5 جمادى الأول 1434

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي هي كيف أتعامل مع أبي، أبي طرد أمي من البيت، وهذه ليست أول مرة رغم أنه المخطئ وهذه شهادة العالم أجمع، وغالبا يمارس عليها أنواع الظلم والاستحقار في البيت، وكثيرا كانت تصبر وتتحمل، لكن سؤالي الآن كيف أتعامل معه هذه الفترة في قلبي حقد عليه، وأود لو أجلده لكن عندما أقابله أتظاهر أمامه بالاحترام الظاهري فقط، لكنني أتمنى أن يشعر بما داخلي ويشعر بحزني بما فعله مع أمي.. أحيانا أحدث نفسي بألا أكلمه أو أعبس في وجهه، أريد أعمل أي شيء دون أن أعق به.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

عندما تتعثر الأمور ويزداد الضيق ضيقا، فإن الانفراج قادم إن شاء الله، وهذا ليس قولى بل قول العليم بذات الصدور قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6]، فقد أكد سبحانه وتعالى الآية الكريمة حتى لا ييأس صاحب الضيق والهم ويحسن الظن بخالقه.
لكننا عندما نبحث عن أسباب الخطأ نجد أن كلنا مشتركون فيه، فالأب يقسو ويتبع سلوكيات الظلم بأنواعه، ويتخذ الشدة والغلظة في تعاملاته، والأم تتحمل وتصبر لكنها لا تفكر في حل لهذه المشكلة بل تتذوق آلامها وتلعق مرارة الظلم وتقف متجمدة متقمصة أسلوب الضعف.
أما الأبناء فهم ينظرون للأب نظر الظالم والأم هي المظلومة فاشتركوا في قضاء الحكم عليه دون النظر في حقيقة القضية.
الابنة السائلة.. لكل إنسان سقطات وعيوب، وربما يغلب الظلم على أمر والدك لكنه في أول الأمر وآخره يسمى إنسان، ولا شك أن في داخل والدك جزءا ولو صغيرا من الحنان، فلا أعتقد أن يكون إنسان دائما قاس أو ظالم بل هناك لحظات تظهر عنده صفات مختبئة لكنها تحتاج من يظهرها.
ولعلك أنت ووالدتك تشعران بالظلم الواقع عليكن، لكن ربما يكون من طبع ذلك الأب العصبية الزائدة، أو ربما يشعر بضيق الحالة المادية فلا يستطيع تحقيق رغباتكم المطلوبة مما يسبب له آثارا عكسية تترجم في صورة غضب.
أو ربما يشعر بالجفاء منكن، أو ربما يكون بعيدا عن ربه فيهمل صلاته وعباداته مثلا فالبعد عن مواصلة الله تعالى من أسباب حلول الهم والضيق والغم بالإنسان بل ويدخل في قلبه الوحشة ويظهر العبوس في وجهه.
فإن كنت قد حكمت على والدك بالظلم فهل جلستي مع نفسك في مناقشة أسباب ذلك عنده، إننـي لا أدافع عن والدك فإن الظلم لا يرضى عنه الله تعالى فالظلم ظلمات يوم القيامة، والله تعالى لا يحب الظالمين، بل أمره بحسن المعاشرة والمعاملة الطيبة لزوجته في قوله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وأيضا وضع ديننا العظيم للزوج حقا كبيرا لزوجته بالإحسان إليها في كسوتها وإطعامها لقوله صلى الله عليه وسلم: "أن تطعمها إذا طعمت تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" أخرجه أبو داوود.
فقد يكون ذلك من العدل الذي ينافي الظلم وأيضا إن أراد أن يهجرها فليكن داخل البيت ولا يصح له أن يطردها من بيتها.
لكن على الجانب الآخر مثلما أعطي للزوجة كل هذه الحقوق منح الزوج الكثير، فالزوجة لابد أن تعرف طباع الزوج من بداية حياتها معه وتعرف كل عيوبه فإذا وجدته رجلا عصبيا غضوبا، عليها أن تتجنب أي شيء يضايقه مع تقديم الطاعة له إلا فيما يغضب الله تعالى، بل وتراقب الله في رعايتها لبيته وماله وولده وأن تفعل كل ما يسره ويرضيــه.
فقد أوصى أبو الدرداء زوجته فقال: خذي العفو مني تستديمي مودتي، ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب.
لذلك على الوالدة عندما تجد الزوج الغضوب في ثورته أن تلتزم الصمت ولا تحاول في هذه اللحظات طرح أي صور للمجادلة أو المناقشة حتى ينتهي من هذه الثورة.... ثم تنتظر وقتا مناسبا لفتح طريقة العتاب الرقيق، ربما تصل بطريقتها هذه لما يريح بالها ويشفي صدرها.
أما بالنسبة إليك أيتها السائلة فعليك أن تعرفي أن للوالدين حق الإحسان والعطف والمعاملة الطيبة واللين والمصاحبة بالمعروف، فينبغي عليك التودد لوالدك حتى تكسبي رضاه ومحبته ثم بعد ذلك تحاولي أن تذكرينه بفضل الأم وقيمة بذلها وعنائها طوال هذه السنين حتى يرق قلبه إليها.
كوني خير من يصلح بينهما، ولتذكري كلا منهما بحسنات الآخر ليعفو كل عن الآخر ويتجاوز عن عثرات وزلات غيره.
والأمر الأهم عليك أن تذكري كل أفراد الأسرة بالعودة إلى الله تعالى، فلينظر كل فرد من أفراد الأسرة في تقصيره في حق ربه ويقدم كل واحد توبته الخالصة لله تعالى، ويدق باب الدعاء له سبحانه؛ فأفضل أوقات الدعاء وقت السحر وهو الثلث الأخير من الليل ففيه ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا يعطي من يسأله، ويغفر لمن يستغفره، ويستجيب لمن يدعوه حتى تذهب هذه الغمامة السوداء عن البيت.
وأيضا عليك تقديم النصيحة للأم لتنظر ما هو التقصير الذي تقع فيه لدفع الزوج للخلاص منها بهذه الصورة بل وعليها أن تقوم بتغيير نفسها تماما عندما تعود للبيت لابد أن يشعر الزوج أنها امرأة أخري غير التي ذهبت، فلتغير من لبسها وشكلها وأسلوبها وطريقتها معه كي تستطيع أن تجذبه إليها من جديد فلا يستطيع الاستغناء عنها بعد ذلك.
الابنة السائلة.. لا يخلو بيت من المشاكل والغيوم فكوني الابنة الذكية المحافظة على والديك وعدم عقوقهما وحاولي الإصلاح فإن فشلت في الإصلاح فحاولي الاستعانة بأحد المقربين من الأهل أصحاب الحكمة والخير والتقوى لفض ذلك النزاع بطريقة طيبة.
واعلمي أن هذه السحابة المعتمة لابد أن تنجلي وتذهب بإذن الله تعالى ولكن لابد من الصبر وحسن التدبير والتفكير في الحل السليم وأبشــــري أنه مع العسر لابد أن يأتي اليســـر وبعد الضيق سيأتي الفرج بمشيئة الله.