2 محرم 1427

السؤال

أعمل في حقل الدعوة إلى الله منذ سنوات طويلة, ولكنني يصيبني اليأس والهموم الكثيرة عندما أنظر خلفي عبر السنين التي مارست فيها الدعوة إلى الله فلا أجد نتيجة تناسب مجهودي ولا تتفق مع الآمال والأهداف التي وضعتها لدعوتي, وربما قلت في نفسي: هل الدعوة فيها خطأ أم الخطأ منى شخصياً؟ ولماذا لم أر نتائج عملي ولماذا لم تتحقق أهدافي؟!! أجيبوني مشكورين مأجورين.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إن الدعاة إلى الله كثيراً ما يحبون أن يروا نتائج بذلهم بأعينهم ويعايشوا نجاح دعوتهم بأنفسهم, فتفرح حينئذ نفوسهم بإنجازهم ويشعرون بالسعادة على نجاح سعيهم, وهي عادة طبيعة الإنسان, فهو يحب أن يرى ما زرعت يداه كثمرة لجهوده فيفرح حينئذ بمرآها كما يفرح الفلاح برؤية منظر ثماره التي زرعها بنفسه وتعهدها بيده وسقاها من عرق جبينه. وقد يصيب الداعية إلى الله بعض الحزن والألم لما يجد بعض الإعراض من الناس أو يرى عدم الانتشار المأمول لدعوته ولفكرته الإيمانية التي ضحى من أجلها بالوقت والجهد وقد عالج الشارع الحكيم هذه الأزمة التي قد تمر بالدعاة علاجا حكيما عظيما يجب أن يتعلمه كل الدعاة وأن يتدبره كل المؤمنين.. ونحاول بيانه لك في نقاط بإيجاز: أولا: أن الله _سبحانه_ قد وعد بنصرة رسله والتابعين لهم من الدعاة إلى الله، فقال: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " وقال _سبحانه-: " وإن جندنا لهم المنصورون". ووعده _سبحانه_ وعد حق وصدق لا يتخلف أبدا..فيجب أن يوقن الدعاة إلى الله في كل مكان بذلك الوعد الحق, ويجب ألا ييأسوا ولا يقنطوا ولا يقعدوا ولا يكسلوا بل يمارسوا العمل الدؤوب والبذل المستمر سائلين الله النصرة والعون والتوفيق. ثانياً: أن هذا النصر للدعاة إلى الله والرسل لا يتخذ صورة واحدة هي صورة النصر بالغلبة المباشرة ودحر العدو كما يظن البعض, بل قد تكون له صور متعددة ومتكاثرة, فثبات الدعاة على دعوتهم ومبادئهم وقيمهم رغم الزلازل هو نوع من النصر وانتشار الدعوة نوع من النصر بل إن نيل الشهادة هو نصر بذاته, ولو كان الأمر في الدعوة كما يظن هؤلاء بأن النصر ماله غير تلك الصورة في النصر المباشر بالغلبة ودحر عدوهم لكان كثير من أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ محكوما عليه بالإخفاق، وحاشا لأنبياء الله الكرام أن يوصفوا بهذا، رغم قلة المؤمنين بدعوتهم, فهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ويمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ورغم هذا المكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إلا قليل، قال _تعالى_: " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ", وهذا النبي يحيى _عليه السلام_ قد قتلته يهود, وهذا النبي عيسى _عليه السلام_ قد رفعه الله إليه... وغيرهم كثير وكذلك كان أمر كثير من الأنبياء فإنهم يحشرون يوم القيامة، ومع بعضهم الواحد والاثنين والثلاثة، وبعضهم لا يكون معه أحد من المؤمنين. أخرج الترمذي من طريق ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: " ولما أسرى النبي _صلى الله عليه وسلم_ جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، والنبي والنبيين وليس معهم أحد ". ثالثا: إن الله _سبحانه_ قد علم رسوله _صلى الله عليه وسلم_ هذا المعنى عند أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة، فقال: " فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ". وقال " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ", فأمر الهداية بيد الله _تعالى_، وهو القائل: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ". وقد قص علينا النبي _صلى الله عليه وسلم_ قصة غلام الأخدود وكيف أنه بذل نفسه لتنتصر دعوته فلما صدق في ذلك وفاضت روحه قضى الله بالانتشار لدعوته, بل إن هناك معنى آخر في قصة الأخدود وهو عذاب القوم الذين آمنوا بعد الغلام وإلقائهم في الأخاديد وثباتهم في ذلك وكأنهم قد وعوا الدرس جيداً، فعلموا أن النتائج بيد الله، وأن عليهم الثبات إلى النهاية. رابعاً: بين القرآن الكريم أن النصر إنما يتأتى لأهل الإيمان عند تمام التسليم له وهو حال شعورهم بالتضييق والتعب, بل لعل الإشارة القرآنية تدل على أهمية وجود تلك المرحلة الوسيطة بين الدعوة والاستجابة وهي مرحلة الشدة التي قد يمر بها الدعاة وهي دلالة قوله _تعالى_: " وظنوا أنهم قد كذبوا " والوصول إلى هذه المرحلة وسيط بين الدعوة وبين المرحلة الثالثة " جاءهم نصرنا ", وإلى ذلك يشير الإمام ابن كثير إذ يقول: " يذكر _تعالى_ أن نصره ينزل على رسله _صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين_ عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه، كقوله _تعالى_: "وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله ".