14 صفر 1428

السؤال

أنا شاب استقام ولله الحمد منذ سنة، ومشكلتي هي عائلية، أرجو أن تساعدوني، وهي أني لا أجد عاطفة ولا حبا مع أسرتي، وهذه المشكلة من قبل الاستقامة، حيث إني لا اشعر أني أحب أبي وأمي، ولا أفراد أسرتي، مع أني ألبي جميع طلباتهم، وأشتري لهم الهدايا إذا رجعت من سفر، وأحاول أن اظهر لهم الحب، لكن في قلبي لم أشعر أني أحبهم لحظه واحدة، علماً أني لا أكرههم، فهم يبقون أهلي، لكن عجزت أن أحبهم.. أرجو أن تساعدوني.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: الأخ السائل، لقد تفهمت سؤالك وأحب أن أبث إليك إجابة حوله من خلال عدة محاور أرجو أن تتدبرها جيدا مرات ومرات.. أولا: لقد أمرنا الله ببر الوالدين أمرا واجبا فقال سبحانه: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" (الإسراء: من الآية23)، ورفع مقام برهما رفعة ليست لعمل آخر غير الصلاة، فقال كما في صحيح البخاري في أول باب الأدب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة على وقتها قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". بل قد وعد الله سبحانه بالخير والبركة وإجابة الدعاء لمن بر والديه، إذ بوب الإمام البخاري بابا بعنوان: باب إجابة دعاء من بر والديه وساق فيه حديث الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة في كهف الجبل وأن أحدهم دعا ربه أن يفرج عنهم ببره لوالديه فانفرجت الصخرة. ثانيا: أن الله سبحانه قد جعل عقوق الوالدين – يعني معصيتهما وصدور ما يتأذى منه الوالد من ولده من قول أو فعل (كما قال الحافظ في فتح الباري) – جعل الله سبحانه هذا العقوق من كبائر الذنوب، إذ يروي البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال: "الشرك بالله, وقتل النفس، وعقوق الوالدين..الحديث". ثالثا: أن البر المقصود بالوالدين هنا – كما أوضح العلماء _ هو طاعتهما في المباحات والمستحبات وفروض الكفاية وتقديم رغباتهما ومرضاتهما على رغبات الزوجة والأولاد والأصحاب وغيرهم، خصوصا عند تعارض رغباتهما مع أي أمر من أمور الدنيا، وكذلك السعي لإسعادهما وإرضائهما وإجابة مطلوبهما على أي مطلوب آخر ماداما لم يأمراه بمعصية. رابعا: القلب الطبيعي الخالي من الأمراض يحب والديه أشد حب إذ إنه قد رأى منهما أنهما سبب في وجوده وأنهما بذلا له وضحّيا من أجله، إضافة على طول العِشرة وصفاء التمني له بالخير والنجاح، كما أن العقل السليم الخالي من الشطط يحب والديه أشد حب إذ إنه يراهما أقرب الناس إليه وأنه قد ارتبط اسمه باسميهما ومصيره بمصيرهما على أية حال، كما أن العقل والقلب الطبيعيين ليألفان ويحبان باقي الأسرة ماداموا هم جميعا تربطهم روابط الرحم وروابط العقيدة في لا إله إلا الله. خامسا: إذا كنت شكوت في رسالتك من عدم محبتك لفرد من أفراد أسرتك بالخصوص فقد يكون ذلك مقبولا بأسبابه، أما شكواك من عدم محبتك لجميع أفراد الأسرة فهو أمر مستغرب وقد يدلني على شيء ما غير طبيعي في شكواك، وهذا الشيء أنت الوحيد الآن الذي تستطيع توصيفه، ولكنني أستطيع تصور احتمالات أسباب ذلك النفسية: فأنت قد تكون قد مرت بك ظروف قاسية في وقت من الأوقات شكوت فيها شكوى حادة من الوحدة والتفرد أو الضعف وعدم القدرة على الدفاع عن نفسك فنتج لديك شعور سلبي تجاه جميع المقربين إذ إنهم لم يقفوا بجانبك خلال ذلك الموقف، أو إنه قد تكون قد احتجت إلى دعم ما؟! في مطلب مهم لك رأيته أساسيا ومحوريا في حياتك ولم تجد دعما من المقربين إليك ومن أسرتك بالخصوص الذين كنت تنتظر منهم الدعم فنتج عندك هذا الشعور، أو إنك قد تكون من أصحاب الحساسية النفسية الشديدة فأنت تؤول كل سلوك بتأويلات خاصة وهذا يدفعك لتفسير خاطئ لسلوك من حولك فينتج عن تراكم ذلك نوع سلبي من المشاعر، كما أعتقد أنك لو مررت بمواقف كانوا فيه بجانبك وشعرت فيه بإيجابية دورهم معك لبدأت مشاعرك في التغيّر سادسا: قد أشك في تسميتك لما تجد من مشاعر قد أطلقت عليها "مشاعر عدم الحب" تجاه أسرتك ووالديك وإخوتك، وأظن أن ذلك هو نوع من عدم الرضا عن بعض التصرفات والسلوكيات والمواقف وغيره، كما أظن أنه يمكنك أن تتخذ بعض التدابير لمحاولة علاج ذلك الشعور وأقترح عليك ما يلي: 1- أن تتذكّر فضل أبويك عليك، ومواقفهما الطيبة معك منذ صغرك وأن تدوّن ذلك في ورقات بكل شفافية وعدل. 2- أن تخذل الشيطان إذا ذكّرك بأخطائهما معك أو مواقفهما السلبية وأن تعلم أن لكل إنسان كبوة أو كبوات. 3- أن تزن قيمة أسرتك بميزان صحيح بين السلبيات والإيجابيات ولا تطغى عليك سلبية ترى بها جميع أحوالهم. 4- أن تعرض سؤالك هذا على بعض أهل العلم الراسخين وتستمع إلى نصحهم وتوجيههم بشكل تفصيلي أكثر. 5- أن تصبر على بر والديك برا كثيرا فهو متحتم في حقك أكثر من غيرك. 6- أن تدعو الله سبحانه كثيرا أن يزيل ذلك الشعور ويحببك فيهم حبا لله فإن الحب في الله طاعة عظيمة على أية حال.