27 ربيع الثاني 1439

السؤال

كيف يستطيع المؤمن بناء قلبه السليم؟ هل من خطوات أو نصائح؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فإن الله سبحانه قد جعل القلوب أوعية الحقائق الإنسانية والطباع البشرية، إن صلحت صلح الإنسان وان فسدت فسد، فهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله" أخرجه مسلم.

 

كما أعلمنا سبحانه أنه لا يقبل من عبد يوم القيامة عمله الصالح إلا إذا أتاه بقلب سليم، فالقلب السليم إذن هو الطريق الوحيد للنجاة من عذاب الله يوم القيامة، قال سبحانه على لسان إبراهيم عليه السلام: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، فهو قلبٌ خالٍ من الشبهات ومن الشهوات.

 

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن "المولود يولد على الفطرة" أخرجه مسلم، فهو يولد بقلب نظيف طاهر، ثم يتعرض للمؤثرات المختلفة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فإما من يشربها ومن يرفضها" أخرجه مسلم.

 

والمرء هو الذي يتولى إصلاحه بعون الله جل وعلا، ويتسبب في إفساده بذنوبه ومعاصيه وآثامه الباطنة والظاهرة.

ولئن سألت عن إصلاح القلوب وبنائها فأقول أن:

 

أعظم خطوات إصلاح للقلب هو التوحيد، وسلامة العقيدة، قال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي موحِّد خالص، فقد جاء ربه بتوحيده وإخلاصه، ولذلك هو خليل الرحمن.

 

كذلك فإن ابتعاد القلب عن الوقوع في الشبهات خطوة أساسية ورئيسة في إصلاح القلب، فالشبهات هي التي تدمر القلب وتفسده.

ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حب العجل بالشُبَه التي بثوها.

 

أيضاً البعد عن الشهوات، لأن الشهوات ظلمة، وهي تنكت في القلب نكتاً؛ فتكاد أن تُظلمه {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.

 

كذلك على المؤمن إذا أراد إصلاح قلبه، إذا وقع في معصية أن يبادر إلى التوبة والاستغفار منها، كما يبادر إذا وقع على ثوبه شيء بغسله مباشرة ومن واقع الحياة قد تلاحظون أن من يغسل ثوبه مباشرة إذا أصابه أذى أسرع وأنجع أثراً ممن يغسله بعد أن يصيبه ويدنسه، فكذلك إذا أصاب معصية يتوب إلى الله ويستغفر فورا، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. 

 

وعلى المؤمن ألا ييأس من روح الله جل وعلا، فليتب قبل أن تتكاثر عليه معاصيه فتهلكه.

 

وذِكْر الله سبحانه، هو دواء القلب وشفاؤه، وهو حياة القلوب، ولا يكاد القلب أن يصير حياً وهو بعيد عن ذكر الله.

 

ودعني أزيد لك وصفاً آخر - لمن أراد إصلاح قلبه - وهو "العفو"، أن يعفو الإنسان ويصفح ويغفر، فالإنسان إذا عوّد نفسه العفو، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة، وكان من علمائنا من يبادرون بالعفو وأصبح محبوباً لدى الناس وصار هذا الوصف حصانة له وسلامة لقلبه قال سبحانه: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

 

وأخيرا فالقلب كالبدن له مغذيات، وغذاؤه بقراءة القرآن وتدبره، ونوافل الطاعات، والتعود على خبيئة الصالحات من الصدقات وسجود جوف الليل الآخر وحسن الأخلاق.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.