لا يميز بين الخطأ والصواب بدلا من التوجه لعلاجه بما يقتضي ذلك العلاج ومعاملته كمريض بما يستحقه من شفقة تمت معاقبته كمجرم جان، وذلك في عدم التوجه بالعقوبة للجاني الحقيقي لمن ارتكب تلك الفاحشة مع الصغير، وربما يعيش الجاني حرا طليقا يمرح كيفما شاء بينما يوجه ضحيته هذا الموقف المؤلم والمصير المخزي.
اختنا الفاضلة:
أدرك أن المشكلة صعبة ولكن الله عز وجل ما جعل داء إلا له دواء علمه من علمه وجهله من جهله فلا تفقدي الأمل بإذن الله واستعيني بالله سبحانه، والخص حديثي في نقاط لعل الله ييسر ببعضها لمعالجة ما أنت فيه الآن:
- نقطة غامضة في الرسالة وهو السؤال حول السن الذي تم فيه الفعل، فقد ذكرت أنه قد مورس معه ذلك الفعل الخبيث لفترة زمنية طويلة، وذكرت أن له من العمر ثلاث سنوات ونصف وقد أكملت السنة في علاجه الذي بدأته دون جدوى، فأي مجرم هذا الذي يمارس مع طفل عمره ثلاث سنوات ونصف عدة مرات، ولِم لم ينل هذا المجرم عقابه الرادع الذي يستحقه؟، والذي سيساهم عمليا في بداية خطوات علاج ابنك الذي سيعلم أن هذا الفاعل الأثيم الذي اعتدى عليه نال جزاءه وذلك سيسهل عليك تقبيح الفعل عنده.
- لاشك أن هناك إهمالا تربويا منك ومن الأسرة عامة تجاه هذا الطفل، فقد تلبي الأسر للطفل متطلباته المادية ولكنها تهمله تربويا فينشأ على ما يجد من القيم والتي يُكسبها له مخالطوه بحسب أهوائهم ورغباتهم، ولتكن تلك الإشارة رغم قساوتها وشدتها نبراسا لك لكي تعيدي علاقتك التربوية بأبنائك وتقوميها على الطريق الصحيح.
- لم تذكري أيتها الأخت الفاضلة هل طفلك وحيد أو معه إخوة وعددهم ونوعهم، ويبدو أن الطفل وحيد أو طفل ذكر تربى مع أخوات أو قريبات بنات، فنال الطفل تدليلا شديدا من الجميع، وربما يكون جميل الصورة فزاد هذا من تدليله فأصبح يحاكي البنات في مشيته وطريقته مما تسبب في وقوع تلك المصيبة معه، وينبغي هنا أن تنتبه الأسر لخطورة التدليل الزائد عن الحد وخصوصا في معاملة الذكور من أبنائها.
- ولم تذكري اختنا الفاضلة عن وجود الأب وموقفه وتصرفه ودوره قبل وقوع الابن في المشكلة وأثناءها وبعدها لما له من أهمية تربوية لدى الطفل والذي يمكن أن يكون دور الأب المفقود بابا أساسيا لولوج هذا المجرم للصغير، فكم من طفل افتقد حنان الأب واحتوائه فارتمى في أحضان من يعامله معاملة الأب حتى يحدث مثل ما قد حدث مع طفلك.
- أخطأت اختنا حينما تعاملت مع الطفل الذي يعاني مشكلة – في نظره كأي مشكلة – بالضرب والتعنيف والقسوة، فماذا تعلم الطفل واكتسب من القيم السلوكية والخلقية؟!، وهو لا يزال غضا طريا لا يستوعب عقله شيئ إلا ما يوضع فيه من تعاملات وممارسات ولم يكتسب بعد الثوابت القيمية التي سيعيش عليها بإذن الله.
- أريد أن أطمئنك اختنا الفاضلة أن ما حدث يمكن تداركه، فلا يزال الطفل قابلا للتشكيل بشرط أن نحسن العلاج السلوكي له وأن نعامله كمريض نحايله على قبول الدواء ولا نعامله كمجرم يستحق العقاب أو سجين يستحق الحبس.
- لقد نال هذا المجرم من ابنك ما نال بإظهارالحب والحرص وإظهار التفاهم للطفل واستيعابه، فلاشك أنه لاطفه ولاعبه ولعب معه وأحضر له ألعابا وهدايا واستماله له بكافة الطرق بل ونال ثقته وسيطر عليه وهو صغير واستكتمه أمره بتخويف، فأي حل سيأتي منك لابد وان يمر بتلك المراحل معه أنت أيضا، فلن تجدي القسوة ولن تحل المشكلة بل ستزيده ابتعادا عنك ورغبة في قرب ذلك المجرم الذي جنى عليه، ولذلك لابد عليك أن تكسبي ثقة ولدك وتستعيدي حبه لك وتحتويه بحنانك وتعوضيه عن ذلك المخلوق الشيطاني الذي سيطر على ولدك ولصقه به بما فعل في غفلة منك ومن الأسرة أو إهمال.
وهناك بعض الخطوات الواجبة عليك في تلك المرحلة:
- توقفي تماما عن القسوة والضرب مع الطفل وأن تبدئي بالتقرب له بكل وسيلة ودققي في البحث عن الوسائل التي اجتذب بها هذا المجرم ولدك إليه وحاولي ان تتفوقي عليه فيها
- اهتمي بولدك في كل أوقاته وأحواله ولا تجعليه يغيب عن ناظريك بالحب والحنان والاحتواء وليس بالأوامر والقسوة والضرب
- أكثري من الجلوس معه ومشاركته في أوقات لعبه ولهوه وأزيلي كل حاجز بينك وبينه وانزلي إلى عقله وما يحب أو يفعل فافعلي معه
- قومي بعرضه على طبيب متخصص وأخصائي نفسي ليتابع معك حالته
- اجعليه رفيقك في خروجك وتنزهك وزياراتك واشغلي له يومه حتى ينسى ذلك الفعل تماما فلا يذكره.
- حاولي دوما إشغاله وإلهاءه إذا تذكر هذا الفعل وطلبه، فلا تعنفيه ولا تضربيه، فالضرب والتعنيف سيزيده إصرارا فلا زال طفلا لا يعي، فتجاهلي طلبه واسأليه عن شيئ آخر يحبه جدا وبمجرد أن تمر عليه بضعة أيام لا يذكر فيه الفعل أو لا يحتاجه سينساه تماما وهذا دورك الحالي.