13 ربيع الثاني 1429

السؤال

أنا طالب علم والحمد لله على كل حال.. لكن عندي آفتان على وشك أن تقتلاني:
1ـ أحب أن أكون مشهوراً وأن أكون أفضل الناس وأن أكون عالماً وأن يعرفني الداني والقاصي حتى تعبت من ذلك الشيء.
2ـ دائماً ما أقارن نفسي بالآخرين (الدعاة, العلماء, الأقران) فأقول: انظر إلى فلان حفظ يوم إن كان في عمري كذا وكذا وأنا لم أحفظ وعنده من قدرات الحفظ وأنا "عادي في حفظي وذكائي" وأحسد بعض أقراني الذين أعطاهم الله ذكاءً متوقداً وحافظة حديدية، وأيضاً إن طالعت في السير أقارن بيني وبين ابن تيمية وغيره، انظر كيف كان علمه وذكاؤه وحفظه.
والله إن صدري أشبه ما يكون فيه نار متوقدة، وتعبت نفسياً.. وبكيت بكاء الثكلى.. أرجوكم أريد جواباً واضحاً، وفيه شفافية وعدم غموض ومصارحة... أنا متفائل أنكم سوف تدلوني إلى الحق بإذن الله أنتظر ردكم..

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخ السائل الكريم..
بداية أشكر لك صدقك مع نفسك ومعرفتك بعيوبها كما أشكر لك سعيك لعلاج ما تراه من أمراض نفسك فهذا هو السبيل الصحيح للإصلاح الذاتي..
ولقد رأيت في كلامك أشياء ممدوحة وأخرى مستنكرة..
فأما الممدوح فهو تطلعك للأفضل وتشبهك بالصالحين والعلماء والأفاضل، وأما المستنكر المذموم فهو ما ذكرته من الحسد والرغبة في الشهرة وما يمكن أن يسببه من مراءاة الناس والحرص على التجمل أمامهم وحب مديحهم.
والحق أيها الأخ الكريم هي صفات خطيرة وقد تتسبب في هلكة المرء إن لم يسارع بمعالجتها..
فحب الشهرة يجر إلى حب الرياسة وحب التسلط على الآخرين والتحرر من سلطة الغير والرغبة في إعطاء الأوامر وفي الحديث : (ما من رجلٍ يلي أمر عشرةٍ فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً يده إلى عنقه، فكه بره أو أوثقه إثمه) فحب الظهور وحب الصيت والشهرة، مرض يقدح في الإخلاص ويجرح الإخلاص، بل مرض ينافي الإخلاص من أساسه؛ ولذلك في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه أحداً غيري تركته وشركه)".
وعلاج ذلك معرفة عواقب تلك الصفة الذميمة وتعويد النفس على التواضع وأن يسعى الإنسان إلى إخفاء عمله، وإخفاء ذكره فلا تبقى إلا عبوديته لله.
(وأحيلك ههنا إلى مقال نشرناه بالموقع بعنوان "الخبيئة الصالحة.. زورق النجاة ")
وأما الحسد فهو وصف لا يتصف به المؤمنون الصالحون ولكن يتصف به الخبثاء وأصحاب النفوس الدنيئة ولا أحسبك من هؤلاء أبداً، وأقصد بالحسد استعظام النعمة عند الغير وتمني زوالها منه وأن تكون عندك.. وقد أمرنا الله بالاستعاذة منه..
وعلاجه أيضا أن تعرف سوءه وقبحه، ثم تعلم أن نعم الله سبحانه هبة منه عز وجل وهي لحكمة بالغة من الله سبحانه ولا تقاس بالنظر، وعليك أن تنظر لما في يديك لا ما في يد الآخرين،وتعلم أنك بالاستعانة بربك يمكنك أن تحصل ما تريد بإذنه سبحانه..
ثم دعني أنصحك أيها الأخ السائل بأن تجعل لك من قيام الليل نصيبا ومن الدعاء وقت السحر نصيبا وأن تناجي ربك وتسأله أن يذهب ما بنفسك من مرض وأن يبدلك بدلا منه خيرا وأن تكثر من مجالسة العلماء والأتقياء..
رعاك الله.