26 رجب 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عائلتنا - ولله الحمد - ملتزمة لكن المشكلة أن لي أخوين أحدهما في الصف الأول الثانوي والآخر في الثالث الثانوي، نكتشف عليهم أشياء مثل التدخين والسرقة، لكن في البداية لم نعرف كيف نتعامل معهم؛ فأبي عاملهم بالضرب فعاندوا أكثر، والمشكلة أن مَنْ يجرهم لهذه الأفعال هم أبناء أعمامي، لكن أبي لا يريد أن يحرمهم منهم!
لقد احترنا معهم حتى وصل الأمر أنهم يسرقون أشياء كبيرة من عمارات تبنى وأسعارها غالية، وأيضاً من الأشياء الخطيرة أن أحدهما يستعمل التبغ.. كيف نتعامل معهم؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
نشكر لك أختنا الكريمة ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأل الله سبحانه أن يعينكم على هذه المشكلة وأن يجمع بين أسرتك على طاعته ومحبته ورضاه.
الأخت الفاضلة:
لاشك أنك أحسنت حين اهتممت بشأن إخوتك وإن كانت قد تأخرت كما أنها بالطبع ليست مسئوليتكِ المباشرة إلا أنك وجدتِ أنه من حق الأخوة عليك أن تهتمي بشئونهم وعلمتِ من شعور الخشية على إخوتك أن تسألي عن مشكلة ربما حلها لن تكوني فيه العنصر الفاعل الأول، فجزاك الله كل خير.
الأخت الكريمة:
أولا يجب أن نفرق بين كل شكوى ونضعها موضعها من الخطأ، وفي ذلك ألا نقرن في التعامل بين التدخين والسرقة وإن كان كل منهما منكر شرعي وخطأ سلوكي وذنب سيكتب ويسطر في صحائفهما، ولكن البون بينهما شاسع، فمشكلة السرقة أشد بكثير من مشكلة التدخين، ولهذا كان الاهتمام بالحديث عن مشكلة السرقة مقدما على مشكلة التدخين.
ولكن القاسم بين الخطأين أنهما يتسمان بكونهما سلوكيات سيئة مكتسبة من الأقران ومن الفاسدين والمفسدين من الزملاء والجيران والخلطاء، وتبدأ هذه السلوكيات السيئة قليلة أو بصورة لا تظهر للكثيرين، ولكن بإهمال معالجتها من الأسرة ومن المربين في المدارس تستفحل وتتأصل داخل النفوس حتى تصبح أكثر خطورة ورسوخا، وتصعب جدا من محاولة إصلاحها، وبالطبع فلا يأس بإذن الله من محاولة العلاج.
وقد أحسنتم التشخيص ومعرفة السبب المباشر بأن من يشجعهما على هذه الأفعال هم أشخاص محددون، بمعرفة أسباب المشكلة يكمن قرابة نصف العلاج، ولكن التصرف قد جانبه الصواب بعض الشيء حيث لم تمنعوهما عن أقران السوء هؤلاء، فكل ما تبنونه أنتم يتم هدمه على طريقهم مع ملاحظة أن تأثير الآخرين أقوى على إخوتك من تأثيركم.
ولاشك أن التعامل بالضرب مع المشكلات السلوكية تعامل لن ينتج إلا آثارا ضعيفة، وهو أحد الأخطاء الشائعة في معالجة المشكلات، فقد ينتج في الفترات الأولى شخصيات مخادعة تتظاهر بالصواب وتفعل كل خطأ في السر تجنبا للإيذاء والضرب، فما يلبث الضرب بعد فترة أن يفقد قيمته وتأثيره، لاتجاه المضروب إلى القوة واتجاه الضارب إلى الضعف بحكم تقدم العمر أو لاعتياد المضروب على الضرب، وبالتالي لا يمكن إطلاقا علاج أخطاء شباب في المرحلة الثانوية بالضرب، فسلبياته أكبر بكثير من إيجابياته هذا إن كانت له ايجابيات من الأساس.
ولابد من التفهم والبحث عن سبب السرقة ابتداء – مع ملاحظة أن هذا كان يجب من البداية – فهناك من أسباب السرقة ما يمكن بعلاجه وتلافيه إنهاء هذه المشكلة، ومن أسبابها من لا تنتهي المشكلة إلا بالردع وخاصة في هذه السن نظرا لأسبابها.
فمن الأسباب التي يمكن أن تعالج أن تكون السرقة بغرض أن يعبر السارق تعبيرا خاطئا عن حاجته الشخصية للاهتمام والرعاية، وهذا يكون أغلبه عند الأطفال أكثر من البالغين، ومنها ما يكون بدافع الحاجة والعوز كعدم القدرة على إشباع الحاجات مقارنة بالأقران، فيلجأ إلى الطريق الخطأ بإشباعها بالسرقة، ومنها ما يكون للرغبة في التخلص من مأزق، وهذه أيسر علاجيا من الحالات الأخرى التي يكون فيها الدافع عدوانيا مثل الرغبة في الانتقام من أفراد أو جماعات، ومنها ما يكون الشاب فيه قد انحرف عن طريق الأقران فصار تابعا أو متبوعا في عمل إجرامي.
وهنا لابد من أمور تفعلينها أيتها الأخت الكريمة نحاول تلخيصها في هذه النقاط:
- هذا التصحيح ليس مسئوليتك وحدك ولا ينبغي أن تنفردي به، فعليك إشراك والديك فيه وبصورة جدية مع التنبيه بعد التصرف كالتصرفات السابقة إذ إن الأمر ينبغي حاليا أن يكون مختلفا فلا ضرب ولا شدة ولا عنف على الأقل حاليا، وينبغي عدم حل المشكلات مع من هم أصغر – إذا مروا بنفس المشكلات - بنفس الكيفية.
- بداية يجب أن نركز على المشكلة الأكبر "السرقة" مع الاهتمام أيضا بالمشكلة الأصغر "التدخين"، ولكن لا تقدم الأصغر بأي حال في المناقشات والحلول وغيرها، ولهذا يتم التركيز على المشكلة الأهم ثم المهم.
- أساس المشكلتين معا هو أساس الحل، فأساس المشكلة الصحبة السيئة التي تصاحب عليها أخواك، فلابد من قطع هذه الصلة تماما بكل حال، ولابد من السعي الحثيث لهذا بمفاتحة الأهل الآخرين وغيرهم مما يخفف عنكم عبء قطع هذه الصلة فيشترك معكم غيركم، ولهذا لا حل مطلقا بدون قطع هذه الصلة وغيرها.
- الجلوس معهما كثيرا والاستعانة بأهل العلم والرأي في المنطقة ممن يؤتمنون على سر، فلا تفضحا أخويكم في هذا الفعل، فالفضح يؤدي للنفور والشرود والاستمرار في هذا الفعل الخاطئ، فيجلسون معهما ويبينا لهما عظم الجرم الذي ارتكباه في جنب الله، وخطورة الاستمرار على ما هم عليه في الدنيا بالفضح والقطع وغيره وفي الآخرة بالعذاب واستحقاق غضب الله عليهما.
- محاولة دمجهما في صحبة طيبة من أقرب مسجد ليحاولوا تغيير البيئة التي يتعاملون معها ولا بأس بأن تقدموا كل غال ونفيس لهذا الأمر، فما ستجنونه بإذن الله أعظم وأفضل عند استقامتهما.
- رد المظالم إن اعترفا لكم بما قاما به من أعمال سرقة واعتداء على مال الغير، ويكون هذا الرد بحضورهما واعتذارهما ليشعرا بعظم الجرم الذي ارتكباه ولمعرفة كم كبدوا الأسرة من خسائر مادية برد أموال لم تصلهم، وخسائر معنوية في الوقوف على أبواب الناس للاعتذار وطلب المسامحة.
- محاولة إقناعهما وإخراجهما لأداء عمرة لبيت الله الحرام مع رفقة صالحة في حملة دعوية وعلى أن يكون هناك حرص خفي على أن يشهدا قطع يد سارق، فبمجرد رؤيتهما للقطع سيتغير كثير من الأشياء بداخلهما.
- لا يفرض عليهما شيء من ذلك فينبغي للوالد وكبار السر المؤتمنين أن يكلماهما في هدوء وروية وأن يستشعرا الحرص على الدين قبل أن يستشعرا الحرص على اسم العائلة أو غير ذلك، فالحديث عن غضب الله أوقع من الحديث عن سمعة أو مظهر.
- وينبغي للوالد أن يحاول مصاحبتهما فيشركهما في أي عمل من أعمال المنزل، ففي هذا تربية لهما على تحمل المسئولية، وتخليص لهما من هذه الأفعال الخبيثة.
- لابد من إشغالهما دوما في أي عمل فالوقت الفارغ عندهما سوف يحاولون فيه معاودة الكرة، فيمكن إسناد شيء لهما على سبيل الإلزام وللإشراك في المسئولية حتى لو كان يسيراً على غيرهما أداؤه، فلابد من عدم ترك مساحة خالية من الوقت لهما ولابد من ملء فراغهما.
- قبل كل ذلك وأثناءه وبعده لابد من اللجوء إلى الله بدعوة من الأب والأم في جوف الليل بأن يصلح لهما أولادهما، فالدعاء بظهر الغيب مقبول بإذن الله وللوالد دعوات لا ترد لولده، فينبغي الإكثار منها والتحذير من دعوة الوالد على ولده.
وفقك الله أختنا الفاضلة لما يحبه ويرضاه وأسأل الله أن يصلح لك أخويك وأهل بيتك وأن يبارك فيك وأن يحفظك.